الغنامي
الإيراني" ويعرف جماله وفتنته وإغواءه وقوته، لكننا أيضاً لدينا أحرار ولدينا ما
ننافس به عندما نعرف قيمتنا وندرك أن الوضع يتصاعد في حدودنا الجنوبية وليس هناك
مجال لكي نتهاون في الأمر أو أن نحسن الظن بأي كائن يمشي على قدمين.
ما يحدث
هناك لا يمكن أن يكون عمل ميليشيات صغيرة غاضبة تطالب بحقوقها، نحن أمام
حرب تدار معنا بالوكالة، تدار معنا
تحديداً بعد فشل المحاولات في أقطار عربية أخرى، وكأن الصقر الإيراني قد قرر أن
يكون أكثر صراحة في نهاية المطاف، وأن يتوجه للرأس مباشرة لكي يخوض معه معركته
الأخيرة، هذا ما يجب أن ندركه جيداً وبإمكان المفاوضين أن يقولوا ما يشاؤون.
كنت
قد كتبت أن إيران تعبث بمشاعر الجماهير العربية وتمشي على جماجمها وترقص على
جراحاتها رقصة التانجو ببراعة انجرف لها البسطاء، وكل ما حدث بعدها كان يؤكد لي صحة
ذاك التصور، لكن كل هذا لا يكفي، إذ على الجماهير العربية أن تدرك ما يراد بها وأن
كل هذا الاستعراض وهذه البطولات الورقية التي لم تطلق على إسرائيل رصاصة، ليست
معنية بتاتاً بهموم الإنسان العربي ولا يساوي عندها رأس بصلة سواء كان سنياً أو
شيعياً، إننا أمام عواء ذئب جريح لا يعني له الحوثيون ولا اليمنيون كلهم أي شيء
بقدر ما يعنيه الهروب من مأزقه الخاص ومحاولته أن يهرب من قدره المتمثل في انتحار
الحيتان على الشواطئ بعد 30 عاماً من التمرد على يد الإيرانيين الشرفاء الذين سئموا
من البغي والقمع والتسلط، وهذا ما يجب أن نقوله بحيث نشير إلى العدو الحقيقي، لا أن
نضيع فرصة انتصارنا بالمجاملات.
مجرد التصريح بأننا نملك من الوعي ما يمكننا من
معرفة الواقع، له من الإيجابيات ما لا يمكن أن نجده في المجاملات وترك المجال
للدبلوماسية، إذ حتى في الدبلوماسية، الصراحة تأتي بنتائج أفضل بكثير حين الجلوس
والتفاوض مع الخصم، من السكوت وتجاهل الحقائق.
ما تمارسه إيران في العالم العربي
اليوم، يذكرني بما كان يفعله "أدولف هتلر" حين ارتفعت الأصوات الألمانية غير
النازية ضده، وكثر اكتشافه لمؤامرات أدارها ضباط كبار في جيشه، كانت تهدف لاغتياله
شخصياً، فكان الحل الذي سعى إليه هرباً من الاحتقان الداخلي هو تسيير الجيوش إلى
خارج ألمانيا لشن حروب جديدة، إلى مناطق تبعد العسكرتاريا عن ألمانيا.
في ظل
المشهد السياسي المأزوم اليوم في إيران وصرخات غضب الإصلاحيين الذين ما زالوا
يشعرون بالغبن جراء ما حدث في الانتخابات الماضية وسوق المعارضين إلى السجون
وتعذيبهم تلو ذلك، لم تجد حكومة الملالي إلا أن تعلن أنها ستعود للإعلان عن البراءة
من الكفار في مواسم الحج، مصحوباً بدعم الحركات الانفصالية في العالم العربي، وبين
كل فترة وأخرى نسمع عن كارثة جديدة لا تتناغم جيداً مع الأخوة الإسلامية وحسن
الجوار، فمن تأسيس دولة حزب الله المستقلة داخل دولة لبنان، إلى اكتشاف خلايا
إرهابية في مصر لا تأبه بمعنى السيادة الوطنية للآخرين، إلى دعوى الحق في دولة
البحرين، وأخيراً: دعم الحوثيين ضد اليمن والسعودية! الحمد لله أن موسم الحج مر
بسلام، لكن إيران لم ولن تتوقف في يوم من الأيام عن تصدير الثورة الخمينية
"الإسلامية"، لكنها لن تسلط حرابها شمالا ولا غرباً بل جنوبا وشرقا، إلى العالم
العربي "المسلم"، وها هو وجودها وإعلانها عن حضورها يمتد من لبنان إلى اليمن، ولن
نتحدث عن المشاريع المستقبلية لها في إفريقيا لأن هذه قصة أخرى، وكأن "حزب الله"
الإفريقي سيكون قوة دعم يتم الاحتياج لها فيما بعد.
إيران فعلت هذا عن قصد،
بدلاً من أن يكون خصمها هو الشيطان الأكبر الذي تلعنه في المناسبات وتجلس - بكل أدب
- على طاولة الحوار معه لتدافع عن ملف نووي تزعم أنه سلمي، وهكذا استمرت إيران في
هدم كل أمل في الوحدة الإسلامية، غير آبهة بحياة شيعي أو سني من أهل المنطقة،
فالمهم هو استمرار الثورة وانشغال العالم عن مطالب الإصلاحيين الذين يحملون مشاريع
محترمة قائمة على إصلاح الثورة والانفتاح على العالم وحسن الجيرة مع العالم العربي،
لكن كل هذا لن يفيد حكومة الملالي في شيء، فإذا كانت قد خسرت ما يقارب ال40% من
الأصوات في الانتخابات الماضية، فالانتخابات القادمة ستكون هي النهاية.