بشكلها الراهن وقواعدها المعاصرة. . مشروع أميركي لا يستثنى من مكاسبه الكثير من
البلدان النامية والغالبية العظمى من دول القارة الأفريقية فحسب، بل ويرمي إلى
العودة بالعالم إلى العصر الاستعماري وترسيخ الهيمنة على خيرات الشعوب، من خلال
السيطرة على الموارد البترولية في العالم والهيمنة على حقوق براءات الاختراع
والملكية الفكرية، والتحكم بوسائل الاتصال الدولة، واحتكار إنتاج البذور الزراعية المعدلة جينياً، باعتبار أن
احتكارها يمكن الولايات المتحدة الأمريكية من السيطرة على أنتاج المواد الغذائية في
العالم أجمع.
. يتناول هذا الكتاب تحليل قضية العولمة من منظور عقلاني شامل يحيط
بها من مختلف أبعادها ومن منظور إنساني إذ عالج الأبعاد المختلفة للعولمة وما
صاحبها من تدهور مستوى المعيشة وأتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء وتقليص دور
الدولة في مجال الخدمات، كما تتميز بالدفاع عن العدالة الاجتماعية والديمقراطية
وحقوق الإنسان.
الكتاب الذي ترجمة الدكتور/ عدنان عباس علي والصادر عن المجلس
الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت قدم مؤلفاه "هانس بيتر مارتين
وهارالدشومان " وجهة نظر مختلف عما هو شائع من الأحاديث والأفكار الملتهية حول
العولمة والتي تدور الآن بين المثقفين العرب.
تطرقنا في الحلقة السابقة إلى أنه
لم يعد الاقتصاد الياباني يعاني من تراجع معدل النمو الاقتصادي فحسب، بل صار يئن
تحت وطأة الانكماش وما رافقه من مضاعفة لعدد العمال العاطلين عن العمل. .
ويتربع
المصرف المركزي الأمريكي على القمة وفي المرتبة الثانية يأتي المصرف المركزي
الياباني والمصرف المركزي الألماني اللذان يهيمنان بدورهما على جيرانهما في مناطق
نفوذ الين والمارك الألماني في أسواق المال على أقل تقدير وتعني العولمة حتى الآن
أمركة العالم إلى حد ما ولا يجد رجال من قبيل Moerite مهنتهم تكمن في المال
والتجارة ما يضير في ذلك "فلربما كان هذا هو الثمن الذي يتعين علينا دفعه لما يقدمه
لنا التدخل الأمريكي في البلقان" وفي الواقع فإن الضرر الاقتصادي الذي تفرزه هذه
التبعية عظيم بلا مراء مع العلم بأنه لا يخلو بالنسبة إلى الولايات ا لمتحدة
الأمريكية نفسها من مخاطر ومجازفات ولعل في مثال البلد الصاعد ماليزيا مؤشراً على
ما سيحدث فبقيادة مهاتير محمد رئيس الوزراء الطويل العهد صعد هذا البلد ليصل إلى
مصاف أكثر البلدان الآسيوية الصاعدة اقتصادياً وكان قد راق لمهاتير مواجهة ما يبديه
الغرب من تكبر وانحطاط وأهداف استعمارية فقرر في عام 1988 توجيه ضربة لخصومة في
صميم ساحتهم أعني في سوق العملات.
وكان المصرف المركزي في هذه البلاد قد أصيب من
قبل بخسائر فادحة فسياسة أسعار الفائدة العالية التي انتهجتها إدارة ريجان كانت قد
تسبب على مدى سنين طويلة في إرتفاع عظيم في سعر صرف الدولار بعد ذلك اتفق
الأمريكيون في لقاء سري في فندق بلازا في نيويورك مع المصارف المركزية في كل من
اليابان وبريطانيا وألمانيا على التدخل والعمل معاً على خفض سعر الصرف من جديد
فأنخفض سعر صرف الدولار انخفاضاً كبيراً جداً إذ فقد حوالي 30% من قيمته الأمر الذي
أثار الغضب لدى سري داتو جعفر بن حسين رئيس مصرف Negera والموظف لدى شركة الحسابات
القانونية سابقاً وذلك بسبب الانخفاض العظيم الذي لحق دونما ذنب ارتكبه بقيمة
احتياطي ماليزيا من الدولارات وكان قد أعلن غضبه في سياق خطاب ألقاه في نيودلهي في
الهند أكد فيه أن اتفاق بلازا قد غير قواعد اللعبة جذرياً.
وهكذا راح من جانبه
هو أيضاً لا يلتزم من الآن فصاعداً بقواعد اللعبة التي يتعين بمقتضاها على كل مصرف
مركزي، السهر على تحقيق الاستقرار فراح يعمل وبتغطية من مهاتير على العكس تماماً
مما يحتمه هذا القانون غير المكتوب مشعلاً بذلك فتيل حرب عصابات في عالم المال ذلك
أن Negera مزود بكل ما يتمتع به المصرف المركزي من امتيازات قرض لا حد له ونافذة
مثلى تطل على المعلومات وسلطة كبيرة لكونه جهاز رقابة أخذ يضارب بنجاح ضد عملات
مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى وبناء على ما لدى الماليزيين من وسائل رهان
كبيرة وغير محدودة لم يكن الأمر عسيراً فغالباً ما كانوا يبيعون إلى عشرات المصارف
في وقت واحد مبالغ يصل مجموعها إلى المليارات من عملة معينة متسببين في فقدان الثقة
بالعملة المعينة وبانهيار سعر صرفها أكثر فأكثر وإذا ما انخفض سعرها بما فيه
الكفاية وتأكد مصرف Negera من أن موجة البيع قد بلغت الذروة فإنه يعود ويشتريها من
جديد محققاً أرباحاً دسمة.
ولعل الهجوم الذي شن على الجنيه الإسترليني في عام
1990 خير مثال على ذلك ففي خلال دقائق معدودة رمى مقاتلو مهاتير الماليون مليار
جنيه في السوق مسببين انخفاضاً في سعر الصرف بلغ خمسة سنتات أمريكية للجنيه الواحد
الأمر الذي أثار حنق المصارف البريطانية ودفعها لأن توحد صفوفها لدرء مخاطر هجوم
آخر في المستقبل إلا أن Negera كان يحظى بمساعدة طوعية قدمتها بلدان أخرى وهذا ليس
بالأمر العجيب فبالنسبة إلى كل مصرف كان الوقوف في الوقت المناسب على عمليات Negera
فرصة ذهبية بلا مراء وعلق مسؤول كبير في ا لمصرف المركزي الأمريكي على المضاربات
المفتعلة بتكليف من الدولة قائلاً: "لو كانوا قد حاولوا ما حاولوه في إحدى بورصات
العالم الخاضعة لرقابة الدولة لكان قد زج بهم في السجون".
لكن الأمر يختلف في
سوق العملات الدولي الذي يتعامل في إطاره بعض المصارف مع البعض الأخر فههنا لا وجود
للدولة التي تستطيع معاقبة المضاربات المفتعلة ومهما كانت الحال فقد نال Negera
جزاءه على أيدي مضاربين اقتفوا خطاه ولكن بجرأة أكبر وحينما إنهار نظام النقد
الأوروبي كان تقييم جعفر للموقف خاطئاً إذ إنه ما كان يتصور أن البريطانيين
سينسحبون من نظام النقد الأوروبي بالسرعة التي انسحبوا منه بها الأمر الذي كلف
المصرف في العامين 1992 و 1993 خسارة بلغت حوالي ستة مليارات دولار وهكذا صار جعفر
مسؤولاً عما وصفه زعيم المعارضة ب"أكبر فضيحة مالية في ماليزيا" وفقد منصبه ومنذ
ذلك الحين لم يقدم خلفه على مثل هذه المجازفات وتشهد مضاربة Negera على عظم ميل
عالما لمال المترابط إلكترونياً إلى التوترات التي يسببها لنفسه هو ذاته فبناء على
النمو الانفجاري للأسواق لم يعد اليوم بمستطاع بلد صغير كماليزيا تهديد استقرار
النظام إلا أن فوهة البركان الدولاري حسب تعبير هانكل لا تزال ترمي دولارات أكثر
فأكثر متسببة فينمو أرصدة العملة الأمريكية المتداولة في خارج حدود الولايات
المتحدة الأمريكية وها هي المصارف المركزية الأسيوية قد صارت تتحكم بما يقرب من نصف
مالدى العالم من احتياطي بالعملات الصعبة فلدى الصين رصيد يزيد على "70" ملياراً
ويتوافر لتايوان المبلغ نفسه أما اليابان فإنها تمتلك ما يزيد على ضعفه وكانت مجلة
Economist قد علقت في عام 1995 محذرة من أنه في حالة تعاظم الخلافات بين أمريكا
وشركائها الآسيويين في التجارة فإن هذه الأرقام تقدم "مادة لفيلم مالي
مرعب".
حتى الآن ليس هناك احتمال لأن تتآمر دول آسيوية معادية لأمريكا على
الدولار وبالتالي على النظام العالمي وذلك عن طريق مبيعات واسعة النطاق.
إذ لا
تزال هذه البلدان تخضع للسوق وفي حاجة إلى الدرع العسكرية الأمريكية في حمايتها غير
أنه ليس هناك أمر يشترط استمرار هذه الحالة، فدينامية الأمم الأسيوية الصاعدة تحول
ميزان القوى صوب آسيا.