زيد الطريفي
أسبوعها الثالث، وإذا كانت القوات السعودية قد تمكنت من ردع المتسللين وإجبارهم على
العودة عدة كليومترات داخل الحدود اليمنية، فإن السؤال الأهم هو: هل سيقومون بذلك
مرة أخرى؟ لا شك أن أزمة الحوثيين في اليمن قد باتت جزءا من الخارطة الاجتماعية
والسياسية في المنطقة، وبالرغم من أن
البعض كان يأمل أن تنتهي الحركة بمقتل قائدها حسين الحوثي (2004)، إلا أن ما شهدناه
خلال السنوات الخمس الماضية يدل على أن هذا التمرد ليس عابرا بقدر ما هو تجسيد
لمرحلة مخاض عسيرة تمر بها قوة سياسية وحزبية ناشئة، وأعني بذلك الميليشيا الحوثية
بصعدة.
يخطئ من يظن أن هذه الحركة هي وليدة الأمس فقط، فهي نمت وترعرعت خلال
العقدين الماضيين داخل وخارج اليمن، ولئن كان مفاجئا صعودها العسكري القوي، حيث
عجزت القوات اليمنية الحكومية عن إخماد التمرد منذ تجدد الاشتباكات في أكتوبر
الماضي، إلا أن ذلك يدلل على أن للحركة قاعدة شعبية مؤمنة بها أو خائفة منها في
مناطق تواجدها.
حتى اليوم خاضت الحكومة اليمنية ست حروب متتالية مع هؤلاء
المتمردين الذين تصفهم بالأقلية، ولكن حصيلة هذه الأعوام تنبئ عن أن الحركة أكبر من
كونها تمردا محدودا على الحدود، ولكنها نواة لحركة سياسية ذات ارتباطات
أجنبية.
المراقب لأحداث الأسابيع الأخيرة يدرك بأننا أمام محاولة إيرانية مكشوفة
لخلق جسم غريب على الحدود السعودية - اليمنية، وإذا اعتبرنا أن الحوثيين مازالوا
فاعلين في حرب عصابات على الطرفين، فإن المحاولة الإيرانية تبدو ناجحة نسبيا، ففي
الوقت الذي تفاوض فيه طهران لجنة (الخمسة 1) في جنيف، فإن أكبر وأهم دولة إقليمية -
وهي السعودية - مشغولة بتطهير أراضيها من المتسللين ومراقبة حدودها البرية
والبحرية، وأكثر من ذلك الاستعداد لموسم حج يلفه الحذر جراّء التهديدات
الإيرانية.
لقد أكدت التصريحات الإيرانية حول أزمة صعدة أن إيران تستخدم الورقة
الطائفية في مناوراتها الإقليمية بشكل واضح وبارز، فعلت ذلك في لبنان حين حرضت حزب
الله على غزو بيروت، ثم تمكنت كذلك في العراق عبر فرض نفسها على التحالفات
الانتخابية والقوائم، ووصلت مرحلة التأثير الطائفي إلى الحد الذي امتنعت فيه جمعية
الوفاق الشيعية في البحرين عن التصويت لبيان أعد لدعم السعودية في حربها على
المتسللين.
ليس هذا فحسب، فشبكة التحالفات الإيرانية اليوم تمتد من أفغانستان،
مرورا بلبنان، ووصولا إلى إريتريا.
ونشاط الحرس الثوري وعناصر الباسيج بات بارزا
في خليج عدن.
لقد كشفت حرب السعودية على المتسللين عن شبكات تمويل تمر عبر دول
مجاورة، وعن تجنيد لعناصر يمنية وخليجية وأجنبية يتم في مخيمات داخل وخارج إيران،
وهو مؤشر على أن طهران التي تعاني ذاتها من تمرد سني في إقليم خوزستان، ترى أن
صراعها مع الولايات المتحدة والعالم الغربي يجب أن يكون على أراضي حلفائها في
المنطقة.
صحيح أن حجم ما نعرفه عن الحركة الحوثية محدود، ولكن المعلومات
المتوافرة تشير إلى أن إيران استطاعت خلال السنوات الثلاث التي أعقبت 11 سبتمبر
التأثير على رموز الحركة واستدراجهم إلى المشروع السياسي الإيراني.
إذا ما
راجعنا كتبا مثل "الزهر والحجر" ل عادل الأحمدي ، أو "الحرب في صعدة" تأليف عبدالله
الصنعاني، لوجدنا أن إيران لم تخلق الحركة بقدر ما استطاعت أن تجتذبها بالمال
والدعم المخابراتي والعسكري، وهو شيء مماثل لما قامت به بعد الثورة في العراق مع
حزب الدعوة الذي أسسه محمد باقر الصدر، أو لبنان مع حركة أمل التي قادها موسى
الصدر.
بالرغم من كل ذلك، فإن قدرة إيران على توجيه الحركة الحوثية مستقبلا ما
يزال مبهما، فالحوثيون وبغض النظر عن تأثر أكثريتهم بطروحات الفرقة الجارودية في
مسألة الخلافة - وهي أقلية بين الفرق والمدارس الزيدية -، إلا أنهم يختلفون مع
الجعفرية/الاثني عشرية في كثير من الأصول، وبالذات في مسألة الولاية فهم يرون أحقية
الهاشميين بالولاية وهو مخالف لما درجت عليه طهران من سيادة "الولي
الفقيه".
طبعا، الأزمة السياسية وتأثير المال والدعاية الإيرانية استطاعت تغطية
تلك الفروقات، ولكن لا يُعرف إذا ما كان لذلك التوافق أن يستمر.
هذا لا يعني أن
الحركة الحوثية لم تُبن على أيديولوجيا دينية متطرفة، تماما مثل نظيراتها في العالم
السني، بل هي في حقيقتها اليوم جماعة دينية متطرفة بلا مطالب سياسية محددة، على
الأقل حتى الآن.
حتى اتفاقية الدوحة (يونيو 2007) لم تكن في مضمونها ترجمة
لمطالب سياسية لأهل الشمال، بل كانت أشبه بالاعتراف السياسي والعسكري بأبناء
الحركة.
ولكن هل يعني ذلك أن الحركة بلا أفق سياسي؟ لا، فقرار التسلل إلى
السعودية لا يبدو أنه جاء بناء على توصية إيرانية فقط، أو نتيجة ردة فعل على الدعم
السعودي لحكومة اليمن الشرعية، ولكن أهم من ذلك أنه يخدم الموقف الاستراتيجي للحركة
على المدى الطويل، صحيح أنه ليس بوسع الحركة أن تواجه الجيش السعودي واليمني بشكل
مباشر، ولكنها أثبتت قدرتها على التحرك في حرب عصابات على الجبهتين، وهو مؤشر خطير،
وما زيادة إيران عدد سفنها البحرية في خليج عدن إلا دلالة على رغبتها في بعث رسالة
واضحة لدول المنطقة التي رفضت التدخل الإيراني.
أي أنهم بدلا من إرسال مبعوثين
دبلوماسيين أرسلوا سفنا عسكرية.
القراءة الواقعية لحادثة التسلل إلى الأراضي
السعودية تقول بأن الحوثيين يرغبون في أن تكون السعودية طرفا إقليميا في المعادلة
فهي دولة ذات أكثرية سنية وحليفة للولايات المتحدة، وفي ذات الوقت هي أبرز دولة
عربية تقف بشكل مباشر أمام التمدد الإيراني في المنطقة.
من خلال إقحام السعودية
في الصراع، كان يأمل الحوثيون في أن تقوم السعودية برد عنيف أو متعجل يسقط من خلاله
الكثير من المدنيين وتضطر السعودية معه إلى الدخول إلى الأراضي اليمنية، وبذلك
يتعزز موقع الحوثيين في الداخل والخارج بوصفهم مدافعين عن أراضيهم بوجه جار
متسلط.
حتى الآن فشل هذا الرهان، فالرد السعودي كان متعقلا ومدروسا، وقد قاومت
السعودية فكرة الاستدراج هذه فوفرت ممرات آمنة للنازحين، وفرضت حصارا بحريا على
منافذ التهريب للأسلحة والأفراد، كما أنها مستمرة في رد محاولات التسلل التي تجري
بشكل شبه يومي.
هناك ثقة كبيرة في قدرة السعوديين على التعامل مع هذه الأزمة
مهما استغرقت، ولكن لا بد من الإقرار أن مفاتيح التهدئة - كما يقال - ليست في
الضاحية الجنوبية أو صعدة بقدر ما هي في طهران، والرد على إيران لا يكون في أي من
وكالاتها بل في التدخل المباشر في مفاوضاتها النووية مع الدول الغربية.