الحلقة السابقة إلى أنه حين رفع الرأسمالي الأمريكي القديم أجور العمال لديه إلى
الضعف صار يدفع لهم خمسة دولارات عن كل يوم عمل، فوصفت خطوته هذا بأنها جريمة
اقتصادية ، وفي الواقع لم يقدم "فورد" على هذه الخطوة إلا لأنه كان قد توصل بنفسه
إلى المنطلق الذي ساد فيما بعد الاقتصاد الوطني المتسارع النمو، ونوهنا إلى أن
إزالة الحدود الوطنية من طريق التجارة الدولية وتدمير النقابات العمالية قد قضى على
كل الروادع.
العمال في أمريكا
طبقة مذعورة فيما أن المشروعات تسوق بضائعها عالمياً لذا "لم يعد مستقبلها يتوقف
على ما لدى العالمين الأمريكيين من قوة شرائية" هؤلاء العاملين الذين صاروا يتحولون
أكثر فأكثر إلى "طبقة مذعورة" من هنا يرى "لستراثارو" الاقتصادي في معهد M. L. I أن
ما تنشره السلطات الأمريكية من إحصائيات رسمية عن مستوى البطالة ليس سوى تضليل في
أفضل الحالات ولا يكاد يكون أكثر من حملة إعلامية كاذبة فبناء على ما يقوله يتعين
أن نضيف إلى سبعة الملايين عاطل عن العمل في عام 1995 حسب الإحصائيات الرسمية التي
أعلنتها وزارة العمل والقائمة على التقدير وليس على الإحصاء الفعلي.
نعم يتعين
أن نضيف إلى هؤلاء ستة الملايين مواطن أيضاً الذين يرغبون في العمل بعض ساعات
النهار فقط وبالتالي وبناء على ما يقوله Thurow فإننا لو جمعنا المجموعات الثلاث
معاً فإن أربع عشرة في المائة من مجموعة السكان في سن العمل بحاجة إلى فرص عمل
نظامية وسترتفع هذه النسبة إلى 28% إذا ما أخذ المرء بعين الاعتبار أولئك الذين لا
يعملون إلا من حين لآخر: أعني 10. 1 مليون عامل ومستخدما يعملون بعقود مؤقتة وكذلك
8. 3 مليون يعملون لحسابهم الخاص غالبيتهم جامعيون نادراً ما يوكل إليهم إنجاز عمل
هم متخصصون فيه وتترك هذا الحالة أثرها في توزيع الدخول طبعاً فيما يقرب من خمس
العاملين يحصل على أجور هي دون المستوى الرسمي للفقر، كما تقول ذلك منظمة العمل
الدولية التابعة للأمم المتحدة وبالتالي فقد غدا العاملون الفقراء فئة معتبرة في
التركيبة الاجتماعية الأمريكية.
من ناحية أخرى يتعين اليوم على العاملين
الأمريكيين العمل مدة أطول في المتوسط من زملائهم في غالبية بلدان منظمة التنمية
والتعاون الاقتصادي، أضف إلى هذا أنهم يحظون بأدنى تأمين وأنه يتعين عليهم تغيير
مكان عملهم وسكنهم على نحو أكثر.
وبهذا فقد أضحى ما يشيد به الاقتصاديون
الأوروبيون على أنه "المعجزة الأمريكية في خلق فرص العمل" لعنة بالنسبة إلى
المعنيين وكانت صحيفة YOURK TIMES NEW وهي الصحيفة المتحيزة عادة ل" وول ستريت" قد
علقت على هذه المعجزة قائلة: أن معدل بطالة متحفظاً لا يعني كثير عندما يسرح عامل
يحصل على أجر يبلغ 15 دولاراً في الساعة ويتحول إلى عمل آخر يحصل فيه على نصف هذا
الأجر فقط وكانت الصحيفة الأمريكية قد وصفت القدرة التنافسية الأمريكية الجديدة
ب"الرأسمالية القاتلة" وفي الواقع فإن ما في أمريكا الثرية من توزيع متطرف في
اللامساواة ليس بالأمر الجديد تاريخياً فتأسيس الولايات المتحدة الأمريكية كان
أصلاً حصيلة تطلع المهاجرين للحرية الاقتصادية ولم يحسد الأمريكيون أبداً مواطنيهم
من أجمال الأعمال الناجحين على ثرواتهم وذلك لأن غالبتيهم ستنتفع في نهاية المطاف
من هذا الثراء إلى حد ما أيضاً لم يعرف التاريخ الأمريكي في الفترة السابقة على عام
1970 مرحلة طويلة من الزمن تعين فيها على الغالبية العظمى من السكان أن تتكبد
الخسائر باستمرار في حين أن هناك أقلية تضاعف ثروتها ودخولها.
أن لهذا الانحدار
آثار وخيمة على مجمل الحياة الاجتماعية كما أنه يهدد على نحو متزايد الاستقرار
السياسي ولذا يتزايد عدد الأمريكيين الذين يعتبرون أن التوجه السائد سبيل خاطئ
وتسري هذه الحقيقة على أولئك الأمريكيين الذين ينتمون إلى الطليعة البيضاء الثرية
فها هو إدوار لوتوك الاقتصادي في مركز الدراسات الاستراتيجية يتحول من واحد من أكبر
دعاة الحرب الباردة في ما سلف إلى واحد من أكثر نقاد التوجه الاقتصادي الجديد شدة
فهو يرى أن ما تفرزه "الرأسمالية يزعمه الماركسيون قبل مائة عام من مزاعم كانت
خاطئة كلية آنذاك أضحى الآن حقيقة فالرأسماليون يزدادون ثراء والطبقة العاملة تزداد
فقراً وأن المنافسة المعولمة تطحن الناس طحناً" وتدمر التماسك الاجتماعي وفي الواقع
لا يقتصر هذا التحول الفكري المختلف على مفكرين متمردين من قبيلة
Luttwak.
Reich.
Thurow فهناك رجال أعمال وسياسيون قد أخذوا هم أيضاً يشككون
على نحو متزايد في النظريات الاقتصادية المحافظة ويتساءلون عما إذا كان انسحاب
السياسة من الاقتصاد قد بلغ حداً بعيداً وخير مثال على هذا هو السيناتور الجمهوري
"كوني ماك" فقد كان بصفته رئيساً للجنة الاقتصادية في مجلس الشيوخ الأمريكي قد ساند
بنفسه الكثير من القوانين الرامية إلى تحرير الاقتصاد من التدخل
الحكومي.