الحلقة السابقة إلى أن التطور قد تسبب في القضاء على القواعد التي قامت عليها فيما
مضى من الزمن الإقتصاديات الوطنية فمن ناحية يعجل هذا التطور توالي الابتكارات
التكنولوجية وعمليات الترشيد على نحو غير معقول، إلى أن صار النمو لا يفضي إلى
زيادة في فرص العمل، ويعتبر توازن القوى بين رأس المال والعمل على نحو
جذري..
وإن الأممية التي كانت الشعار الذي رفعته الحركة العمالية في مواجهة دعاة الحرب من الحكام
والرأسمالية، أضحت الآن شعار الطرف الآخر، فالطبقة العاملة تواجه شركات دولية تسخر
الإنتقال إلى خارج الحدود للقضاء على كل ما يواجهها من مطالب.
وفي بلدان أوربا
وغير من البلدان الغربية راح الكثير يبذلون قصارى جهدهم.....
للتعجيل في آخر
جولة من جولات تخفيض الضرائب الجمركية وهي الجولة التي أسفرت في ديسمبر 1993م من
رفع القيود عن الكثير من الخدمات أيضاً الأمر الذي سهل المتاجرة الدولية بها كذلك
وكان الإعتقاد السائد هو أن هذا كله سيدر على البلدان المشاركة في الخير الوفير
حقاً وحقيقة وسيرفع من المستويات المعيشية وكان تقرير سشيني وهو دراسة اشتملت على
ما يزيد على الألف صفحة كانت المفوضية الأوربية في بروكسل قد اتخذتها في عام 1988م
برهاناً على جدوى إقامة السوق المشتركة نعم كان هذا التقرير قد بشر بستة ملايين
فرصة عمل جديدة وبتخفيض العجز في الموازنة الحكومية بمقدار أثنين بالمائة وبنمو
اقتصادي إضافي يصل إلى (4.5) في المائة وكانت بشارات من هذا القبيل قد رافقت إنشاء
النافتا ومنظمة التجارة الدولية إلا أن العكس هو الذي تحقق في الواقع فالسوق
المشتركة تركت الصناعة الأوروبية تترنح تحت ما أسمته صحيفة (Diexeit) " سياط
المنافسة" هذا السياط التي تسببت في إندلاع حركة ترشيد شملت القارة برمتها وبعنف لم
يكن معروفاً حتى ذلك الحين وكانت حصيلة هذا هي إرتفاع عدد العاطلين عن العمل وزيادة
العجز في الموازنات الحكومية أيضاً.
أما النمو الإقتصادي فقد كان أقرب إلى
التباطؤ منه إلى التسارع.
وفي النمسا هذا البلد الذي لم ينتمِ إلى السوق
المتكاملة إلا في عام 1995م أخذ العمال يلمسون على نحو شديد وطأة هذا الإنتماء فعلى
سبيل المثال حينما اشترت المؤسسة الألمانية العملاقة في تجارة التجزئة Rilla في
يوليو.
الشركة النمساوية.
الناشطة في سوق المواد 1 الغذائية Billa.
تركز
ما يقرب من نصف السوق الوطنية للمواد العذائية في أيدي مؤسسة ناشطة على مستوى
القارة الأوربية وتعين بالتالي على ما يقرب من ثلث العاملين في الزراعة وفي صناعة
الأغذية البالغ عددهم ثلاثين ألف عامل أن يرتعدوا خوفاً من فقدان فرصة
العمل.
فسلعهم ليست قادرة على المنافسة في السوق الأوربية المشتركة ولن تدفع
Rewe للمنتجين النمساويين سوى الأسعار الأوروبية المتدنية والإ - وكما هي عادتها-
فستشتري ما تتاجر به من مواد غذائية من الموردين في باقي دول الإتحاد الأوروبي
الذين يزودونها حتى الآن ببضائع أفضل جودة وبشروط أنسب ومر الأمريكيون الشماليون
أيضاً بتجارب مشابهة في سياق إنشاء منظقة التجارة الحرة (Nafata) فهم لا يزالون حتى
الآن يتطلعون إلى النعم الموعودة وبالرغم من هذا كله تعتزم التكامل الدولي ففي عام
1996 جرى التحضير لثلاث إتفاقيات التجارة العالمية وتحرير سوق الإتصالات من احتكار
الدولة والحد من العوائق الحكومية التي تواجه استثمارات المؤسسات الاجنبية وذلك
بغية إعطاء هذه المؤسسات حرية أوسع على التحرك لا بل إن رينا توروجيروا السكرتيري
العام لمنظمة التجارة الدولية يخططا للقضاء التام على كل الضرائب الجمركية على
المستوى العالمي فقد طالب الحكومات المشاركة في منظمته بأن تقوم حتى عام 2020
بالتخلي من كل الإتفاقيات المحلية وجعل العالم برمته منطقة تجارة حرة وهو وبناء على
كل الإتفاقيات السابقة مشروع سيؤدي إلى تعميق الأزمة في سوق العمل ومع هذا تتمسك من
واشنطن وحتى بروكسل وبون الغالبية العظمى من الرجال القائمين على دفة السياسية
الإقتصادية بهذه التصورات وعلى ما يبدو فقد انطبقت مصيدة العولمة على فريستها على
نحو لا مفر منه فها هي حكومات أغنى وأكبر دول العالم تبدو.
كما لو كانت أسيرة
سياسة لم تعد تسمح بأي توجه آخر وليس هناك.
مكان عانى فيه السكان من هذا التطور
ما عاناه سكان الوطن الأم للثورة الرأسمالية المضادة على وجه الخصوص أعني في
الولايات المتحدة الأمريكية.
انتصار الجرار ما كان الأمر يمكن أن يكون أسوأ مما
هو عليه بالنسبة إلى جاك هايس الذي جلس وقد تقلصت عضلات وجهه في مطبخه الضيق جاهداً
في أن يتمالك نفسه فهو يعمل منذ 29 عاماً فراطاً ومنسقاً لعمل الآلات لدى كما
ترييلر أكبر منتجي آلات البناء والجرارات في العالم وقد عايش سواء في المصنع
الرئيسي أو في مقر المؤسسة الرئيسي في Peoria في ولاية Tllinois كل ما مرت به
المؤسسة من مراحل الازدهار والانتكاسات بما في الإفلاس وكان هايس قد أنفق طواعية
ساعات لا تحصى في إصلاح طرائق العمل وفي تركيب المكائن الموجهة بالكمبيوتر وفي
تدريب الكوادر ذات الكفاءة العالمية في مواقع العمل.