نبيل شبيب
"العلاقات الندية"..هذا ما سبق للرئيس الأمريكي
أوباما أن وعد به الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بعد استلامه منصب الرئاسة
بأسابيع معدودة، وهذا ما سبق أن طالب به الحلفاء الأوربيون بإلحاح، وهذا ما يمكن
القول إن رئيس الوزراء التركي أردوغان قد مارسه تجاه الولايات المتحدة الأمريكية
والدول الأوروبية بصورة نموذجية، وانعكس في مناسبات عديدة، آخرها في الوقت
الحاضر محادثاته في واشنطن مع
أوباما.
ولكن العلاقات "الندية" بالمفهوم الغربي للكلمة تحمل مضمونا غربيا، أو
تعني بتعبير أوضح: تبني السياسات الغربية، فإن حدثت اختلافات في وجهات النظر ما بين
الدول الغربية، بقيت داخل نطاق الأرضية المشتركة لتلك السياسات، فبقيت العلاقات
جديرة بوصف الندية، أما أن تتخذ تركيا مواقف سياسية تجاه أفغانستان وإيران والعراق
وسورية وفلسطين تختلف عن المواقف الأمريكية والغربية، فهنا يبدأ السؤال الغربي عن
هذا "الشذوذ" المزعوم في العلاقات الندية.
في مفهوم العلاقات الندية وكيفية
ممارستها، تعطي تركيا درسا بليغا لدول أخرى عديدة، ومنها دول عربية، تعتبر نفسها
"حليفة" أو "صديقة" للغرب، ولا سيما للدولة الأمريكية.
أفغانستان بين واشنطن
وأنقرة أعلن الرئيس الأمريكي عما أسماه "إستراتيجية جديدة" في أفغانستان، وأصبح على
الدول الأخرى في حلف شمال الأطلسي أن تلبي رغباته وترسل مزيدا من القوات وتنخرط
انخراطا أكبر في القتال، ورفضت دول أوروبية ذلك رسميا كفرنسا، ورفضته أخرى واقعيا
كألمانيا، واستجاب بعضها استجابة رمزية ببضع مئات من الجنود، ولم يبدل بعضها شيئا
من عزمه على الانسحاب مثل كندا!.
لا تبدو تركيا إذن في موقف "شاذ" -حتى في إطار
الحلف الغربي- عندما ترفض الطلب الأمريكي، وتؤكد على لسان أردوغان قبل محادثاته مع
أوباما وأثناءها، أن الدور التركي سيقتصر (وفق نص واضح في أحد بيانات مجلس الأمن
الدولي) على تدريب الشرطة الأفغانية، وأن عدد القوات التركية الذي ارتفع قبل 6
أسابيع في إطار هذه المهمة، من 700 إلى 1750 جندي، لن يزيد مرة أخرى.
وفي الوقت
الذي اعتبرت وسائل إعلام غربية هذا الموقف شاذا، متغافلة عن مواقف أوروبية مشابهة،
لم يجد الرئيس الأمريكي مجالا آخر سوى "الإشادة بالدور التركي في أفغانستان"، وسيان
هل صنع ذلك على مضض أم لا، فالمهم أن ممارسة "علاقات ندية" على الطريقة التركية في
عهد أردوغان واضحة وتقوم على تصميم سياسي مستقر، وفي هذه الحالة لا تستطيع الدولة
"الصديقة" وإن تعاظم شأنها بمقدار تعاظم تسلّحها، أن تصنع شيئا، لا سيما وأن تركيا
تمارس سياستها في أفغانستان وفق رؤيتها هي لمصالحها، وليس وفق ما "يتقرر لها أن ترى
مصالحها" على أرضية غربية محضة!.
أليس في هذا أحد الفوارق الجذرية بين "سياسات
التبعية" وسياسات "العلاقات الندية الودية"؟.
حق التسلح النووي "أحمدي نجاد صديق
دون ريب"..
كلمة قالها أردوغان أثناء توقيع سلسلة اتفاقات جديدة (بلغت أربعين
اتفاقا) مع رئيس الدولة الجارة لتركيا، والمصدر الثاني للغاز الذي تستورده، والقوة
الإقليمية التي تريد تركيا في عهد أردوغان أن "تتفاهم" لا أن "تتخاصم" معها، كيلا
تتحول نقاط الاختلاف إلى مجابهات وعداوات يخسر فيها جميع الأطراف الإقليميين..وهي
الكلمة التي زادت انزعاج الغربيين، من سياسيين وإعلاميين، فإيران مستهدفة غربيا،
وتركيا مطالبة بالمنظور الغربي أن تشارك في هذا الاستهداف، لأنها عضو في حلف شمال
الأطلسي، ولأنها تطالب من الناحية الرسمية على الأقل بعضوية الاتحاد
الأوروبي.
أردوغان يرفض أن يدفع "هذا الثمن" على حساب المصالح الذاتية التركية،
ولا يختلف في ذلك عن طريقة التفكير السياسية الغربية، وعن كثير من الممارسات التي
تتناقض فيما بينها بقدر تناقض المصالح، وتتلاقى بقدر تلاقيها، ولكن استهداف إيران
مرتبط غربيا باحتضان الصهيونية العالمية والإقليمية، وهذا ما يجعل العلاقات
التركية-الإيرانية المتطورة مثار غضب "أكبر" في الدول الغربية.
ورغم اضطرار
أوباما في نهاية المطاف إلى القول إن باستطاعة تركيا أن تلعب دورا فيما جعله العالم
الغربي أزمة تحمل عنوان "الملف النووي الإيراني"، فإن أردوغان مضى شوطا أبعد من
مجرد رفض الأساليب الغربية القائمة على الإنذار والوعيد والتهديد وما يسمونه
"عقوبات" يتعاملون بها مع "الدول الصغيرة!" كتعامل الأساتذة مع التلاميذ، فكان من
تصريحات رئيس الوزراء التركي أثناء منتدى اسطنبول بمشاركة أمريكية وأوروبية وعربية
وإقليمية: "من يملك أسلحة نووية لا يملك حق حظرها عن سواه"، مشيرا بذلك إلى جوهر
المشكلة المتمثلة في احتكار الأسلحة المدمرة وحظر ما يمكن أن يصبح لدى أي دولة
أخرى، بما فيها إيران، "سلاحا رادعا" قد يمنع احتمال استخدامها ضدها يوما ما، وهذا
موقف تركي ثابت كما يدل عليه قول أردوغان قبل ذلك، أثناء زيارة طهران: "إن على
الدول التي تطالب إيران بالتخلي عن أسلحة نووية، أن تتلف ما لديها من هذه
الأسلحة".
لم يجد الرئيس الأمريكي بعد محادثاته مع أردوغان في واشنطون ما يمكن
أن يطالب به تركيا، سوى قوله إن بإمكانها أن تلعب دورا دبلوماسيا في النزاع مع
إيران، كما سبقت الإشارة!.
مرة أخرى: أليس في هذا أحد الفوارق الجذرية بين
"سياسات التبعية" وسياسات "العلاقات الندية الودية"؟ أرضية المواقف المتكاملة إن ما
يختلف به أردوغان عن أسلافه في تركيا، أنه يمارس الدور الإقليمي المتميز القائم على
المصالح الذاتية والسياسات المتوازنة المتكاملة، والاستقلالية السياسية
والاقتصادية، فهذا ما يختلف به تماما عما عرضه رئيس الوزراء التركي الأسبق ديميريل
على سبيل المثال، أثناء زيارة قام بها لواشنطن مع نهاية الحرب الباردة، واعتبره
"خمس دوائر إقليمية" يمكن أن تعوض تركيا فيها ما خسرته من دور قديم لها جنوب "العدو
الشيوعي".
فما عرضه ديميريل كان من أجل البقاء في دائرة "النفوذ الغربي" وما
يمارسه أردوغان كان وما يزال من أجل دور تركي إقليمي مستقل، يتعامل مع الغرب مثلما
يتعامل مع الدول الإقليمية، بمنظور المصالح التركية أولا.
سياسات تركيا في مثالي
أفغانستان وإيران، تتكامل بصورة نموذجية مع سياساتها لتخفيف حدة النزاع مع أرمينيا،
ولإيجاد حل مستقر للقضية القبرصية، وفي العمل على تحقيق انفراج في قضية الأكراد،
وفي الانفتاح تجاه سورية المجاورة، وفي تطوير موقفها باتجاه تحقيق العدالة قضية
فلسطين المحورية، وكذلك في محاولة دفع دول عربية أخرى للتحرك بمنظور إقليمي مشترك،
خارج نطاق لغة المحاور المرتبطة بقوى أجنبية دولية.
هذا التكامل -إلى جانب
سياسات التنمية الداخلية ومكافحة الفساد وبقايا ركائز الاستبداد- هو ما يعطي أنقرة
الطاقة الكافية لفرض نفسها على المسرح الدولي، عبر دور إقليمي متميز.
في هذا
الإطار لا يضير تركيا أن تغضب قوى أوروبية تستهدف السودان (ومن خلاله مصر تخصيصا)
عندما يرفض أردوغان مجاراتها في موقفها العدائي من الرئيس السوداني البشير، ولا
يضير تركيا أن يغضب الإسرائيليون وأنصارهم في الغرب عندما تعلن أنقرة رسميا وبقوة
إدانة الجرائم الحربية والجرائم ضد الإنسانية من جانب المسئولين الإسرائيليين، من
قبل أن يتم تثبيتها دوليا عبر تقرير جولدستون.
عقبات دولية وأخرى إقليمية يمكن
للسياسة الإقليمية التركية أن تحقق الكثير من الميزات لدول المنطقة جميعا ولقضاياها
الأساسية، وصحيح أن الدول الغربية تضع في وجه تركيا العقبات، ولكنها استطاعت حتى
الآن أن تستخدم لغة "المصالح" في تجاوز هذه العقبات، ففي نطاق العلاقات الحالية مع
واشنطن مثلا، تدرك الدولة الأمريكية حاجتها إلى تركيا بموقعها المتميز شمال العراق،
عندما يبدأ تنفيذ سحب قوات الاحتلال منه، وفي نطاق العلاقات مع الدول الأوروبية،
تدرك الأخيرة أهمية الموقع التركي في تخفيف الارتباط الطاغي بمصدر الغاز الروسي وما
تتعرض أنابيب نقله إلى الأراضي الأوروبية من أزمات متتابعة، كما أن الحكومة
الإسرائيلية نفسها تدرك مدى خطورة أن يتحول الخلاف المتنامي مع تركيا، إلى قطيعة
كاملة، بعد أن كانت تعتمد على العلاقات بالحكومات التركية السابقة في تنفيذ كثير من
مخططات الهيمنة الإقليمية بدعم أمريكي وأوروبي.
أوباما أن وعد به الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بعد استلامه منصب الرئاسة
بأسابيع معدودة، وهذا ما سبق أن طالب به الحلفاء الأوربيون بإلحاح، وهذا ما يمكن
القول إن رئيس الوزراء التركي أردوغان قد مارسه تجاه الولايات المتحدة الأمريكية
والدول الأوروبية بصورة نموذجية، وانعكس في مناسبات عديدة، آخرها في الوقت
الحاضر محادثاته في واشنطن مع
أوباما.
ولكن العلاقات "الندية" بالمفهوم الغربي للكلمة تحمل مضمونا غربيا، أو
تعني بتعبير أوضح: تبني السياسات الغربية، فإن حدثت اختلافات في وجهات النظر ما بين
الدول الغربية، بقيت داخل نطاق الأرضية المشتركة لتلك السياسات، فبقيت العلاقات
جديرة بوصف الندية، أما أن تتخذ تركيا مواقف سياسية تجاه أفغانستان وإيران والعراق
وسورية وفلسطين تختلف عن المواقف الأمريكية والغربية، فهنا يبدأ السؤال الغربي عن
هذا "الشذوذ" المزعوم في العلاقات الندية.
في مفهوم العلاقات الندية وكيفية
ممارستها، تعطي تركيا درسا بليغا لدول أخرى عديدة، ومنها دول عربية، تعتبر نفسها
"حليفة" أو "صديقة" للغرب، ولا سيما للدولة الأمريكية.
أفغانستان بين واشنطن
وأنقرة أعلن الرئيس الأمريكي عما أسماه "إستراتيجية جديدة" في أفغانستان، وأصبح على
الدول الأخرى في حلف شمال الأطلسي أن تلبي رغباته وترسل مزيدا من القوات وتنخرط
انخراطا أكبر في القتال، ورفضت دول أوروبية ذلك رسميا كفرنسا، ورفضته أخرى واقعيا
كألمانيا، واستجاب بعضها استجابة رمزية ببضع مئات من الجنود، ولم يبدل بعضها شيئا
من عزمه على الانسحاب مثل كندا!.
لا تبدو تركيا إذن في موقف "شاذ" -حتى في إطار
الحلف الغربي- عندما ترفض الطلب الأمريكي، وتؤكد على لسان أردوغان قبل محادثاته مع
أوباما وأثناءها، أن الدور التركي سيقتصر (وفق نص واضح في أحد بيانات مجلس الأمن
الدولي) على تدريب الشرطة الأفغانية، وأن عدد القوات التركية الذي ارتفع قبل 6
أسابيع في إطار هذه المهمة، من 700 إلى 1750 جندي، لن يزيد مرة أخرى.
وفي الوقت
الذي اعتبرت وسائل إعلام غربية هذا الموقف شاذا، متغافلة عن مواقف أوروبية مشابهة،
لم يجد الرئيس الأمريكي مجالا آخر سوى "الإشادة بالدور التركي في أفغانستان"، وسيان
هل صنع ذلك على مضض أم لا، فالمهم أن ممارسة "علاقات ندية" على الطريقة التركية في
عهد أردوغان واضحة وتقوم على تصميم سياسي مستقر، وفي هذه الحالة لا تستطيع الدولة
"الصديقة" وإن تعاظم شأنها بمقدار تعاظم تسلّحها، أن تصنع شيئا، لا سيما وأن تركيا
تمارس سياستها في أفغانستان وفق رؤيتها هي لمصالحها، وليس وفق ما "يتقرر لها أن ترى
مصالحها" على أرضية غربية محضة!.
أليس في هذا أحد الفوارق الجذرية بين "سياسات
التبعية" وسياسات "العلاقات الندية الودية"؟.
حق التسلح النووي "أحمدي نجاد صديق
دون ريب"..
كلمة قالها أردوغان أثناء توقيع سلسلة اتفاقات جديدة (بلغت أربعين
اتفاقا) مع رئيس الدولة الجارة لتركيا، والمصدر الثاني للغاز الذي تستورده، والقوة
الإقليمية التي تريد تركيا في عهد أردوغان أن "تتفاهم" لا أن "تتخاصم" معها، كيلا
تتحول نقاط الاختلاف إلى مجابهات وعداوات يخسر فيها جميع الأطراف الإقليميين..وهي
الكلمة التي زادت انزعاج الغربيين، من سياسيين وإعلاميين، فإيران مستهدفة غربيا،
وتركيا مطالبة بالمنظور الغربي أن تشارك في هذا الاستهداف، لأنها عضو في حلف شمال
الأطلسي، ولأنها تطالب من الناحية الرسمية على الأقل بعضوية الاتحاد
الأوروبي.
أردوغان يرفض أن يدفع "هذا الثمن" على حساب المصالح الذاتية التركية،
ولا يختلف في ذلك عن طريقة التفكير السياسية الغربية، وعن كثير من الممارسات التي
تتناقض فيما بينها بقدر تناقض المصالح، وتتلاقى بقدر تلاقيها، ولكن استهداف إيران
مرتبط غربيا باحتضان الصهيونية العالمية والإقليمية، وهذا ما يجعل العلاقات
التركية-الإيرانية المتطورة مثار غضب "أكبر" في الدول الغربية.
ورغم اضطرار
أوباما في نهاية المطاف إلى القول إن باستطاعة تركيا أن تلعب دورا فيما جعله العالم
الغربي أزمة تحمل عنوان "الملف النووي الإيراني"، فإن أردوغان مضى شوطا أبعد من
مجرد رفض الأساليب الغربية القائمة على الإنذار والوعيد والتهديد وما يسمونه
"عقوبات" يتعاملون بها مع "الدول الصغيرة!" كتعامل الأساتذة مع التلاميذ، فكان من
تصريحات رئيس الوزراء التركي أثناء منتدى اسطنبول بمشاركة أمريكية وأوروبية وعربية
وإقليمية: "من يملك أسلحة نووية لا يملك حق حظرها عن سواه"، مشيرا بذلك إلى جوهر
المشكلة المتمثلة في احتكار الأسلحة المدمرة وحظر ما يمكن أن يصبح لدى أي دولة
أخرى، بما فيها إيران، "سلاحا رادعا" قد يمنع احتمال استخدامها ضدها يوما ما، وهذا
موقف تركي ثابت كما يدل عليه قول أردوغان قبل ذلك، أثناء زيارة طهران: "إن على
الدول التي تطالب إيران بالتخلي عن أسلحة نووية، أن تتلف ما لديها من هذه
الأسلحة".
لم يجد الرئيس الأمريكي بعد محادثاته مع أردوغان في واشنطون ما يمكن
أن يطالب به تركيا، سوى قوله إن بإمكانها أن تلعب دورا دبلوماسيا في النزاع مع
إيران، كما سبقت الإشارة!.
مرة أخرى: أليس في هذا أحد الفوارق الجذرية بين
"سياسات التبعية" وسياسات "العلاقات الندية الودية"؟ أرضية المواقف المتكاملة إن ما
يختلف به أردوغان عن أسلافه في تركيا، أنه يمارس الدور الإقليمي المتميز القائم على
المصالح الذاتية والسياسات المتوازنة المتكاملة، والاستقلالية السياسية
والاقتصادية، فهذا ما يختلف به تماما عما عرضه رئيس الوزراء التركي الأسبق ديميريل
على سبيل المثال، أثناء زيارة قام بها لواشنطن مع نهاية الحرب الباردة، واعتبره
"خمس دوائر إقليمية" يمكن أن تعوض تركيا فيها ما خسرته من دور قديم لها جنوب "العدو
الشيوعي".
فما عرضه ديميريل كان من أجل البقاء في دائرة "النفوذ الغربي" وما
يمارسه أردوغان كان وما يزال من أجل دور تركي إقليمي مستقل، يتعامل مع الغرب مثلما
يتعامل مع الدول الإقليمية، بمنظور المصالح التركية أولا.
سياسات تركيا في مثالي
أفغانستان وإيران، تتكامل بصورة نموذجية مع سياساتها لتخفيف حدة النزاع مع أرمينيا،
ولإيجاد حل مستقر للقضية القبرصية، وفي العمل على تحقيق انفراج في قضية الأكراد،
وفي الانفتاح تجاه سورية المجاورة، وفي تطوير موقفها باتجاه تحقيق العدالة قضية
فلسطين المحورية، وكذلك في محاولة دفع دول عربية أخرى للتحرك بمنظور إقليمي مشترك،
خارج نطاق لغة المحاور المرتبطة بقوى أجنبية دولية.
هذا التكامل -إلى جانب
سياسات التنمية الداخلية ومكافحة الفساد وبقايا ركائز الاستبداد- هو ما يعطي أنقرة
الطاقة الكافية لفرض نفسها على المسرح الدولي، عبر دور إقليمي متميز.
في هذا
الإطار لا يضير تركيا أن تغضب قوى أوروبية تستهدف السودان (ومن خلاله مصر تخصيصا)
عندما يرفض أردوغان مجاراتها في موقفها العدائي من الرئيس السوداني البشير، ولا
يضير تركيا أن يغضب الإسرائيليون وأنصارهم في الغرب عندما تعلن أنقرة رسميا وبقوة
إدانة الجرائم الحربية والجرائم ضد الإنسانية من جانب المسئولين الإسرائيليين، من
قبل أن يتم تثبيتها دوليا عبر تقرير جولدستون.
عقبات دولية وأخرى إقليمية يمكن
للسياسة الإقليمية التركية أن تحقق الكثير من الميزات لدول المنطقة جميعا ولقضاياها
الأساسية، وصحيح أن الدول الغربية تضع في وجه تركيا العقبات، ولكنها استطاعت حتى
الآن أن تستخدم لغة "المصالح" في تجاوز هذه العقبات، ففي نطاق العلاقات الحالية مع
واشنطن مثلا، تدرك الدولة الأمريكية حاجتها إلى تركيا بموقعها المتميز شمال العراق،
عندما يبدأ تنفيذ سحب قوات الاحتلال منه، وفي نطاق العلاقات مع الدول الأوروبية،
تدرك الأخيرة أهمية الموقع التركي في تخفيف الارتباط الطاغي بمصدر الغاز الروسي وما
تتعرض أنابيب نقله إلى الأراضي الأوروبية من أزمات متتابعة، كما أن الحكومة
الإسرائيلية نفسها تدرك مدى خطورة أن يتحول الخلاف المتنامي مع تركيا، إلى قطيعة
كاملة، بعد أن كانت تعتمد على العلاقات بالحكومات التركية السابقة في تنفيذ كثير من
مخططات الهيمنة الإقليمية بدعم أمريكي وأوروبي.