بشكلها الراهن وقواعدها المعاصرة. . مشروع أميركي لا يستثنى من مكاسبه الكثير من
البلدان النامية والغالبية العظمى من دول القارة الأفريقية فحسب، بل ويرمي إلى
العودة بالعالم إلى العصر الاستعماري وترسيخ الهيمنة على خيرات الشعوب، من خلال
السيطرة على الموارد البترولية في العالم والهيمنة على حقوق براءات الاختراع
والملكية الفكرية، والتحكم بوسائل الاتصال الدولة، واحتكار إنتاج البذور الزراعية المعدلة جينياً، باعتبار أن
احتكارها يمكن الولايات المتحدة الأمريكية من السيطرة على أنتاج المواد الغذائية في
العالم أجمع.
. يتناول هذا الكتاب تحليل قضية العولمة من منظور عقلاني شامل يحيط
بها من مختلف أبعادها ومن منظور إنساني إذ عالج الأبعاد المختلفة للعولمة وما
صاحبها من تدهور مستوى المعيشة وأتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء وتقليص دور
الدولة في مجال الخدمات، كما تتميز بالدفاع عن العدالة الاجتماعية والديمقراطية
وحقوق الإنسان.
الكتاب الذي ترجمة الدكتور/ عدنان عباس علي والصادر عن المجلس
الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت قدم مؤلفاه "هانس بيتر مارتين
وهارالدشومان " وجهة نظر مختلف عما هو شائع من الأحاديث والأفكار الملتهية حول
العولمة والتي تدور الآن بين المثقفين العرب.
أشرنا فيما سبق إلى أن الحكومات في
كل مكان طأطأت رأسها لتهديد المتاجرين بالمال.
فقد أخفق مشروع مرتين في هذه
الخصوص في الحصول على موافقة الكونغرس الأمريكي، كما أذعنت وزارة المالية الألمانية
لهذا التهديد للمتاجرين بالانتقال إلى خارج ألمانيا ولم تبدِ أي اعتراض على الرغم
من مليارات العجز في موازنتها المالية.
ويبرر وزير الدولة "يورجن شتارك" الزهد
المالي حيال المضاربين بدعوى أن اقتراح توبين "لم يعد ممكناً التطبيق اليوم وأنه
ينجح فقط عندما تأخذ به كل دول العالم البالغ عددها "190" دولة بلا
استثناء".
وكان Huffschmid قد وصل إلى خلاصة فحواها، أن هذه الاقتراح المنطقي
"الرامي إلى الحد من الأضرار الاقتصادية المتأتية من الاضطرابات في أسواق العملات"
لا يرفض في الواقع بسبب استحالة تطبيقه بل بسبب عدم انسجامه مع طموحات القطاع
المصرفي على جني الأرباح وفي الحقيقة وحتى بضريبة المبيعات هذه لن يكون في الإمكان
ترويض القطاع المالي الذي استفعلت وحشيته ما دامت الدول تتبارى على رأسماله وعلى ما
يخلقه من فرص عمل ولكن مع هذه لا ينبغي لبعض الدول ودول الاتحاد الأوروبي على وجه
الخصوص البقاء مكتفة الأيدي فهذه الدول في مستطاعها أن تتدبر الأمر منفردة كما أوضح
توبين في دراسة جديدة قدمها في صيف عام 1995 المطلوب منها فقط أن تتقدم بالموضوع
الضريبي خطوة أخرى فتخضع إقراض عملتها إلى المصارف الأجنبية بما فيها فروع مصارفها
الوطنية في الخارج أيضاً إلى ضريبة إضافية لن يكون في الإمكان التهرب منه: فمن يرد
المضاربة على الفرنك فلا مناص له بادئ ذي بدء من أن يقترض الفرنك وحتى إن اقترض
المبلغ المطلوب من مصرف في نيويورك أو سنغافورة فإن سيتعين في نهاية المطاف على هذا
المصرف نفسه الاقتراض لدى المصارف الفرنسية التي ستحمل زبائنها عبء الضريبة
الإضافية.
ومعنى هذا أن الضريبة ستواجه المضاربة غير المرغوب فيها في الصميم أي
في الينبوع الذي يمولها بالسيولة الضرورية أعني القروض التي تزودها بالأموال التي
تضارب بها عملياً ستلغى عبر الضريبة بعض جوانب التحرير الكلي لتنقل رأس المال من
جديد.
في الوقت نفسه لن يكون للأمر أثر يذكر في المتاجرة بالبضائع وفي الاقتصاد
الحقيقي أي الإنتاجي فالضريبة الإضافية لن يكون لها وزن يذكر بالنسبة إلى
الاستثمارات الخارجية الصناعية أو بالنسبة إلى المتاجرة بالسلع إلا أنها ستكون
بلاشك عظيمة الأثر بالنسبة للعمليات التي تضارب بالمليارات وتحقق أرباحاً طائلة بها
بالنسبة للعمليات التي تضارب بالمليارات وتحقق أرباحاً طائلة بها من ربح ضئيل ينجم
عن تغير سعر الصرف بمقدار نقطة مئوية واحدة.
ولعل من مفارقات القدر أن معاهدة
"ما سترخت" الموقعة من قبل بلدان الاتحاد الأوروبي قد أجازت صراحة إمكان فرض رقابة
على تنقل رأس المال من جديد عند الحاجة إلى ذلك إلا أن إستراتيجية من هذا القبيل
تبدو للمصرفين وعلما الاقتصاد المؤمنين بجدارة نظام السوق بدعة تنطوي على ا لشرور
وكان هؤلاء المدافعون عن مصالح رأس المال قد حظوا بدعم من قبل غالبية محرري الشؤون
الاقتصادية في وسائل الإعلام الكبيرة فها هي صحيفة Frankfurter Allgemeine Zeitung
تهذي وتقول: أن ضريبة توبين "سيادة دولة أورويل على العالم بأسره".
صيحات تذمر
واقتراحات حكيمة ومع هذا يتزايد عددتها في سوق النقد الخالية من الرقابة والضوابط
حتى في صفوف النخبة السياسية فابتداءً من وزير المالية الكندي وعبر زملائه في طوكيو
وباريس وانتهاء بمحافظتي المصارف المركزي في جنوب شرق آسيا وهولندا هناك سياسيون
حكماء يقدمون منذ سنوات اقتراحات كثيرة ترمي إلى إدخال الضوابط على أسواق المال من
جديد وكان جال ديلور الرئيس الأسبق للمفوضية الأوروبية قد ذهب إلى أبعد مدى في هذا
السياق فقد طالب إبان أزمة النظام النقدي الأوروبي في صيف عام 1993 في خطاب ألقاه
أمام البرلمان الأوروبي في "شترا سبورغ" بضرورة اتخاذ الخطوات اللازمة للحد من
تنقلات رأس المال لأهداف المضاربة.
مشيراً إلى أنه تعين على أوروبا أن تكون "في
وضع يمكنها من حماية نفسها"، ومضى "ديلورس" قائلاً: إن المصرفيين أيضاً لا يحق لهم
أن يتخذوا كل ما يحلو لهم ولم لا يجوز لنا وضع بعض القواعد؟ ولم لا ينبغي للمجموعة
"الأوروبية" اتخاذ المبادرة؟" وكانت قد انطلقت في الحال صيحات التذمر والاستنكار
الشديد اللهجة فقد راح رئيس المصرف الألماني هيلمار كوبر يعلن استنكاره قائلاً :
إلى أين سينتهي بنا المطاف إذا كان الرجل الذي سهر على إنشاء السوق المشتركة هو
نفسه قد صار ينادي بالرقابة؟ وبالتالي فقد راح وبمعية رئيس المصرف الألمانيين يعلن
استنكار "تشويه سمعة المضاربين".
مؤكداً على أن المطلوب هو انتهاج السياسة
الألمانية الرشيدة فقط.
وحتى الآن لم تتجرأ أي حكومة على مواجهة هذه القوى
العاتية وبالتالي فقد كان على كل الراغبين في صلاح الحال الإذعان للرد والصد دائماً
وأبداً ومع هذا فقد بلغت الفوضى المالية العالمية الذروة واقتربت من نهايتها إذ
مهما طال الزمن فلا مناص من إخضاع أسواق رأس المال من جديد لرقابة الدولة الصارمة
فالدينامية الذاتية الفوضوية السائدة في عالم المال قد صارت ترعب حتى المتعاملين في
هذا العالم أنفسهم ففي هذا العالم الذي تتشابك فيه عبر أجهزة السيطرة الإلكترونية
على العمليات الملايين من أجهزة الكمبيوتر أخذت مخاطر شبيهة بمخاطر التقنية النووية
تزداد وتتراكم.
المشتقات: كمين الإنهيار غير المتوقع وما كان أحد قد أخذ في
الحسبان ما حدث فلا المتعاملون ولا مدير وصناديق الاستثمار كانوا قد استعدوا
لمواجهة الحدث لا سيما أن الاقتصاد الأمريكي كان قد بدأ في ربيع عام 1994 على نحو
يدعو إلى الاطمئنان فاستثمارات المؤسسات الكبيرة تسير على قدم وساق والاستهلاك
يرتفع.
والمواطنون الأمريكيون مشغولون ببناء المساكن على نحو فاق نشاطهم في ماضي
السنين وبسبب الخوف من التضخم النقدي المحتمل في سياق هذا الازدهار الاقتصادي البين
ارتأت اللجنة التي يرأسها "غرينسبان" في المصرف المركزي الأمريكي والمكلفة بمراقبة
التطورات في الأسواق.