تطرقنا في
الحلقة الفائتة إلى أن اليوم لا شيء قادراً على التنقل بالسرعة التي يتنقل بها رأس
المال، فمن ناحية أخرى تحدد المليارات المتنقلة بسرعة الضوء أسعار الصرف الأجنبي،
وكذلك القوة الشرائية للبلد المعني ولعملته إزاء باقي بلدان
العالم. .
ومعنى هذا هو أن
الفروقات النسبية في التكاليف لم تعد هي المحرك الدافع للمتاجرة لقد صارت العبرة
للتفوق المطلق في جميع الأسواق والبلدان في آن واحد فحيثما تكون الشركات دولية
النشاط قادرة على إنتاج بضائعها في مناطق تتصف بتدني الأجور ويخولها من مدفوعات
الضمان الإجتماعي أو تكاليف المحافظة على سلامة البيئة فإنها تخفض في الواقع
التكاليف المطلقة التي تتحملها في سياق عملية الإنتاج ولا يترتب على هذا الأمر
إنخفاض أسعار السلع فقط بل يترتب عليه إنخفاض سعر قوة العمل أيضاً.
والإختلاف
هنا ليس خلافا ًهيناً ذا طابع أكاديمي تتجادل حوله المدارس المختلفة في النظرية
الإقتصادية فالسعي لإقتناص التفوق المطلق غير على نحو جذري الآليات التي يتطور
وفقها الإقتصاد العالمي فكلما كان الإنتاج ورأس المال أكثر قابلية على التحرك عبر
الحدود الدولية كانا أقل خضوعاً لحكومات تلك المؤسسات العملاقة التي ترعب اليوم
الحكومات وناخبيها على حد سواء وتجرد الجميع مما لديهم من سطوة أعني الشركات
العابرة للقارات وبناء على إحصائيات منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية
UNCTAD فهناك ما يقرب من أربعين ألف شركة تمتلك مصانع في ما يزيد على ثلاث
دول.
ووصلت قيمة مبيعات المائة الكبرى منها إلى ما يقرب من (1. 04) بليون دولار
في العام الواحد وتهيمن الشركات العابرة للقارات على ثلثي التجارة العالمية وينجز
ما يقرب من نصف هذه التجارة في داخل شبكة قد صارت محور العولمة والقوة الدافعة لها
بلا إنقطاع وفي هذا كله تمكنها طرق الإمدادات الحديثة وتكاليف الثقل المنخفضة من
توحيد مراحل الإنتاج وتركيزها فالشركات جيدة التنظيم الشبيهة على سبيل
المثال.
بالشركة العملاقة وهي شركة متخصصة في إنتاج الآلات والمكائن وفي تشييد
المصانع والتي تمتلك ألف شركة موزعة على أربعين بلداً تستطيع منذ الحاجة تحويل
إنتاج كل سلعة تنتجها من بلد إلى آخر من غضون أيام وجيزة وهكذا لم تعد البلدان
المختلفة وشركاتها الوطنية هي التي تقوم بنفسها في المتاجرة دولياً بما ينتج في هذه
البلدان من السلع وهو أمر كان يمكن أن يتيح الفرصة للتفاوض أو الإختلاف حول الحصص
التي ستحصل عليها الأطراف الوطنية من الأرباح المتحققة في التجارة الدولية بل
وبدلاً من هذا صارت البروليتاريا العالمية هي التي تتنافس الآن على فرص العمل
الضيئلة التي يتيحها لها الإنتاج المنظم عالمياً.
ولا ريب في أن هذا التطور قد
تسبب في القضاء على القواعد التي قامت عليها فيما مضى من الزمن الإقتصادات الوطنية
فمن ناحية يعجل هذا التطور توالي الإبتكارات التكنولوجية وعمليات الترشيد على نحو
غير معقول الأمر الذي يؤدي إلى أن تنمو الإنتاجية بوتائر أسرع من وتائر نمو الناتج
القومي الإجمالي إن حصيلة هذا كله هو ما يسمى ب"joblessgrowth" أي نمو لا يفضي إلى
زيادة في فرص العمل ومن ناحية أخرى فإنه يغير توازن القوى بين رأس المال والعمل على
نحو جذري إن الأممية التي كانت فيما مضى من الزمن الشعار الذي رفعته الحركة
العمالية في مواجهة دعاة الحرب من الحكام والرأسماليين أضحت الآن شعار الطرف الآخر
فالطبقة العاملة التي لا تنتظم في الغالب الأمم إلا في إطار وطني لا غير تواجه
شركات دولية تسخّر الإنتقال إلى خارج الحدود للقضاء على كل ما يواجهها من مطالب على
ضوء هذا فلربما كان الوعد بزيادة الرفاهية من خلال التجارة الحرة صادقاً بالنسبة
إلى المستثمرين وقادة الشركات إلا أنه يفتقد المصداقيه بالنسبة إلى عمالهم
والمستخدمين لديهم وكذلك بالنسبة إلى العدد المتزايد من العاطلين عن العمل على وجه
الخصوص فبالنسبة إلى هؤلاء يفضي التقدم المزعوم إلى عكس المتوخي ومع مطلع
التسعينيات على أدنى تقدير كان هذا المساء قديراً جلياً ولم يعد في الإمكان تجاهله
ومع هذا فبدلاً من أن تتخذ الحكومات الخطوات اللازمة للتخفيف من وطأته راحت هذه
الحكومات الآن تساعد على التعجيل به فأنشأت بلدان أوروبا الغربية السوق الأوربية
المشتركة وأخذت وفقاً للخطة المسماة " أوروبا 920" تُلغي من لشبونة وحتى كوبنهاجن
تقريباً كل العوائق التي تمنع انتقال رأس المال والبضائع والخدمات عبر الحدود وكانت
الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك قد ردت على هذه الخطوة بأن قامت بدورها
بتأسيس منطقة التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية المسماة (Nafta) وبانضواء أمة
المائة مليون مواطن ساكن إلى الجنوب من نهر ريوجراندا يكون قد شارك لأول مرة بلدنا
كبير مشاركة كاملة في هذا التكامل الإقتصادي.
الحلقة الفائتة إلى أن اليوم لا شيء قادراً على التنقل بالسرعة التي يتنقل بها رأس
المال، فمن ناحية أخرى تحدد المليارات المتنقلة بسرعة الضوء أسعار الصرف الأجنبي،
وكذلك القوة الشرائية للبلد المعني ولعملته إزاء باقي بلدان
العالم. .
ومعنى هذا هو أن
الفروقات النسبية في التكاليف لم تعد هي المحرك الدافع للمتاجرة لقد صارت العبرة
للتفوق المطلق في جميع الأسواق والبلدان في آن واحد فحيثما تكون الشركات دولية
النشاط قادرة على إنتاج بضائعها في مناطق تتصف بتدني الأجور ويخولها من مدفوعات
الضمان الإجتماعي أو تكاليف المحافظة على سلامة البيئة فإنها تخفض في الواقع
التكاليف المطلقة التي تتحملها في سياق عملية الإنتاج ولا يترتب على هذا الأمر
إنخفاض أسعار السلع فقط بل يترتب عليه إنخفاض سعر قوة العمل أيضاً.
والإختلاف
هنا ليس خلافا ًهيناً ذا طابع أكاديمي تتجادل حوله المدارس المختلفة في النظرية
الإقتصادية فالسعي لإقتناص التفوق المطلق غير على نحو جذري الآليات التي يتطور
وفقها الإقتصاد العالمي فكلما كان الإنتاج ورأس المال أكثر قابلية على التحرك عبر
الحدود الدولية كانا أقل خضوعاً لحكومات تلك المؤسسات العملاقة التي ترعب اليوم
الحكومات وناخبيها على حد سواء وتجرد الجميع مما لديهم من سطوة أعني الشركات
العابرة للقارات وبناء على إحصائيات منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية
UNCTAD فهناك ما يقرب من أربعين ألف شركة تمتلك مصانع في ما يزيد على ثلاث
دول.
ووصلت قيمة مبيعات المائة الكبرى منها إلى ما يقرب من (1. 04) بليون دولار
في العام الواحد وتهيمن الشركات العابرة للقارات على ثلثي التجارة العالمية وينجز
ما يقرب من نصف هذه التجارة في داخل شبكة قد صارت محور العولمة والقوة الدافعة لها
بلا إنقطاع وفي هذا كله تمكنها طرق الإمدادات الحديثة وتكاليف الثقل المنخفضة من
توحيد مراحل الإنتاج وتركيزها فالشركات جيدة التنظيم الشبيهة على سبيل
المثال.
بالشركة العملاقة وهي شركة متخصصة في إنتاج الآلات والمكائن وفي تشييد
المصانع والتي تمتلك ألف شركة موزعة على أربعين بلداً تستطيع منذ الحاجة تحويل
إنتاج كل سلعة تنتجها من بلد إلى آخر من غضون أيام وجيزة وهكذا لم تعد البلدان
المختلفة وشركاتها الوطنية هي التي تقوم بنفسها في المتاجرة دولياً بما ينتج في هذه
البلدان من السلع وهو أمر كان يمكن أن يتيح الفرصة للتفاوض أو الإختلاف حول الحصص
التي ستحصل عليها الأطراف الوطنية من الأرباح المتحققة في التجارة الدولية بل
وبدلاً من هذا صارت البروليتاريا العالمية هي التي تتنافس الآن على فرص العمل
الضيئلة التي يتيحها لها الإنتاج المنظم عالمياً.
ولا ريب في أن هذا التطور قد
تسبب في القضاء على القواعد التي قامت عليها فيما مضى من الزمن الإقتصادات الوطنية
فمن ناحية يعجل هذا التطور توالي الإبتكارات التكنولوجية وعمليات الترشيد على نحو
غير معقول الأمر الذي يؤدي إلى أن تنمو الإنتاجية بوتائر أسرع من وتائر نمو الناتج
القومي الإجمالي إن حصيلة هذا كله هو ما يسمى ب"joblessgrowth" أي نمو لا يفضي إلى
زيادة في فرص العمل ومن ناحية أخرى فإنه يغير توازن القوى بين رأس المال والعمل على
نحو جذري إن الأممية التي كانت فيما مضى من الزمن الشعار الذي رفعته الحركة
العمالية في مواجهة دعاة الحرب من الحكام والرأسماليين أضحت الآن شعار الطرف الآخر
فالطبقة العاملة التي لا تنتظم في الغالب الأمم إلا في إطار وطني لا غير تواجه
شركات دولية تسخّر الإنتقال إلى خارج الحدود للقضاء على كل ما يواجهها من مطالب على
ضوء هذا فلربما كان الوعد بزيادة الرفاهية من خلال التجارة الحرة صادقاً بالنسبة
إلى المستثمرين وقادة الشركات إلا أنه يفتقد المصداقيه بالنسبة إلى عمالهم
والمستخدمين لديهم وكذلك بالنسبة إلى العدد المتزايد من العاطلين عن العمل على وجه
الخصوص فبالنسبة إلى هؤلاء يفضي التقدم المزعوم إلى عكس المتوخي ومع مطلع
التسعينيات على أدنى تقدير كان هذا المساء قديراً جلياً ولم يعد في الإمكان تجاهله
ومع هذا فبدلاً من أن تتخذ الحكومات الخطوات اللازمة للتخفيف من وطأته راحت هذه
الحكومات الآن تساعد على التعجيل به فأنشأت بلدان أوروبا الغربية السوق الأوربية
المشتركة وأخذت وفقاً للخطة المسماة " أوروبا 920" تُلغي من لشبونة وحتى كوبنهاجن
تقريباً كل العوائق التي تمنع انتقال رأس المال والبضائع والخدمات عبر الحدود وكانت
الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك قد ردت على هذه الخطوة بأن قامت بدورها
بتأسيس منطقة التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية المسماة (Nafta) وبانضواء أمة
المائة مليون مواطن ساكن إلى الجنوب من نهر ريوجراندا يكون قد شارك لأول مرة بلدنا
كبير مشاركة كاملة في هذا التكامل الإقتصادي.