مايكل
جيرسون -- واشنطن بوست
جيرسون -- واشنطن بوست
السبب وراء الأزمة الراهنة بين إيران وأميركا
والغرب لا علاقة له بمدى براعة هؤلاء الدبلوماسيين المشاركين في المفاوضات، إنما
بالقوى الداخلية في إيران التي تبدو حصينةً تجاه العروض والعروض المضادة المنطقية
التي تتيحها السياسة الدبلوماسية.
بعد اتخاذ قرار بشأن أفغانستان، سنرى إن كان رئيس متردد سينجح في إقناع
كونغرس متردد، وحث أمّة مترددة على القبول بتضحيات إضافية في زمن الحرب، لكن
الإدارة يجب أن تشعر بالارتياح لأن مجرد اتخاذ قرار يعتقها من مشاعر التوتر
المتراكمة، كما هي الحال عند إطلاق سهم بغض النظر عن الموقع الذي سيقع فيه.
لكن
ذلك الشعور بالارتياح لن يدوم طويلاً، فبالتزامن مع القرار الخاص بأفغانستان، دخلت
إيران مرحلةً أخيرة من الخيارات التي لا رجوع عنها بشأن برنامجها النووي، وقد عدلت
عن صفقة كانت تقتضي إرسال معظم مخزونها من اليورانيوم إلى الخارج لمعالجته لأهداف
سلمية، وبعد توجيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية انتقادات لاذعة لإيران، أعلن
الرئيس محمود أحمدي نجاد بناء عشرة مواقع إضافية لتخصيب اليورانيوم.
هذا وأقر
مجلس الشورى الإيراني قراراً يحث فيه على خفض التعاون مع الوكالة، وفي المقابل،
تعهد آية الله أحمد خاتمي في عظة له في جامعة طهران بأن تنتج إيران اليورانيوم
العالي التخصيب الخاص بها 'للبحوث الطبية'.
يتحدى هذا النظام اليوم المطالب
الدولية بشكل مطلق ويتجه نحو تعزيز قدرته في مجال الأسلحة النووية، فهل فشلت وفود
الرئيس أوباما الدبلوماسية؟ وهل كانت كلماتها المعسولة تنقصها الحلاوة؟ ليس فعلياً،
لأن السبب وراء الأزمة الراهنة لا علاقة له بمدى براعة هؤلاء الدبلوماسيين، إنما
بالقوى الداخلية في إيران التي تبدو حصينةً تجاه العروض والعروض المضادة المنطقية
التي تتيحها السياسة الدبلوماسية.
نشهد في إيران تدعيم نظام دكتاتوري عسكري،
فمنذ اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979، أصبح للقادة الدينيين في البلاد جيش
عسكري، وهو الحرس الثوري الإيراني الذي يتولّى تطبيق عقيدتهم، فيحافظ على الأمن
والنظام في طهران، وينظم القوات المساندة، ويشرف على الانتخابات الإيرانية، ويسيطر
على قطاعات واسعة من الاقتصاد، ويشغّل أنظمة الصواريخ، ويدير دعم إيران الدولي
للإرهاب، ويسيطر على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في إيران، وقد يكون المسؤول عن
قنبلة نووية إيرانية، يُشار إلى أن أحمدي نجاد وغيره من القادة الآخرين ضباط سابقون
في الحرس الثوري.
لكن كرد فعل على الاحتجاجات الجماهيرية التي أعقبت الانتخابات
المزورة في يونيو، اتسعت سيطرة الحرس بشكل شامل، فأعاد القائد الأعلى آية الله علي
خامنئي تشكيل أجهزة الاستخبارات الإيرانية ليكون للحرس اليد الطولى في هذا المجال،
إذ من الواضح أنه لا يثق بأجهزة الاستخبارات النظامية، وكذلك تمتع الحرس بسلطة أكبر
على وسائل الإعلام الإيرانية، إذ يشدد الرقابة على الإنترنت ويعيّن أساتذة من
الميليشيات في المدارس الابتدائية.
في هذا الإطار، يجادل الخبراء في الشؤون
الإيرانية اليوم حول ما إذا كان الحرس خاضعاً بالكامل لسيطرة خامنئي، أم خارجاً عن
سيطرته.
بات النظام الديني في إيران مجلساً عسكرياً يستخدم الدين كواجهة، إذ
يتخفّى القادة العسكريون في عباءات دينية، ويبقى السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه
بخصوص المسألة النووية: هل يؤمن هذا النظام بأن الأسلحة النووية ستساعده في ضمان
استمراره؟ ثمّة أسباب كثيرة تدفعنا إلى التصديق بأنه يؤمن بذلك، فبعد أن كشفت
الاضطرابات التي وقعت منذ يونيو عن هشاشة النظام، سرّع هذا الأخير من وتيرة برنامجه
النووي.
وهكذا تعتقد الحكومة العسكرية في إيران، المجرّدة من الشرعية والتي تخشى
قيام ثورة ملونة، أن القنبلة ستمنحها النفوذ والديمومة، لكن حساباتها غير
منطقية.
في ضوء ذلك، تبدو سياسة أوباما ضعيفة وغير منطقية، لأنها تحدد مهلاً
نهائية للتعاون تنتهكها إيران من دون حساب أو عقاب وتمد باستمرار يد الحوار بعد أن
رُدّت مراراً وتكراراً.
لكن الحلول البديلة صعبة وغير واضحة النتائج، فالعزل
الاقتصادي الذي يصيب إيران بالشلل يستحق المحاولة مجدداً، لكنه يتطّلب تضحية عدد من
الأمم غير الجديرة بالثقة بمصالحها الاقتصادية الكبرى في إيران، وهو أمر كانت
تتوانى عن القيام به في السابق.
في المقابل، تبدو الخيارات العسكرية المباشرة
مشكوكاً فيها ومكروهة من الجيش بحد ذاته، فمن الصعب تخيّل أوباما، الذي يُعرَف
بتأنّيه، يتّخذ إجراءات استنتج جورج بوش الابن أنها خطيرة للغاية.
لكن التداعيات
الأمنية الناجمة عن امتلاك إيران قنبلة نووية قد تتخطى مجرّد الإخفاق في أفغانستان،
فإيران قوة ثورية غير مستقرة لديها مطامع عالمية وصلات بجماعات إرهابية، وهذا أخطر
ما يمكن أن يتسبب به انتشار الأسلحة النووية.
مع ذلك، يوجد خيار لم يُختبَر بعد،
وبدا، حتّى هذه اللحظة، أن الرئيس أوباما يرى في الانتفاضة الديمقراطية المستمرة في
إيران عائقاً مزعجاً يحول دون التحاور، ولذلك خفّضت الإدارة تمويلها لبرامج حقوق
الإنسان في إيران وغضّت الطرف عن تعرّض معارضي النظام الإيراني المنفيين للهجوم في
العراق.
لذلك، فضلاً عن فرض ضغوط اقتصادية وعسكرية كثيفة، يستطيع أوباما اختبار
الاستراتيجية التي يخشاها النظام أكثر من أي شيء آخر، وعليه دعم المقاومة
الديمقراطية ضد الحكم العسكري سراً وعلانيةً، ليس بدافع المثالية، إنما بدافع
الواقعية.
قد يشكّل ذلك مصدر ضغط على النظام الإيراني في وقت بات فيه النفوذ
الأميركي محدوداً، وقد يعجّل في عودة السيطرة المدنية في إيران بحد ذاتها، لكي
يتسنى للولايات المتحدة الحصول فعلياً على شريك محاور.
نقلا عن
الجريدة
والغرب لا علاقة له بمدى براعة هؤلاء الدبلوماسيين المشاركين في المفاوضات، إنما
بالقوى الداخلية في إيران التي تبدو حصينةً تجاه العروض والعروض المضادة المنطقية
التي تتيحها السياسة الدبلوماسية.
بعد اتخاذ قرار بشأن أفغانستان، سنرى إن كان رئيس متردد سينجح في إقناع
كونغرس متردد، وحث أمّة مترددة على القبول بتضحيات إضافية في زمن الحرب، لكن
الإدارة يجب أن تشعر بالارتياح لأن مجرد اتخاذ قرار يعتقها من مشاعر التوتر
المتراكمة، كما هي الحال عند إطلاق سهم بغض النظر عن الموقع الذي سيقع فيه.
لكن
ذلك الشعور بالارتياح لن يدوم طويلاً، فبالتزامن مع القرار الخاص بأفغانستان، دخلت
إيران مرحلةً أخيرة من الخيارات التي لا رجوع عنها بشأن برنامجها النووي، وقد عدلت
عن صفقة كانت تقتضي إرسال معظم مخزونها من اليورانيوم إلى الخارج لمعالجته لأهداف
سلمية، وبعد توجيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية انتقادات لاذعة لإيران، أعلن
الرئيس محمود أحمدي نجاد بناء عشرة مواقع إضافية لتخصيب اليورانيوم.
هذا وأقر
مجلس الشورى الإيراني قراراً يحث فيه على خفض التعاون مع الوكالة، وفي المقابل،
تعهد آية الله أحمد خاتمي في عظة له في جامعة طهران بأن تنتج إيران اليورانيوم
العالي التخصيب الخاص بها 'للبحوث الطبية'.
يتحدى هذا النظام اليوم المطالب
الدولية بشكل مطلق ويتجه نحو تعزيز قدرته في مجال الأسلحة النووية، فهل فشلت وفود
الرئيس أوباما الدبلوماسية؟ وهل كانت كلماتها المعسولة تنقصها الحلاوة؟ ليس فعلياً،
لأن السبب وراء الأزمة الراهنة لا علاقة له بمدى براعة هؤلاء الدبلوماسيين، إنما
بالقوى الداخلية في إيران التي تبدو حصينةً تجاه العروض والعروض المضادة المنطقية
التي تتيحها السياسة الدبلوماسية.
نشهد في إيران تدعيم نظام دكتاتوري عسكري،
فمنذ اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979، أصبح للقادة الدينيين في البلاد جيش
عسكري، وهو الحرس الثوري الإيراني الذي يتولّى تطبيق عقيدتهم، فيحافظ على الأمن
والنظام في طهران، وينظم القوات المساندة، ويشرف على الانتخابات الإيرانية، ويسيطر
على قطاعات واسعة من الاقتصاد، ويشغّل أنظمة الصواريخ، ويدير دعم إيران الدولي
للإرهاب، ويسيطر على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في إيران، وقد يكون المسؤول عن
قنبلة نووية إيرانية، يُشار إلى أن أحمدي نجاد وغيره من القادة الآخرين ضباط سابقون
في الحرس الثوري.
لكن كرد فعل على الاحتجاجات الجماهيرية التي أعقبت الانتخابات
المزورة في يونيو، اتسعت سيطرة الحرس بشكل شامل، فأعاد القائد الأعلى آية الله علي
خامنئي تشكيل أجهزة الاستخبارات الإيرانية ليكون للحرس اليد الطولى في هذا المجال،
إذ من الواضح أنه لا يثق بأجهزة الاستخبارات النظامية، وكذلك تمتع الحرس بسلطة أكبر
على وسائل الإعلام الإيرانية، إذ يشدد الرقابة على الإنترنت ويعيّن أساتذة من
الميليشيات في المدارس الابتدائية.
في هذا الإطار، يجادل الخبراء في الشؤون
الإيرانية اليوم حول ما إذا كان الحرس خاضعاً بالكامل لسيطرة خامنئي، أم خارجاً عن
سيطرته.
بات النظام الديني في إيران مجلساً عسكرياً يستخدم الدين كواجهة، إذ
يتخفّى القادة العسكريون في عباءات دينية، ويبقى السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه
بخصوص المسألة النووية: هل يؤمن هذا النظام بأن الأسلحة النووية ستساعده في ضمان
استمراره؟ ثمّة أسباب كثيرة تدفعنا إلى التصديق بأنه يؤمن بذلك، فبعد أن كشفت
الاضطرابات التي وقعت منذ يونيو عن هشاشة النظام، سرّع هذا الأخير من وتيرة برنامجه
النووي.
وهكذا تعتقد الحكومة العسكرية في إيران، المجرّدة من الشرعية والتي تخشى
قيام ثورة ملونة، أن القنبلة ستمنحها النفوذ والديمومة، لكن حساباتها غير
منطقية.
في ضوء ذلك، تبدو سياسة أوباما ضعيفة وغير منطقية، لأنها تحدد مهلاً
نهائية للتعاون تنتهكها إيران من دون حساب أو عقاب وتمد باستمرار يد الحوار بعد أن
رُدّت مراراً وتكراراً.
لكن الحلول البديلة صعبة وغير واضحة النتائج، فالعزل
الاقتصادي الذي يصيب إيران بالشلل يستحق المحاولة مجدداً، لكنه يتطّلب تضحية عدد من
الأمم غير الجديرة بالثقة بمصالحها الاقتصادية الكبرى في إيران، وهو أمر كانت
تتوانى عن القيام به في السابق.
في المقابل، تبدو الخيارات العسكرية المباشرة
مشكوكاً فيها ومكروهة من الجيش بحد ذاته، فمن الصعب تخيّل أوباما، الذي يُعرَف
بتأنّيه، يتّخذ إجراءات استنتج جورج بوش الابن أنها خطيرة للغاية.
لكن التداعيات
الأمنية الناجمة عن امتلاك إيران قنبلة نووية قد تتخطى مجرّد الإخفاق في أفغانستان،
فإيران قوة ثورية غير مستقرة لديها مطامع عالمية وصلات بجماعات إرهابية، وهذا أخطر
ما يمكن أن يتسبب به انتشار الأسلحة النووية.
مع ذلك، يوجد خيار لم يُختبَر بعد،
وبدا، حتّى هذه اللحظة، أن الرئيس أوباما يرى في الانتفاضة الديمقراطية المستمرة في
إيران عائقاً مزعجاً يحول دون التحاور، ولذلك خفّضت الإدارة تمويلها لبرامج حقوق
الإنسان في إيران وغضّت الطرف عن تعرّض معارضي النظام الإيراني المنفيين للهجوم في
العراق.
لذلك، فضلاً عن فرض ضغوط اقتصادية وعسكرية كثيفة، يستطيع أوباما اختبار
الاستراتيجية التي يخشاها النظام أكثر من أي شيء آخر، وعليه دعم المقاومة
الديمقراطية ضد الحكم العسكري سراً وعلانيةً، ليس بدافع المثالية، إنما بدافع
الواقعية.
قد يشكّل ذلك مصدر ضغط على النظام الإيراني في وقت بات فيه النفوذ
الأميركي محدوداً، وقد يعجّل في عودة السيطرة المدنية في إيران بحد ذاتها، لكي
يتسنى للولايات المتحدة الحصول فعلياً على شريك محاور.
نقلا عن
الجريدة