أشرنا في
الحلقة السابقة إلى أن غالبية الحكومات الغربية تتجاهل الأساليب في غزوها للسوق
العالمية وفي سعيها للحصول على حصة في هذا السوق. . وكان رؤساء الحكومات الأوربية
الغربية قد برهنوا على تجاهلهم المتعمد هذا في لقائهم في بانكوك بغية تقوية
العلاقات الاقتصادية المشتركة، ففي الذين كان فيه المتكلمون يتناوبون على ألقاء
الخطابات المشيدة بتفاهم الشعوب، عقد
ممثلو ما يزد على مائة منظمة مركزية مؤتمراً معارضاً لمؤتمرهم أعربوا فيه عن
استنكارهم الظروف العمل غير الإنسانية السائدة في المصانع الآسيوية. .
وفي الوقت
ذاته نصب ما يزيد على شعرة آلاف تايلندي مخيمات أمام مقر رئيس حكومة بلادهم وراحوا
يتظاهرون مستنكرين التوزيع غير العادل لثروة أمتهم وعلى الرغم من هذا لم يتفوه أي
من الضيوف الأوروبيين حتى بكلمة واحدة في هذا الشأن بدلاً من ذلك فضل المستشار
الألماني وكذلك رئيس الوزراء البريطاني في أحاديثهم خلف الكواليس التزلف بحماس لكسب
صفقات كبيرة للمؤسسات التي لا تزال ألمانية أو بريطانية الجنس بالاسم فقط.
ولاشك
في أن تجاهلاً من هذا القبيل يكشف عن موقف خطير النتائج ومشئوم العواقب: فهو يعني
أنه يتعين تأجيل حماية البيئة وصيانة صحة العاملين وتطبيق الديمقراطية والاعتراف
بحقوق الإنسان إلى وقت آخر ما دام هذا التأجيل يخدم الاقتصاد العالمي "إلا أنه لا
يجوز لنا أن نسمح بأن تكون الحكومات التسلطية شرطاً ضرورياً للنجاح
الاقتصادي".
وحتى حكومة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون كانت قد أيدت ظاهرياً هذه
المطالب ففي سياق المباحثات الختامية حول إنشاء المنظمة العالمية للتجارة نادى ممثل
الحكومة الأمريكية بضرورة إدراج بند خاص بالظروف الاجتماعية للعمل وبحماية البيئة
في اتفاقية منظمة التجارة العالمية WTO ولكن سرعان ما جرى الاعتراض على هذا المسعى
ليس من قبل الدول المعنية فحسب بل من قبل دول أخرى أيضاً الأمر الذي زاد الطين بله
فاعتراض الدول المعنية كان بالإمكان كسر طوقه وذلك لأن عدم مشاركتها في اتفاقية
منظمة التجارة العالمية سيكلفها الكثير بالنظر إلى أن الاتفاقية قد ضمنت لها إزالة
الكثير من الرسوم الجمركية الحمائية والعقبات الأخرى الكثيرة التي لا تزال تعيق
صادراتها المشكلة الحقيقية كانت تكمن في أن بلدان الاتحاد الأوروبي باستثناء
فرنسا كانت قد شاركتها في هذا الاعتراض الأمر الذي أحبط كل المساعي وتصدرت قائمة
الحكومات المعترضة الحكومتان الألمانية والبريطانية على وجه الخصوص اللتان "تؤمنان
بحرية التجارة إيمان الأطفال بالخرافات والأساطير" كما علقت ساخرة الصحيفة الفرنسية
لوموند دبلوماتيك وفي الواقع ليست هناك حجة معقولة على بطلان مراعاة الحد الأدنى من
الشرط فالمعايير الرئيسية المقرر من منظمة العمل الدولية من قبيل منع استخدام
الأطفال وتحريم العمل بالإكراه ومعاقبة التمييز العنصري والجنسي هي كلها إلى جانب
التأكيد على حرية العمل النقابي من متممات الاتفاقيات التي صادقت عليها منذ أمد
طويل جميع الدول تقريباً المشاركة في منظمة الأمم المتحدة من هنا فإن التهديد يفرض
عقوبات تجارية لم يكن في واقع الحال سوى العمل على جعل هذه الاتفاقيات نافذة
المفعول وسارية التطبيق ويزعم المعترضون من قبيل وزير الاقتصاد الاتحادي أو
السكرتير العام لمنظمة التجارة العالمية أن مطالبة التجارة العالمية بضرورة مراعاة
المعايير الاجتماعية "يمكن أن يكون منفذاً خلفياً لتسلل سياسة حمائية
محدثة".
وذلك لأنه سيكون بمستطاع البلدان الأكثر ثراء الاحتجاج بالأمور ذات
الطابع الاجتماعي للتخلص من منافسة بلدان النصف الجنوبي من العالم المنتجة بتكاليف
أدنى وعلى نحو مشابه احتج جميع ممثلي الدول النامية في سياق مفاوضات جنيف
أيضاً.
إذ أكدوا أن إدراج الشروط الاجتماعية في اتفاقية منظمة التجارة العالمية
لا يراد منه سوى إبعاد فقراء الجنوب عن المشاركة في الرفاهية
الاقتصادية.
السياسة الحمائية: أهي السياسة التي ستحمي سوق العمل في الدول
المتقدمة؟ تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الكثير من الاقتصاديين الفرنسيين قد
طالبوا بفرض ضرائب جمركية انسجاماً مع التقاليد الحمائية التي كانت بلادهم قد درجت
عليها في سالف الزمن كاقتراح "جيراد لافي" مستشار الحكومة الاقتصادية في باريس فرض
رسم يحد من عمليات الإغراق التي يقوم بها المصدريون الآسيويون إلى السوق المحلية
وبقدر يوازي على أدنى تقدير نسبة التخفيض المعتمد في قيمة عملات البلدان المصدرة
الآسيوية وكان اقتراحه قد ارتأى ألا تذهب الموارد المتحققة من الرسوم الجمركية إلى
المصدرين المعنيين وبعملة أوروبية وذلك لتمكين وارداتهم من أوروبا أملاً في أن يحقق
هذا توازناً أفضل من الموازين التجارية وفي أسعار الصرف ومع أن الاقتراح يبدو
منطقياً ومقبولاً فإن من المشكوك فيه أن يؤدي إلى إغلاق الأسواق في وجه المنافسة
القادمة من بلدان الأجور الزهيدة إلى وقف الضياع المتنامي لفرض العمل في البلدان
المتقدمة.
لا خلاف على أن الاستيراد المتنامي من الشرق والشرق الأقصى قد سبب
خسائر في القطاعات الصناعية الكثيفة العمل البشري ففي الصناعات المنتجة للأحذية
والمنسوجات وكذلك في صناعة الكمبيوتر والأجهزة الدقيقة وما شابه ذلك من هذه
الصناعات ضاعت في كل بلدان المحور الثلاثي أعني أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان
فرص عمل لمصلحة الصاعدين الجدد في الاقتصاد العالمي بلا مراء.
إن هذا التحول هو
أول وأهم سبب في الأزمة السائدة في سوق العمل، إن غالبية المشروعات الألمانية وكذلك
الفرنسية أو اليابانية قد كسبت الكثير من العولمة والمشكلة تكمن في أن الحصة التي
تستقطعها هذه المشروعات من إيراداتها لتنفقها على تشغيل الأيدي العاملة في وطنها
الأم هي في انخفاض مستمر الأمر الذي يعني أن حصة الأجور أي نسبة الأجور والرواتب
إلى الدخل القومي هي التي تتدهور وليس المستوى المعيشي العام.
الحلقة السابقة إلى أن غالبية الحكومات الغربية تتجاهل الأساليب في غزوها للسوق
العالمية وفي سعيها للحصول على حصة في هذا السوق. . وكان رؤساء الحكومات الأوربية
الغربية قد برهنوا على تجاهلهم المتعمد هذا في لقائهم في بانكوك بغية تقوية
العلاقات الاقتصادية المشتركة، ففي الذين كان فيه المتكلمون يتناوبون على ألقاء
الخطابات المشيدة بتفاهم الشعوب، عقد
ممثلو ما يزد على مائة منظمة مركزية مؤتمراً معارضاً لمؤتمرهم أعربوا فيه عن
استنكارهم الظروف العمل غير الإنسانية السائدة في المصانع الآسيوية. .
وفي الوقت
ذاته نصب ما يزيد على شعرة آلاف تايلندي مخيمات أمام مقر رئيس حكومة بلادهم وراحوا
يتظاهرون مستنكرين التوزيع غير العادل لثروة أمتهم وعلى الرغم من هذا لم يتفوه أي
من الضيوف الأوروبيين حتى بكلمة واحدة في هذا الشأن بدلاً من ذلك فضل المستشار
الألماني وكذلك رئيس الوزراء البريطاني في أحاديثهم خلف الكواليس التزلف بحماس لكسب
صفقات كبيرة للمؤسسات التي لا تزال ألمانية أو بريطانية الجنس بالاسم فقط.
ولاشك
في أن تجاهلاً من هذا القبيل يكشف عن موقف خطير النتائج ومشئوم العواقب: فهو يعني
أنه يتعين تأجيل حماية البيئة وصيانة صحة العاملين وتطبيق الديمقراطية والاعتراف
بحقوق الإنسان إلى وقت آخر ما دام هذا التأجيل يخدم الاقتصاد العالمي "إلا أنه لا
يجوز لنا أن نسمح بأن تكون الحكومات التسلطية شرطاً ضرورياً للنجاح
الاقتصادي".
وحتى حكومة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون كانت قد أيدت ظاهرياً هذه
المطالب ففي سياق المباحثات الختامية حول إنشاء المنظمة العالمية للتجارة نادى ممثل
الحكومة الأمريكية بضرورة إدراج بند خاص بالظروف الاجتماعية للعمل وبحماية البيئة
في اتفاقية منظمة التجارة العالمية WTO ولكن سرعان ما جرى الاعتراض على هذا المسعى
ليس من قبل الدول المعنية فحسب بل من قبل دول أخرى أيضاً الأمر الذي زاد الطين بله
فاعتراض الدول المعنية كان بالإمكان كسر طوقه وذلك لأن عدم مشاركتها في اتفاقية
منظمة التجارة العالمية سيكلفها الكثير بالنظر إلى أن الاتفاقية قد ضمنت لها إزالة
الكثير من الرسوم الجمركية الحمائية والعقبات الأخرى الكثيرة التي لا تزال تعيق
صادراتها المشكلة الحقيقية كانت تكمن في أن بلدان الاتحاد الأوروبي باستثناء
فرنسا كانت قد شاركتها في هذا الاعتراض الأمر الذي أحبط كل المساعي وتصدرت قائمة
الحكومات المعترضة الحكومتان الألمانية والبريطانية على وجه الخصوص اللتان "تؤمنان
بحرية التجارة إيمان الأطفال بالخرافات والأساطير" كما علقت ساخرة الصحيفة الفرنسية
لوموند دبلوماتيك وفي الواقع ليست هناك حجة معقولة على بطلان مراعاة الحد الأدنى من
الشرط فالمعايير الرئيسية المقرر من منظمة العمل الدولية من قبيل منع استخدام
الأطفال وتحريم العمل بالإكراه ومعاقبة التمييز العنصري والجنسي هي كلها إلى جانب
التأكيد على حرية العمل النقابي من متممات الاتفاقيات التي صادقت عليها منذ أمد
طويل جميع الدول تقريباً المشاركة في منظمة الأمم المتحدة من هنا فإن التهديد يفرض
عقوبات تجارية لم يكن في واقع الحال سوى العمل على جعل هذه الاتفاقيات نافذة
المفعول وسارية التطبيق ويزعم المعترضون من قبيل وزير الاقتصاد الاتحادي أو
السكرتير العام لمنظمة التجارة العالمية أن مطالبة التجارة العالمية بضرورة مراعاة
المعايير الاجتماعية "يمكن أن يكون منفذاً خلفياً لتسلل سياسة حمائية
محدثة".
وذلك لأنه سيكون بمستطاع البلدان الأكثر ثراء الاحتجاج بالأمور ذات
الطابع الاجتماعي للتخلص من منافسة بلدان النصف الجنوبي من العالم المنتجة بتكاليف
أدنى وعلى نحو مشابه احتج جميع ممثلي الدول النامية في سياق مفاوضات جنيف
أيضاً.
إذ أكدوا أن إدراج الشروط الاجتماعية في اتفاقية منظمة التجارة العالمية
لا يراد منه سوى إبعاد فقراء الجنوب عن المشاركة في الرفاهية
الاقتصادية.
السياسة الحمائية: أهي السياسة التي ستحمي سوق العمل في الدول
المتقدمة؟ تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الكثير من الاقتصاديين الفرنسيين قد
طالبوا بفرض ضرائب جمركية انسجاماً مع التقاليد الحمائية التي كانت بلادهم قد درجت
عليها في سالف الزمن كاقتراح "جيراد لافي" مستشار الحكومة الاقتصادية في باريس فرض
رسم يحد من عمليات الإغراق التي يقوم بها المصدريون الآسيويون إلى السوق المحلية
وبقدر يوازي على أدنى تقدير نسبة التخفيض المعتمد في قيمة عملات البلدان المصدرة
الآسيوية وكان اقتراحه قد ارتأى ألا تذهب الموارد المتحققة من الرسوم الجمركية إلى
المصدرين المعنيين وبعملة أوروبية وذلك لتمكين وارداتهم من أوروبا أملاً في أن يحقق
هذا توازناً أفضل من الموازين التجارية وفي أسعار الصرف ومع أن الاقتراح يبدو
منطقياً ومقبولاً فإن من المشكوك فيه أن يؤدي إلى إغلاق الأسواق في وجه المنافسة
القادمة من بلدان الأجور الزهيدة إلى وقف الضياع المتنامي لفرض العمل في البلدان
المتقدمة.
لا خلاف على أن الاستيراد المتنامي من الشرق والشرق الأقصى قد سبب
خسائر في القطاعات الصناعية الكثيفة العمل البشري ففي الصناعات المنتجة للأحذية
والمنسوجات وكذلك في صناعة الكمبيوتر والأجهزة الدقيقة وما شابه ذلك من هذه
الصناعات ضاعت في كل بلدان المحور الثلاثي أعني أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان
فرص عمل لمصلحة الصاعدين الجدد في الاقتصاد العالمي بلا مراء.
إن هذا التحول هو
أول وأهم سبب في الأزمة السائدة في سوق العمل، إن غالبية المشروعات الألمانية وكذلك
الفرنسية أو اليابانية قد كسبت الكثير من العولمة والمشكلة تكمن في أن الحصة التي
تستقطعها هذه المشروعات من إيراداتها لتنفقها على تشغيل الأيدي العاملة في وطنها
الأم هي في انخفاض مستمر الأمر الذي يعني أن حصة الأجور أي نسبة الأجور والرواتب
إلى الدخل القومي هي التي تتدهور وليس المستوى المعيشي العام.