الخُمس
الثري تطرقنا في الحلقة السابقة إلى أن أميركا صارت تحتل مكان الصدارة في انخفاض
معدل البطالة التي صارا أدنى معدل لها في 5.3 في جميع الدول المشاركة في منظمة
التنمية والتعاون الاقتصادي ، إلا أن
مواطني أميركا دفعو ثمناً غالياً من أجل ذلك ، فأكثر بلدان العالم إنتاجية وثراء،
أضحى في ذات الوقت أكبر إقتصادات العالم رخصاً من حيث الأجور....فميزة أمريكا لم
تعد تكمن اليوم في سعة السوق الوطنية أو فيما ما لديها من علماء جهابذة بل صارت تكن
في رخص الأيدي العاملة فالمنافسة المتصاعدة تسببت في إصابة ما يزيد على نصف السكان
بالفزع الأمريكي الجديد: انحدار بلا نهاية ففي عام 1995م حصل أربعة أخماس مجمل
المستخدمين والعمال الذكور في الولايات المتحدة الأمريكية من كل ساعة عمل مبلغاً هو
من الناحية الحقيقية أدنى مما كانوا يحصلون عليه في عام 1973م بمقدار (11) في
المائة ويعني هذا أن المستوى المعيشي الفعلي قد انخفض بالنسبة إلى الغالبية العظمى
في العقدين الأخيرين.
وقديماً كان جون كنيدي الرئيس في عقد الستينيات الذهبي قد
عبر عن التطلع إلى رفاهية متزايدة للجمهور الواسع بعبارة وجيزة وصيغة خالية من
التعقيد عندما قال: " عندما يرتفع مستوى سطح البحر فسترتفع معه جميع السفن الطافية
على المياه أيضاً".
إلا أن الموجة الليبرالية وموجه التحرير من التوجيه الحكومي
في سياق إدارة ريجان قد خلقتا نهجاً إقتصادياً لم تعد تنطبق عليه هذه الصورة
المجازية حقاً لقد ارتفع الناتج القومي الإجمالي في الفترة الواقعة بين عام 1973م
وعام 1994م من الناحية الحقيقية بمقدار الثلث بالنسبة إلى الفرد الواحد من سكان
الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن متوسط الأجر الإجمالي كان انخفض بالنسبة إلى
جميع العاملين الذين لا يتقلدون مناصب إدارية أي بالنسبة إلى ما يقرب من
ثلاثة.
أرباع السكان العاملين بمقدار 19 في المائة- أي أنه انخفض إلى 258 دولار
أوما يساوي 380 ماركاً ألمانياً في الأسبوع علماً بأن هذا ليس سوى متوسط إحصائي هذا
وكان الأجر قد انخفض على نحو أشد بالنسبة إلى الثلث الأدنى في سلم الدخول فهذه
الملايين من السكان صارت تحصل على أجر يقل بمقدار 25 في المائة عما كان سائداً قبل
عشرين عاماً ومع هذا مقارنة بالماضي لامراء أيدا في أن المجتمع
الأمريكي.
إجمالاً ليس هو الأفقر فلم يسبق أبداً أن حاز المواطنون الأمريكيون ما
يحوزونه اليوم من الثروة والدخول إن المشكلة تكمن فقط في أن النمو المتحقق هو برمته
من حصة الخمس الثري أي من حصة العشرين مليون عائلة لا غير كما هو ثابت
إحصائياً.
وحتى في إطار هذه الفئة نفسها يتوزع الربح توزيعاً غير عادل على نحو
شديد فواحد في المائة من أثرى العائلات ضاعف دخولهم منذ عام 1980م وهكذا أضحى أغنى
الأغنياء أي حوالي نصف مليون مواطن يمتلكون اليوم ثلث مجموع الثروة التي يمتلكها
الأهالي في الولايات المتحدة الأمريكية وعلى نحو واضح اسبغت التغيرات الكلية في
الإقتصاد الأمريكي ثمارها على مديري المشروعات الكبيرة ففي المتوسط أرتفع دخلهم
العظيم أصلاً بشكل صاف بمقدار 40 مرة على ما يحصل عليه مستخدموهم العاديون أما
اليوم فإن هذه النسبة ارتفعت فبلغت واحد إلى مائة وعشرين بضمنها رواتب القمة التي
يحصل عليها مديرون من قبيل أنتوني أورايلي مدير متجر المواد الغذائية العملاق هاينز
إذا بلغ راتبه السنوي 80 مليوناً أي ما يعادل 40 ألف دولار في الساعة .
ويحصل
غالبية هؤلاء المديرين الكبار على رواتبهم العالية إكراماً لما يبذلون من جهد يرمي
إلى تخفيض تكاليف العمل بكل السبل ومن أجل تحقيق هذا الهدف اتخذت الصناعة ذات
التقنية المتدنية والأجهزة الكهربائية طريقاً أكثر بساطة فالجزء الأعظم من الإنتاج
في هذه القطاعات هجر الوطن إذ تحول المنتجون إلى مستوردين يقومون إما بشراء بضائعهم
من منتجين أسيويين وإما بتسويق ما تنتجه مصانعهم الكائنة في الخارج فهناك رواد كبار
في السوق العالمية كالمؤسسة الناشطة في صناعة أحذية الرياضة Nike أو كعملات صناعة
لعب الأطفال Martel لا يمتلكون اليوم أي مصانع ينتجون بها ما يسوقون من سلع فهؤلاء
يتعاقدون مع مختلف المنتجين في أندونيسيا وعبر بولندا وحتى المكسيك أو من الولايات
المتحدة الأمريكية أيضاً على أن ينتج لهم هؤلاء ما يسوقون من سلع المهم هو من يقدم
لهم أدنى التكاليف فعلى سبيل المثال تشغل المشروعات الأمريكية في المكسيك ما يقرب
من تصف مليون عامل بأجر لا يصل ولا حتى إلى خمسة دولارات في اليوم أي بأجر لا يسد
الرمق إلا بصعوبة أضف إلى هذا أن هؤلاء العاملين لا يحصلون على أي مدفوعات إجتماعية
كالتأمين الصحي أو الضمان الإجتماعي وكانت التحولات في الصناعات السابقة الذكر قد
عصفت في بادئ الأمر بالعمال الذين يطلق عليهم ذوي الياقات الزرقاء أي العاملين غير
المتعلمين والعاملين على الناقل الآلي المستخدم في الإنتاج الواسع ففي مرحلة
الثمانينيات بناء على ما يقوله جوزيف وايت الاقتصادي لدى مؤسسة بروكنز الحيادية
النزعة في المنظور السياسي " لم يكن هناك قيادي نقابي لم يسمع وهو يجلس على طاولة
المفاوضات بأن ما لدى أعضائه من فرص عمل سيجري نقلها إلى المكسيك إن طالب
بالكثير".
الثري تطرقنا في الحلقة السابقة إلى أن أميركا صارت تحتل مكان الصدارة في انخفاض
معدل البطالة التي صارا أدنى معدل لها في 5.3 في جميع الدول المشاركة في منظمة
التنمية والتعاون الاقتصادي ، إلا أن
مواطني أميركا دفعو ثمناً غالياً من أجل ذلك ، فأكثر بلدان العالم إنتاجية وثراء،
أضحى في ذات الوقت أكبر إقتصادات العالم رخصاً من حيث الأجور....فميزة أمريكا لم
تعد تكمن اليوم في سعة السوق الوطنية أو فيما ما لديها من علماء جهابذة بل صارت تكن
في رخص الأيدي العاملة فالمنافسة المتصاعدة تسببت في إصابة ما يزيد على نصف السكان
بالفزع الأمريكي الجديد: انحدار بلا نهاية ففي عام 1995م حصل أربعة أخماس مجمل
المستخدمين والعمال الذكور في الولايات المتحدة الأمريكية من كل ساعة عمل مبلغاً هو
من الناحية الحقيقية أدنى مما كانوا يحصلون عليه في عام 1973م بمقدار (11) في
المائة ويعني هذا أن المستوى المعيشي الفعلي قد انخفض بالنسبة إلى الغالبية العظمى
في العقدين الأخيرين.
وقديماً كان جون كنيدي الرئيس في عقد الستينيات الذهبي قد
عبر عن التطلع إلى رفاهية متزايدة للجمهور الواسع بعبارة وجيزة وصيغة خالية من
التعقيد عندما قال: " عندما يرتفع مستوى سطح البحر فسترتفع معه جميع السفن الطافية
على المياه أيضاً".
إلا أن الموجة الليبرالية وموجه التحرير من التوجيه الحكومي
في سياق إدارة ريجان قد خلقتا نهجاً إقتصادياً لم تعد تنطبق عليه هذه الصورة
المجازية حقاً لقد ارتفع الناتج القومي الإجمالي في الفترة الواقعة بين عام 1973م
وعام 1994م من الناحية الحقيقية بمقدار الثلث بالنسبة إلى الفرد الواحد من سكان
الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن متوسط الأجر الإجمالي كان انخفض بالنسبة إلى
جميع العاملين الذين لا يتقلدون مناصب إدارية أي بالنسبة إلى ما يقرب من
ثلاثة.
أرباع السكان العاملين بمقدار 19 في المائة- أي أنه انخفض إلى 258 دولار
أوما يساوي 380 ماركاً ألمانياً في الأسبوع علماً بأن هذا ليس سوى متوسط إحصائي هذا
وكان الأجر قد انخفض على نحو أشد بالنسبة إلى الثلث الأدنى في سلم الدخول فهذه
الملايين من السكان صارت تحصل على أجر يقل بمقدار 25 في المائة عما كان سائداً قبل
عشرين عاماً ومع هذا مقارنة بالماضي لامراء أيدا في أن المجتمع
الأمريكي.
إجمالاً ليس هو الأفقر فلم يسبق أبداً أن حاز المواطنون الأمريكيون ما
يحوزونه اليوم من الثروة والدخول إن المشكلة تكمن فقط في أن النمو المتحقق هو برمته
من حصة الخمس الثري أي من حصة العشرين مليون عائلة لا غير كما هو ثابت
إحصائياً.
وحتى في إطار هذه الفئة نفسها يتوزع الربح توزيعاً غير عادل على نحو
شديد فواحد في المائة من أثرى العائلات ضاعف دخولهم منذ عام 1980م وهكذا أضحى أغنى
الأغنياء أي حوالي نصف مليون مواطن يمتلكون اليوم ثلث مجموع الثروة التي يمتلكها
الأهالي في الولايات المتحدة الأمريكية وعلى نحو واضح اسبغت التغيرات الكلية في
الإقتصاد الأمريكي ثمارها على مديري المشروعات الكبيرة ففي المتوسط أرتفع دخلهم
العظيم أصلاً بشكل صاف بمقدار 40 مرة على ما يحصل عليه مستخدموهم العاديون أما
اليوم فإن هذه النسبة ارتفعت فبلغت واحد إلى مائة وعشرين بضمنها رواتب القمة التي
يحصل عليها مديرون من قبيل أنتوني أورايلي مدير متجر المواد الغذائية العملاق هاينز
إذا بلغ راتبه السنوي 80 مليوناً أي ما يعادل 40 ألف دولار في الساعة .
ويحصل
غالبية هؤلاء المديرين الكبار على رواتبهم العالية إكراماً لما يبذلون من جهد يرمي
إلى تخفيض تكاليف العمل بكل السبل ومن أجل تحقيق هذا الهدف اتخذت الصناعة ذات
التقنية المتدنية والأجهزة الكهربائية طريقاً أكثر بساطة فالجزء الأعظم من الإنتاج
في هذه القطاعات هجر الوطن إذ تحول المنتجون إلى مستوردين يقومون إما بشراء بضائعهم
من منتجين أسيويين وإما بتسويق ما تنتجه مصانعهم الكائنة في الخارج فهناك رواد كبار
في السوق العالمية كالمؤسسة الناشطة في صناعة أحذية الرياضة Nike أو كعملات صناعة
لعب الأطفال Martel لا يمتلكون اليوم أي مصانع ينتجون بها ما يسوقون من سلع فهؤلاء
يتعاقدون مع مختلف المنتجين في أندونيسيا وعبر بولندا وحتى المكسيك أو من الولايات
المتحدة الأمريكية أيضاً على أن ينتج لهم هؤلاء ما يسوقون من سلع المهم هو من يقدم
لهم أدنى التكاليف فعلى سبيل المثال تشغل المشروعات الأمريكية في المكسيك ما يقرب
من تصف مليون عامل بأجر لا يصل ولا حتى إلى خمسة دولارات في اليوم أي بأجر لا يسد
الرمق إلا بصعوبة أضف إلى هذا أن هؤلاء العاملين لا يحصلون على أي مدفوعات إجتماعية
كالتأمين الصحي أو الضمان الإجتماعي وكانت التحولات في الصناعات السابقة الذكر قد
عصفت في بادئ الأمر بالعمال الذين يطلق عليهم ذوي الياقات الزرقاء أي العاملين غير
المتعلمين والعاملين على الناقل الآلي المستخدم في الإنتاج الواسع ففي مرحلة
الثمانينيات بناء على ما يقوله جوزيف وايت الاقتصادي لدى مؤسسة بروكنز الحيادية
النزعة في المنظور السياسي " لم يكن هناك قيادي نقابي لم يسمع وهو يجلس على طاولة
المفاوضات بأن ما لدى أعضائه من فرص عمل سيجري نقلها إلى المكسيك إن طالب
بالكثير".