الربيعي
يستوعب التاريخ ويفهمه لابد إن يربط القديم بالحديث، لان الأيام هي الأيام لا تتغير
والبشر بفعل عوامل الوراثة لا يتغيرون اللهم إلا ما تفرضه ظروف الواقع والمحيط من
تغيرات طفيفة شكلية لا يمكن أن تؤثر في المضمون، والتاريخ مدرسة لمن يمتلك العقل
ويدرك الحقائق، وعبرة لمن لديه قابلية الاستعداد للاعتبار، وهو في الوقت نفسه
مهلكة إن تم تجاوزه ولم يستفد من
دروسه ويتأمله بوعي وإدراك وما تشهده الساحة اليوم في صعدة من حماقات الحوثيين يدلل
على أن الجماعة لم يدركوا أنهم في اليمن ولم يقرؤوا التاريخ، أو يتأملوه وان قرؤوا
لم يفهموا وان فهموا لم يبصروا أو يتعظوا..! وإلا كان يكفيهم من دروس التاريخ بعض
النماذج السيئة والشبيهة بفكرهم أو بمعنى اصح المنسجمة مع فكرهم وعقيدتهم وان
اختلفت المسميات فالعبرة بالسلوك والممارسة والقناعة كان يكفيهم أن يقرؤوا سيرة
الأسود العنسي (عبهلة) الذي ادعى النبوة، وصال، وجال، وحاول أن يؤثر على أبناء
اليمن من منطلق عاطفي وعصبي وتبعه كثير من السذج والباحثين عن المادة والمنصب، حاول
جاهدا بالمال ومختلف المغريات زحزحة أو زعزعة أو خلخلة عقيدة اليمنيين دون جدوى
لأنه أخيراً اصطدم بواقع إيماني لم يمهله أن يتوسع أو يتمدد وكانت نهايته أسوء
نهاية يمكن أن يتخيلها إنسان إذ أنه لم يحز حتى الشرف بقتلة محترمة يكون مصدرها
فارس شجاع أو بطل مغوار وإنما كان بيد الحبيبة والرفيقة زوجته التي كانت أكثر
إيماناً وشرفا وشجاعة ونبلا منه.
لم يقرؤوا التاريخ ليعتبروا من عبدالله بن سبأ
اليهودي الذي اسلم كذبا ليحارب الإسلام ثأرا ليهوديته تحت المسمى والشعار الذي
يرفعه اليوم الاثنا عشرية، إذا لم يجد البيئة الخصبة في بلاد الإيمان والحكمة لنشر
دعوته فيمم وجهه نحو بلاد أخرى متدثرا عباءة الإيمان والإسلام والورع الكاذب وحاملا
بين حناياه السم الزعاف يحقنه في جسد الأمة أينما حل وارتحل طورد في كل مدينة وقرية
وصل إليها وكان على رأس من تصدى له وعرف أهدافه سيدنا الإمام علي رضي الله عنه وكرم
وجهه ولكنه استطاع عن طريق الجهلة والحاقدين تحقيق أهدافه إذ عشعش وفرخ في بلاد
كانت بعيدة عن مركز النور يومئذ المدينة المنورة بعد أن طرد منها ليأتي إليها
ويحاصرها واتباعه ويقتل على أيديهم خليفة رسول الله وصهره وزوج ابنتيه ذو النورين
واحد المبشرين بالجنة عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه فتح بن سبأ أبواب جهنم على
الأمة بفتنة استمرت ولم تنقطع بأنصاره ومحبيه ومقدسيه وبعد عثمان يأتي الدور على من
ادعوا أنهم إنما وجدوا ليخدموه وينصروه كي يعيدوا الحق إلى أصحابه كما يقولون
ولكنهم خذلوه في كل المواقع والمواضع والمعارك سجل ذلك في التاريخ بقوله (قلوبكم
معي وسيوفكم مع علي) كانوا أنصاره بالكلام وخاذليه في المواقف والمعارك وأخيراً
كانوا قتلة - الإمام علي رضي الله عنه - ألا لعنة الله على من قتله وسفك دمه ولعنة
الله على من قتل الفاروق عمر رضي الله عنه ولعنة الله على من قتل ذو النورين ولعنة
الله على من قتل الحسين ولعنة الله على من أيقظ فتنة وهي نائمة أينما كانت وفي أي
بلاد من بلاد المسلمين لم يقرؤوا التاريخ ليعلموا أن ما حل بالعالم الإسلامي من
نكبات وويلات كان وراءها هؤلاء الذين هم بثقافة مراجعهم وعقيدتهم فأبو لؤلؤة
المجوسي له مزار خاص في إيران يزورونه ليتبركوا به لأنه قاتل عمر وعبدالله بن سبأ
الذي يتوارى اليمني خجلا عندما يذكر اسمه على انه من اليمن لأن ما صنعه في الأمة
وصمة عار لا يمكن إن تمحيها السنون والأعوام مهما تقادمت هو في عقيدتهم من عباد
الله الصالحين والمقربين لم يقرؤوا التاريخ ماضيا وحاضرا ليدركوا أن اليمن مقبرة
للفتن كما هي مقبرة للغزاة وإنها شكلت مثلا يحتذى به في التعايش والتسامح المذهبي
على مر الزمان وفي أحلك الأوقات ولا تقبل التطرف أياً كان مصدره وماله إلا الزوال
سواء طال به الدهر أو قصر...