عبدالجليل الحمادي
يجمعهم هدف واحد هو الوصول للعدالة فإذا كان ممثل الإدعاء هو الملم بكافة جوانب
القضية إما لأنه تولى التحقيق فيها أو قام بدراستها لإبداء رأيه.
وإذا كان القاضي قبل إصداره للحكم في قضية ما فإنه
يقوم بدراسة ملف القضية وسماع الخصوم والإدعاء قبلهم ليخلص إلى محصلة توصله إلى
حيثيات الحكم فإن المحامي ملزم أكثر من المدعي بالحق العام ومن القاضي بدراسة الملف
وسماع أقوال من يمثله قانوناً بحيادية تامة توصله لقناعة الدفاع عنه بمقتضى القانون
لا بالخروج عنه وباستخدام وسائل احتيالية على هذا القانون بغية الشهرة أو الكسب
المادي.
لذلك وجب على المحامي الإطلاع على صورة من ملف القضية وسماع منه طلب من
الدفاع عنه وكل ما لديه ليخرج بدراسة قانونية جادة يستطيع بموجبها عرض الموقف
الحقيقي لموكله وكذلك إبداء رأيه النهائي في قبول القضية من عدمه.
فالمحامي من
ذوي الخبرة في القانون ويستطيع أن يلم بالقضية ويصل إلى قناعة يوصلها لموكله بصدق
كونه الأوثق والأقرب إليه ولا ضير من حصوله على أتعابه مقابل إعداد هذه المذكرة
القانونية.
لكن استغلال البعض لخبرتهم القانونية بأسلوب تسجيل انتصار مادي أو
معنوياً بعيداً عن السعي لتحقيق العدالة وبعيداً عن الحقيقة بل ورسم حيل ومخارج
قانونية لا تليق بهم كمساعدين للعدالة فهذا مضيعة للحقوق وطول أمد قضايا بلا مبرر،
كما اللحن بالحجة مع علمه بغير ما يدافع عنه هو ما يخرج المتخاصمين من دائرة الحق
إلى البحث عن غير ذلك بشتى الطرق.
إن المذكرة القانونية التي يصنعها المحامون
الحقيقيون هي عصارة خبرة ودراية المحامي بالقانون وما بذله من جهد للإلمام بالقضية
بحيادية تامة هدفه الأساس الحق ليس إلا، لذلك تعتبر بعض المذكرات القانونية مرجعاً
للدراسين وهواة البحث القانوني.
أما المدافعة الخالية حتى من الإطلاع الجاد على
دعوى القضية والخالية من مذكرة قانونية أشبه بما أورده أحدهم من طرفة على موقع
"محامون" قال إن أحدهم تولى الدفاع عن حمار وقع على كلب فقتله وقبل دفاعه سمع دعوى
محامي مالك الكلب الذي بذل جهداً في شرح فصيلة الكلب وخسائر مالكه في تدريبه
وتربيته وختم دعواه بطلب تعويض كبير من مالك الحمار.
ثم قام محامي مالك الحمار
وقال سيدي القاضي لا يغرنك ما يشاع عن الحمار من اسمه أنه غبي بل على العكس الحمار
من أذكى الحيوانات وليس غبياً ليسقط على الكلب فقد كني بابي زياد، فقال له القاضي
إختصر يا أستاذ وأدخل في الموضوع فرد عليه المحامي أرجو أن يتسع صدركم فقد حكي أن
هذا الحمار أوصل طفلاً إلى الوزارة فقد خرج أحد الولاة إلى السوق ورأى الغلام يضرب
حماراً فقال له يا غلام إرفق به فقال له يا سيدي إن في الرفق به مضرة عليه وفي
الشدة والضرب رفقاً به فقال له الوالي وكيف ذاك..؟ قال الغلام إن رفقت به أبطأ في
سيره وأثقل عليه حمله وأتعبه طوال المسير وإن شددت عليه أسرع في مشيه وخف حمله
وتقصر مدة سيره فقال له الوالي أحسنت إن لك رجاحة عقل ولو لا صغر سنك لعينتك بين
وزرائي..إلخ.
حوار أوصل الوالي إلى قناعة تامة بتعيين الغلام وزيراً له ولعل
المتابع لجلسات المحاكمات يلاحظ وإن لم يكن ضليعاً بالقانون ضعف أداء بعض المحامين
وجهالتهم لأمور غاية في الأهمية قد تضعف موقف موكله في القضية فأنا أراهن على أن
ذلك الضعف يكون في الغالب عن قلة إلمام المحامي بمجريات القضية لا عن قلة الخبرة
القانونية.
لذلك ووفق رأيي الشخصي إن المذكرة القانونية ضرورية ويجب على المحامي
أن يلتزم بها لما فيها من إظهار الموقف القانوني لموكله ليكون على إطلاع بكل مجريات
القضية ويظل المحامي يدافع عن رأيه القانوني الذي سبق وأن أوضحه في تلك المذكرة إلى
جانب إلمامه الكامل بالقضية ومعرفته المسبقة بما يريد تحقيقه لموكله من البداية
بشفافية تامة.