كنا قد تطرقنا في الحلقة السابقة إلى أن تكاليف
الهاتف والنقل والطاقة الكهربائية أو السفر لأغراض تخص المعاملات الاقتصادية تشكل
حينما تكون مرتفعة عبئاً يقلل من قدرة الاقتصاد الأوروبي على مواجهة المنافسة
العالمية، أضف إلى هذا أن المستهلكين من الأهالي يدفعون أيضاً أسعاراً مرتفعة لما
تقدمه لهم الاحتكاريات، وأنهم كثيراً ما يتذمرون من سوء إنجاز هذه الخدمات، كما
أشرنا إلى أنه حين يكون هناك ملايين
كثيرة من المواطنين مهمشة يصبح التحرير الاقتصادي طيشاً سياسياً وعلى الرغم من هذا
تتمسك غالبية الحكومات بهذا التوجه وذلك لأن خبراءها يؤكدون لها في كل يوم إيماناً
منهم بالنظرية الليبرالية المحدثة بأن تخفيض التكاليف سيمكن مشروعات التقنية
العالية والخدمات من خلق فرص عمل جديدة وأكثر جدارة.
غير أن المعجزة لم تتحقق
أبداً ولن يختلف الأمر ههنا بالنسبة إلى صناعة الاتصالات أيضاً التي تكثر الإشادة
بها في هذا السياق حيث يزعم أن خصخصة شركة الاتصالات الألمانية ستعيد طريق نجاحها
فما يتنبأ به المرء من ازدهار سيعم بفعل خفض التكاليف الشركات المختصة بتقديم خدمات
الربط الإلكتروني سيكون برنامجها لضياع فرص عمل لا غير إذ كلما توسع الزبائن أكثر
في استخدام شبكات الربط الإلكتروني لإنجاز معاملاتهم المصرفية وحجوزاتهم للسفر
ومشترياتهم المختلفة كانت فرص العمل لدى المصارف وشركات التأمين ومكاتب السفر
وتجارة المفرد أقل من ناحية أخرى ليس ثمة شيء يبشر بأن الخسارة في فرص العمل سيتم
تعويضها من خلال الازدهار الذي سيعم مقدمي الخدمات المتعلقة بنظم المعلومات
الإلكترونية أعني منتجي برامج وأجهزة الكمبيوتر التي تربط عبر الأسلاك عالم
المستقبل، فألمانيا وأوروبا تتوافر لهما للأسف بما لديهما من إمكانات محدودة وكثيفة
العمل في صناعة الربط الإلكتروني قوة تنافسية ضعيفة كما تقول الشركة الاستشارية
رولاند برمر المملوكة من قبل المصرف الألماني متوصلة إلى نتيجة مفادها أن من الأفضل
للسياسة إلا تعتد كثيراً ببزوغ عصر المعلومات.
وهكذا تمضي إستراتيجية التحرير
الاقتصادي بعملية رفع الجدارة إلى حد يدمر الذات ومع هذا تطالب الغالبية العظمى من
الخبراء لدى المؤسسات الرائدة في الاقتصاد العالمي سواء كانوا يعملون في منظمة
التنمية والتعاون الاقتصادي أو لدى البنك الدولي أو لدى صندوق النقد الدولي بضرورة
المضي قدماً في عملية التكامل على المستوى العالمي.
حقاً لقد أثبتت المشاكل
المتعاظمة في الدول المتقدمة بطلان مزاعمهم المتفائلة إلا أن هؤلاء الخبراء يصرون
بالإجماع على إزالة الحدود وأمام السوق تعبد الطريق أمام الثالث على أدنى تقدير
للخروج من مأزق الفقر والتخلف، فالعولمة تحسن من فرص البلدان النامية للحاق
اقتصادياً بركب البلدان الصناعية.
كما كتب إريش جوندلاخ وبيتر نونتكابم:
الباحثان لدى "معهد كيل للاقتصاد العالمي" الذي هو بمنزلة قلعة علمية تؤوي
الليبراليين المحدثين في ألمانيا ومن ناحيتها أكدت صحيفة فرنك فرتر وهي الصحيفة
التي تشكل رأس الحرية في الجهاد من أجل تحرير رأس المال على أنه "من خلال العولمة
فقط سيكون بوسع ستة مليارات مواطن في العالم المشاركة في تلك الانتصارات التي لم
ينعم بها حتى الثمانينيات سوى ستمائة مليون مواطن في البلدان الصناعية القديمة لا
غير" إنه هدف نبيل بلا شك ولكن هل سيتحقق هذا الهدف فعلاً ؟ هل سيذهب ما يخسره
الشمال من رفاهية إلى فقراء الجنوب حقاً؟ أكاذيب ترضي الضمير أسطورة الميزة على
استقطاب الاستثمارات وخرافة العولمة العادلة جلس كالأخرس وقد طوى ذراعية بين ساقيه
وزم شفتيه وما كان المكسيكي جيزوس كونسلتز قد فكر في أن قدره سيقوده في يوم من
الأيام إلى هذا المكان فقد بذل قصارى جهده ليصبح عاملاً فنياً مختصاً بالكهرباء
الأمر الذي مكنه من أن يحصل على فرصة عمل في صناعة السيارات المزدهرة هذه الصناعة
التي كانت القلوب تهفو إليها بسبب ما كانت تدفعه من أجر جيد وما تقدمه من أمان
وظيفي فمصنعه كان ينتج مخفضات الصدمات للدراجات التجارية وللجرارات المكسيكية
وبتالي لم يكن هناك شيء ينذر بالخطر إلا أن كل شيء انهار بالفعل في البداية انهارت
العملة ومن ثم التجارة وأخيراً الاقتصاد برمته وعصفت الزوبعة بشركته أيضاً فأعلنت
الإفلاس فخسر رب الأسرة البالغ من العمر ثلاثين عاماً فرصة عمله وراح يجلس على رصيف
الشارع الشهير في قلب العاصمة المكسيكية وكله أمل في أن يحصل على عمل يومي من حين
إلى آخر على أفضل حال إذ إنه فقد الأمل كلياً في أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه
في الأيام السالفة.
إن القدر الذي عصف ب Jesus Gonza lez حالة عادية في مكسيك
عام 1996 فنصف السكان المكسيكيين في سن العمل إما عاطلون عن العمل أو يعملون بأجر
يومي من آن لآخر لا غير ومنذ عام ونصف العام انخفض نصيب الفرد الواحد من الناتج
القومي وتسود البلد الاضطرابات السياسية والإضرابات العمالية والتمردات الفلاحية
وأن كانت الحكومة وخبراؤها الأمريكيون قد أرادوا للبلد الازدهار والاستقرار فعلى
مدى عشر سنوات نفذ ثلاثة رؤساء مختلفين للجمهوريين مقترحات البنك الدولي وصندوق
النقد الدولي والحكومة الأمريكية تنفيذاً تاماً فقد خصخصوا الجزء الأعظم من
المؤسسات الصناعية وألغوا كل العوائق من طريق المستثمرين الأجانب وألغوا الضرائب
الجمركية على الواردات وفتحوا أبواب البلد على مصاريعها للنظام المالي الدولي وذهبت
المكسيك إلى أبعد من هذا إذ عقدت في عام 1993 مع الولايات المتحدة الأمريكية وكندا
اتفاقية ترمي إلى تأسيس منطقة التجارة الحرة المسماة "النافتا" التي يتعين بموجبها
أن تتكامل المكسيك في غضون عشر سنوات مع سوق أمريكا الشمالية كلية وكان الليبراليون
المحدثون في كل أنحاء العالم قد عثروا في المكسيك على تلميذهم المثالي بقبول
المكسيك عضواً في منطقة التنمية والتعاون الاقتصادي كافأ نادي البلدان الغنية في
عام 1994 التوجه المكسيكي المثالي كما يزعم.
وللوهلة الأولى بدأ البرنامج يبشر
بالخير فعلاً فالعديد من المؤسسات متعدية الجنسية شيدت هناك مصانع أو وسعت ما كانت
قد شيدته كما ارتفعت الصادرات بمقدار ستة في المائة في السنة وتراجعت المديونية
وشهدت المكسيك تنامي الطبقة الوسطى.
الهاتف والنقل والطاقة الكهربائية أو السفر لأغراض تخص المعاملات الاقتصادية تشكل
حينما تكون مرتفعة عبئاً يقلل من قدرة الاقتصاد الأوروبي على مواجهة المنافسة
العالمية، أضف إلى هذا أن المستهلكين من الأهالي يدفعون أيضاً أسعاراً مرتفعة لما
تقدمه لهم الاحتكاريات، وأنهم كثيراً ما يتذمرون من سوء إنجاز هذه الخدمات، كما
أشرنا إلى أنه حين يكون هناك ملايين
كثيرة من المواطنين مهمشة يصبح التحرير الاقتصادي طيشاً سياسياً وعلى الرغم من هذا
تتمسك غالبية الحكومات بهذا التوجه وذلك لأن خبراءها يؤكدون لها في كل يوم إيماناً
منهم بالنظرية الليبرالية المحدثة بأن تخفيض التكاليف سيمكن مشروعات التقنية
العالية والخدمات من خلق فرص عمل جديدة وأكثر جدارة.
غير أن المعجزة لم تتحقق
أبداً ولن يختلف الأمر ههنا بالنسبة إلى صناعة الاتصالات أيضاً التي تكثر الإشادة
بها في هذا السياق حيث يزعم أن خصخصة شركة الاتصالات الألمانية ستعيد طريق نجاحها
فما يتنبأ به المرء من ازدهار سيعم بفعل خفض التكاليف الشركات المختصة بتقديم خدمات
الربط الإلكتروني سيكون برنامجها لضياع فرص عمل لا غير إذ كلما توسع الزبائن أكثر
في استخدام شبكات الربط الإلكتروني لإنجاز معاملاتهم المصرفية وحجوزاتهم للسفر
ومشترياتهم المختلفة كانت فرص العمل لدى المصارف وشركات التأمين ومكاتب السفر
وتجارة المفرد أقل من ناحية أخرى ليس ثمة شيء يبشر بأن الخسارة في فرص العمل سيتم
تعويضها من خلال الازدهار الذي سيعم مقدمي الخدمات المتعلقة بنظم المعلومات
الإلكترونية أعني منتجي برامج وأجهزة الكمبيوتر التي تربط عبر الأسلاك عالم
المستقبل، فألمانيا وأوروبا تتوافر لهما للأسف بما لديهما من إمكانات محدودة وكثيفة
العمل في صناعة الربط الإلكتروني قوة تنافسية ضعيفة كما تقول الشركة الاستشارية
رولاند برمر المملوكة من قبل المصرف الألماني متوصلة إلى نتيجة مفادها أن من الأفضل
للسياسة إلا تعتد كثيراً ببزوغ عصر المعلومات.
وهكذا تمضي إستراتيجية التحرير
الاقتصادي بعملية رفع الجدارة إلى حد يدمر الذات ومع هذا تطالب الغالبية العظمى من
الخبراء لدى المؤسسات الرائدة في الاقتصاد العالمي سواء كانوا يعملون في منظمة
التنمية والتعاون الاقتصادي أو لدى البنك الدولي أو لدى صندوق النقد الدولي بضرورة
المضي قدماً في عملية التكامل على المستوى العالمي.
حقاً لقد أثبتت المشاكل
المتعاظمة في الدول المتقدمة بطلان مزاعمهم المتفائلة إلا أن هؤلاء الخبراء يصرون
بالإجماع على إزالة الحدود وأمام السوق تعبد الطريق أمام الثالث على أدنى تقدير
للخروج من مأزق الفقر والتخلف، فالعولمة تحسن من فرص البلدان النامية للحاق
اقتصادياً بركب البلدان الصناعية.
كما كتب إريش جوندلاخ وبيتر نونتكابم:
الباحثان لدى "معهد كيل للاقتصاد العالمي" الذي هو بمنزلة قلعة علمية تؤوي
الليبراليين المحدثين في ألمانيا ومن ناحيتها أكدت صحيفة فرنك فرتر وهي الصحيفة
التي تشكل رأس الحرية في الجهاد من أجل تحرير رأس المال على أنه "من خلال العولمة
فقط سيكون بوسع ستة مليارات مواطن في العالم المشاركة في تلك الانتصارات التي لم
ينعم بها حتى الثمانينيات سوى ستمائة مليون مواطن في البلدان الصناعية القديمة لا
غير" إنه هدف نبيل بلا شك ولكن هل سيتحقق هذا الهدف فعلاً ؟ هل سيذهب ما يخسره
الشمال من رفاهية إلى فقراء الجنوب حقاً؟ أكاذيب ترضي الضمير أسطورة الميزة على
استقطاب الاستثمارات وخرافة العولمة العادلة جلس كالأخرس وقد طوى ذراعية بين ساقيه
وزم شفتيه وما كان المكسيكي جيزوس كونسلتز قد فكر في أن قدره سيقوده في يوم من
الأيام إلى هذا المكان فقد بذل قصارى جهده ليصبح عاملاً فنياً مختصاً بالكهرباء
الأمر الذي مكنه من أن يحصل على فرصة عمل في صناعة السيارات المزدهرة هذه الصناعة
التي كانت القلوب تهفو إليها بسبب ما كانت تدفعه من أجر جيد وما تقدمه من أمان
وظيفي فمصنعه كان ينتج مخفضات الصدمات للدراجات التجارية وللجرارات المكسيكية
وبتالي لم يكن هناك شيء ينذر بالخطر إلا أن كل شيء انهار بالفعل في البداية انهارت
العملة ومن ثم التجارة وأخيراً الاقتصاد برمته وعصفت الزوبعة بشركته أيضاً فأعلنت
الإفلاس فخسر رب الأسرة البالغ من العمر ثلاثين عاماً فرصة عمله وراح يجلس على رصيف
الشارع الشهير في قلب العاصمة المكسيكية وكله أمل في أن يحصل على عمل يومي من حين
إلى آخر على أفضل حال إذ إنه فقد الأمل كلياً في أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه
في الأيام السالفة.
إن القدر الذي عصف ب Jesus Gonza lez حالة عادية في مكسيك
عام 1996 فنصف السكان المكسيكيين في سن العمل إما عاطلون عن العمل أو يعملون بأجر
يومي من آن لآخر لا غير ومنذ عام ونصف العام انخفض نصيب الفرد الواحد من الناتج
القومي وتسود البلد الاضطرابات السياسية والإضرابات العمالية والتمردات الفلاحية
وأن كانت الحكومة وخبراؤها الأمريكيون قد أرادوا للبلد الازدهار والاستقرار فعلى
مدى عشر سنوات نفذ ثلاثة رؤساء مختلفين للجمهوريين مقترحات البنك الدولي وصندوق
النقد الدولي والحكومة الأمريكية تنفيذاً تاماً فقد خصخصوا الجزء الأعظم من
المؤسسات الصناعية وألغوا كل العوائق من طريق المستثمرين الأجانب وألغوا الضرائب
الجمركية على الواردات وفتحوا أبواب البلد على مصاريعها للنظام المالي الدولي وذهبت
المكسيك إلى أبعد من هذا إذ عقدت في عام 1993 مع الولايات المتحدة الأمريكية وكندا
اتفاقية ترمي إلى تأسيس منطقة التجارة الحرة المسماة "النافتا" التي يتعين بموجبها
أن تتكامل المكسيك في غضون عشر سنوات مع سوق أمريكا الشمالية كلية وكان الليبراليون
المحدثون في كل أنحاء العالم قد عثروا في المكسيك على تلميذهم المثالي بقبول
المكسيك عضواً في منطقة التنمية والتعاون الاقتصادي كافأ نادي البلدان الغنية في
عام 1994 التوجه المكسيكي المثالي كما يزعم.
وللوهلة الأولى بدأ البرنامج يبشر
بالخير فعلاً فالعديد من المؤسسات متعدية الجنسية شيدت هناك مصانع أو وسعت ما كانت
قد شيدته كما ارتفعت الصادرات بمقدار ستة في المائة في السنة وتراجعت المديونية
وشهدت المكسيك تنامي الطبقة الوسطى.