حواتمة
الفلسطيني ، والشعوب العربية ؛ كذلك الأحزاب والقوى والتيارات الأيديولوجية
والسياسية والاجتماعية ، والدول العربية ، ناضلنا وعملنا على مدى أجيال متتابعة ،
وبرامج متباينة وكثيراً ما كانت ولا زالت متناقضة ، من أجل صيانة الحق
القومي.
والوطني الفلسطيني وعلى قاعدة نحشد ونكتل كل الطاقات العربية ، طاقات
الشعوب والدول لحماية فلسطين ،
ومحاصرة ودحر المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني ، حملت هذه الأفكار التيارات
الفاعلة جميعها في ذلك السياق التاريخي ؛ بأشكالها الوطنية والقومية التعددية
.
كما كان هناك تيار ذو طبيعة دينية منهجية، يسعى لحل هذه المسألة على قاعدة
شعار نظري أوسع ، تقوم على تحشيد كل الطاقات في بلدان العالم المسلم، لم يكن فاعلاً
إيجابياً في صف المشروع النهضوي القومي العربي والوطني على مساحة القرن العشرين ،
بل كان سلبياً تحت سقف الأنظمة اليمنية والمحافظة العربية، بشأن القضايا العربية
والدولية، وماذا كانت النتيجة؟ ماذا كان الحصاد ؟ في الممارسة للعملية ، المشروع
الاستعماري الصهيوني شق طريقه ، بسلسلة متراكمة من " الإنجازات" ، والمقابل ،
المشروع النهضوي، الوطني والقومي، لحقت به سلسلة من التراجعات، أو الهزائم ن بعد
إضاعة عدد من الفرص التاريخية الاستثنائية ( 1939- 1947- 1948) ، في بداية تاريخ
قضيتنا الوطنية والقومية الفلسطينية ، وصولاً إلى النكبة الوطنية والقومية الكبرى
عام 1948.
وبدل الإمساك بما تبقى من الأرض ، وتثبيت شعبنا على أرضه في الضفة
الفلسطينية وقطاع غزة والقدس الشرقية، حصل تواطؤ بين المشروع الصهيوني ، ممثلاً
بدولة العدو الناشئة والكولونيالية البريطانية ، وبين الأنظمة العربية الإقطاعية
القائمة حينذاك؛ على أساس المعادلة الإسرائيلية. .
الصهيونية، "فلسطين أرض بلا
شعب لشعب بلا أرض".
قامت دولة العدو على 77% من الأرض الفلسطينية ، وما تبقى
أرضاً وشعباً جرى إلحاقه أو تقاسمه بين دولة العدو والدول العربية المجاورة؛ وبدلاً
من التمسك بما بقي في اليد، وبناء دولة فلسطين المستقلة عليه ، حتى يتأسس طرح جديد
في اليوم التالي لإقامة هذه الدولة ؛ يقوم على ضرورة استئناف النضال للوصول إلى حل
ديمقراطي، شامل وعادل؛ عنوانه الكبير دولة فلسطينية ديمقراطية موحدة.
على كامل
أرض فلسطين التاريخية.
من البحر إلى النهر ، بدلاً من ذلك ، تمت عملية التواطؤ
التي ذكرت ، وقامت دولة " إسرائيل" وما تبقى من الأرض جرى إلحاقه بالدول العربية
المجاورة القدس والضفة الفلسطينية ألحقت بالأردن.
الأراضي الفلسطينية التي دخلها
الجيش السوري جرى إلحاقها بالجولان والأراضي السورية، ووضع قطاع غزة تحت الإدارة
الملكية الإقطاعية المصرية، وعليه ؛ فقد ضاع حق الشعب الفلسطيني في تثبيت وجوده على
أرضه ، بدولة فلسطينية مستقلة، تمثل خط الدفاع الأمامي عن الحقوق الوطنية بتقرير
المصير والدولة والعودة، وعن الأقطار المجاورة ، كما تم توزيع واقتسام الشعب
الفلسطيني بين " إسرائيل" والدول العربية المجاورة.
وتالياً، واصلت القيادات
الصهيونية مزاعمها، انطلاقاً من مقولة : " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" ، وأما فلسطين
فكانت في الماضي ، اليوم هي " إسرائيل " وما تبقى هو أراضٍ لدول عربية ،
وللفلسطينيين. .
ولم يكونوا يذكرون كلمة ( شعب فلسطيني).
قد أصبح اليوم بعض
هذا الشعب " عرب إسرائيل" وما تبقى هم " عرب البلدان العربية".
وبذلك ؛ ضاعت
القضية الوطنية الفلسطينية بين عامي 1948 حتى 1967، وأخذت عنواناً يتيماً هو " قضية
اللاجئين".
في حزيران / يونيو من العام 1967، ونتيجة هزيمة الأنظمة العربية أمام
" إسرائيل" ، كان النهوض العملاقي للثورة والمقاومة الفلسطينية ، ولكن هذا النهوض
الكبير لم يأت من فراغ ، بل هو نتاج ما أوردنا آنفاً، بالإضافة إلى أن نهج النضال
في إطار تجميع وتحشيد كل القوى والطاقات العربية باتجاه فلسطين، وعلى طريقها ، قد
أنجز خطوة كبرى بعد نكبة 1948، وبعد النهوض القومي والوطني الحداثوي العظيم ؛ بدءاً
من ثورة 23 تموز/ يوليو 1952، من أجل نهضة مصر والأقطار العربية المجاورة ، وكذلك
سلسلة التحولات الوطنية والقومية الطبقية الكبرى ، الاقتصادية والاجتماعية الثقافية
والسياسية، على يد قادة ثورة (23 تموز) الناصرية والتيار الوطني والقومي العريض،
بمختلف ألوان طيفه ، والذي استولد لاحقاً وحدة سورية ومصر، بالجمهورية العربية
المتحدة ، ومن ثم ثورة 14 تموز 1958 في العراق، والنضال أو الصراع من أجل توسيع
الجمهورية العربية المتحدة لتشمل العراق ، في إطار اتحادية تتمثل فيها قوى الطوق
القومية الأساسية.
لكن انهيار وحدة مصر وسورية، وسقوط الجمهورية العربية
المتحدة، أي فكي الكماشة باتجاه فلسطين ، وانخراط قادة ثورة 14 تموز في العراق ،
للتصادم مع الجمهورية العربية المتحدة ، أدى إلى تسريع حركة المراجعة المتراكمة في
صفوف قوى التحرر والتقدم العربية ، بما فيها الاتجاهات الفلسطينية ، والتي انخرطت
بالكامل في إطار حركة التحرر الوطني العربية (قوميون ، بعثيون ، ناصريون، يساريون،
وطنيون ثوريون وتقدميون) ، وهذه المراجعة هي التي ولدت بالتراكم أيضاً التململات
باتجاه صيرورة وطنية فلسطينية قائمة بذاتها ، وبمعادلة جديدة تجمع بين القومي
والوطني ، بدلاً عن مصادرة القومي للوطني أو انعزال الوطني عن القومي على قاعدة أن
المتراس الأمامي يجب أن يكون بيد الشعب الفلسطيني ، دفاعاً عن هويته الوطنية ، وعن
مجموع الحقوق العربية ، في الصراع المرير ضد المشروع الاستعماري الاستيطاني ،
دفاعاً عن هويته الوطنية ، وعن مجموع الحقوق العربية ، في الصراع المرير ضد المشروع
الاستعماري الاستيطاني الصهيوني ، وقد بدأت التململات منذ ذلك الزمن مسبوقة
بتململات أولية على يد القومي والقيادات الوطنية في قطاع غزة ، مسنودة بمصر
عبدالناصر ، ولاحقاً بالجمهورية العربية المتحدة. . . لماذا؟!. . .
لأن قطاع غزة لم
يتم إلحاقه وضمه كاملاً بالإدارة المصرية، كما حصل مع الأراضي الفلسطينية الأخرى
وعليه احتفظ القطاع بعنوان فلسطيني، بدأت التململات في غزة ، باتجاه البحث عن
صيرورة قائمة بدأتها فلسطينياً ، بينما في أقطار الطوق العربية المجاورة لفلسطين
المحتلة " الأردن ، سورية، لبنان" ، وفي القواعد الخلفية المساندة عربياً، لم تبدأ
هذه العملية في السياق الزمني الذي بدأت فيه في قطاع غزة ، وكان حينذاك في ذلك
السياق خطان: خط بدأ يتململ في غزة باتجاه استعادة الحضور الوطني الفلسطيني ، وخط
في جميع الأقطار العربية المشرقية حافظ على المقولة التي تقول بتحشيد كل الطاقات
العربية نحو فلسطين ، وتحت راية " الوحدة العربية طريق تحرير فلسطين".
بالإضافة
إلى خط لم يكن ذا فعل أو تأثير جاد في الحركة الفلسطينية والعربية ، هو الاتجاه
الديني المذهبي والذي وجه اهتمامه إلى مراكز بعيدة جداً عن خطوط التماس مع العدو
الإسرائيلي الصهيوني.
انهيار وحدة مصر وسوريا. .
المراجعة الجديدة بقي الوضع
على هذا الحال حتى انهيار وحدة مصر وسورية، وعلى أساس هذا الانهيار ، تفكك فكا
الكماشة على جوار وطوق الأراضي المحتلة عام 1948، أي حول دولة " إسرائيل " التوسعية
العدوانية، بعد ذلك ، جرت مراجعة جدية، وكان السباق لإجراء هذه المراجعة بخطوات
عملية هو الرئيس جمال عبدالناصر ، عام 1964م بعد أن تكرس الانفصال بين جناحي
الجمهورية العربية المتحدة، واتضح لعبد الناصر أن لا أفق ولا خطط ملموسة ؛ مصرية أو
سورية أو عربية ، تجاه فلسطين ، فأطلق صيحته الشهيرة : " آن للشعب الفلسطيني أن
يأخذ قضيته بيده" ودعا لعقد أول قمة عربية ، وهي انعقدت فعلاً في الإسكندرية عام
1964، من أجل بناء هيكلية جديدة ، سياسية ونضالية، لشعب فلسطين.
وهكذا؛ في قمة
الإسكندرية كان إطلاق بناء منظمة التحرير الفلسطينية الائتلافية ، إطاراً جامعاً
لكل الشعب الفلسطيني ، في كافة أماكن تواجده، مع اشتراط شرطين بارزين ، بقرار القمة
العربية ، الشرط الأول: ألا يشمل هذا الإطار الضفة الغربية والقدس العربية ، التي
كانت بيد الإدارة الأردنية.
والشرط الثاني : القوات المسلحة الفلسطينية في كل
بلد ترتبط برئاسة أركان ذلك البلد ، وعليه عندما انعقد المؤتمر الأول لتأسيس منظمة
التحرير الفلسطينية برئاسة ( ودعوة) أحمد الشقيري في القدس العربية ، احترم هذا
المؤتمر وألتزم ؛ بأن منظمة التحرير لا تضم الضفة الغربية أو القدس ، باعتبارها
جزءاً من أراضي الدولة الأردنية، وتم أيضاً التشريع لإلحاق القوات المسلحة
الفلسطينية برئاسة أركان جيوش الدول العربية ، قوات عين جالوت بمصر، وقوات القادسية
بالعراق ، وقوات حطين بسورية، وهكذا ولدت منظمة التحرير إطاراً سياسياً مجرداً من "
الأنياب" وبعدما حاولت المنظمة أن تلعب دوراً فاعلاً، اتضح أن قدرتها محدودة،
ومقيدة بقرارات قمة الإسكندرية ، والقمم العربية الأخرى بعدها ؛ مما دفع - في ظل
هذه الظروف ، خصوصاً بعد انهيار وحدة مصر وسورية- باتجاه بناء حركة وطنية فلسطينية
جديدة وكان في مقدمة الذين دعوا إلى ذلك مجموعات فلسطينية ( معظمها من قطاع غزة)
تواجدت في الخليج، وشكلت النواة الأولى منظمة "فتح" ومجموعات من سوريا بدعم تشجيع
حزب البعث، في إطار صراع حكم البعث مع عبدالناصر ، وفي أقطار الطوق العربية ، جرت
محاولات على يد القوميين العرب، تحت عنوان "شباب الثأر" وأيضاً تحركت مجموعات
فلسطينية في سوريا ولبنان، بجبهة التحرير الفلسطينية طريق العودة برئاسة شفيق
الحوت، وجبهة التحرير الفلسطينية التي أصبحت فيما بعد الجبهة الشعبية القيادة
العامة، بعد أن انفكت عن ائتلاف الجبهة الشعبية الرباعي "جناحا القوميين العرب،
اليساري الديمقراطي والقومي، ج ، ت، ف منظمة فلسطين العربية"،وعليه بدأت تتراكم
هذه المحاولات، لكن العمل الجاد لم يبدأ فعلياً إلا بعد هزيمة حزيران / يوليو
1967.
في هذا السياق أيضاً، لاحظنا أنه منذ البادية، تداخلت الحالة الفلسطينية
مع الصراعات العربية العربية، ومن هذا كان الجهد لسوريا النظام البعثي، والعراق
النظام البعثي، مع محاولات إطلاق اتجاهات فلسطينية، تقوم بعمليات داخل إسرائيل ،
والوجه الأبرز لهذا المسار كان الصراع بين البعث "في سويا والعراق" وبين عبدالناصر
على النفوذ في المنطقة، وكان الإحراج أيضاً لبعد الناصر، والذي أخذ يتعمق أكثر
فأكثر بسبب الصراع بين هذه الدول، لذا ظلت المحاولات الأولى متواضعة جداً، قبل
هزيمة عام 1967 وحينها وقعت كل الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال إضافة إلى سيناء
والجولان، وسنة 1968 احتلت "إسرائيل" أراضٍ أردنية في وادي عربة،وفي مثلث أم قيس،
بعدها نهضت المقاومة الفلسطينية بفصائلها المتعددة، التي تناسلت بشكل كبير، على
إيقاع ردود الفعل على الهزيمة، وعلى إيقاع زلزال هذه الهزيمة أيضاً جرت مراجعة
جديدة للأفق الفكري والسياسي والتنظيمي والاجتماعي، وبرامج العمل، والوسائل
النضالية الناجعة للرد، على يد التيار الوطني والتيار اليساري الثوري
الديمقراطي.
انطلقت مقاومة الفصائل الوطنية والقومية لتحمل شعارات عامة، وهي لم
تستخلص شيئاً كثيراً من هزيمة حزيران/ يوليو 1967، مما أدى إلى الانطلاقات أو
التحولات المتسارعة في الحالة الفلسطينية،وفي عموم حركة التحرر والتقدم العربي،
خاصة في مصر "وثيقة برامج 30 مارس 1968، عمليات تطهير وتحديث الجيش"، الزلازل
والتصفيات الداخلية في النظام البعثي في سوريا والعراق وفي عدد من بلدان المشرق
العربي والمغرب العربي.
وفي صفوف التيار اليساري الثوري الديمقراطي في الحركة
الفلسطينية والقومية خصوصاً حركة القوميين العرب تحولات يسارية ثورية كبرى، بدأت في
أواخر الخمسينيات، تطورت مع التحولات الطبقية الاجتماعية والسياسية في ثورة 23
يوليو في مصر والجمهورية العربية المتحدة، ثورة واستقلال الجزائر، انهيار وحدة مصر
وسوريا، زلزال هزيمة 1967 في العراق، ثورتي اليمن سبتمبر/ أيلول 1962 شمالاً
وأكتوبر 1963 جنوباً، وجاء زلزال هزيمة 1967 حاسماً في مسار التحولات اليسارية
الكبرى الجديدة وغير المسبوقة، وهي تحولات فكرية وثقافية واجتماعية وسياسية، دعت
إلى بناء مقاومة فلسطينية مسلحة تجمع بين: "أيديولوجيا السياسة وأيديولوجيا السلاح،
أو بين السلاح السياسة وسياسة السلاح"، أي بين الأفق التحليلي الاشتراكي العلمي
بيد، والسلاح المادي باليد الأخرى ، وهذا شكل بداية انطلاق قوى اليسار الثوري
الفلسطيني الجديد، إلى جانب قوى اليمين والوسط الوطني والقومي، الذي لا يحمل سوى
شعارات عامة، وهنا بدأت الطروحات من أجل إعادة بناء حركة المقاومة الفلسطينية، بأفق
جديد يتجاوز - - منظمة التحرير، بأفقها السياسي العام وتركيبها المبني على تشكيلات
فردية، لتكون منظمة تحرير ائتلافية من فصائل وقوى وشخصيات تمثل الجبهة الوطنية
العريض، على برنامج القواسم الوطنية المشتركة. .