;

أكــذوبة ضياع القدرة التنافسية .."الحلقة «78» 924

2009-12-22 03:59:27

أشرنا في
الحلقة السابقة إلى أن الخبراء العاملين لدى "IEO" قد كتبوا في إحدى دراساتهم
المقدمة إلى وزارة الاقتصاد في بون: أن معدل نمو متوسط الدخل الحقيقي للعامل الواحد
كان متدنياً على نحو لا مثيل له في باقي الدول"، وأن معدل النمو كان في الولايات
المتحدة فقط على نحو متدن مشابه.


إن البيانات تؤكد صحة المقولة القائلة "بأن
النقابات العمالية الألمانية قد كانت معتدلة في مطالبها كما أنها تؤكد على أن أجر
الساعة المرتفعة وساعات العمل الفعلية القصيرة أمور تبررها الإنتاجية
المتحققة".

لاشك في أنه ليس بوسع
أي بلد أن يصدر إلى مجموع العالم أكثر مما يستورد منه على مدى عشرات السنين من دون
تبعات إذ أن النتيجة الحتمية لهذا التطور تكمن في ارتفاع قيمة المارك الألماني
مقارنة بباقي العملات الأمر الذي يعني أم ما يجبر عليه الألمان في كل جولة من جولات
التفاوض بين النقابات العمالية وأرباب العمل من سلوك حسن معتدل مراع لتكاليف
الإنتاج يحيد باستمرار وبسرعة من خلال انخفاض قيمة العملات الأجنبية التي تحصل
عليها المشروعات من هنا فقد انخفضت الإيرادات التي حققتها الصادرات 1992 لا لشيء
إلا لأن الأزمة في النظام النقدي الأوروبي والسياسة المنتهجة من قبل المصرف المركزي
الأمريكي والرامية إلى خفض قيمة الدولار قد تسببتا في رفع سعر صرف المارك الألماني
وخفض قيمة الدولار وعند أخذ هذه التطورات في جميع البلدان الصناعية في السنين يتضح
بجلاء أن التكاليف قد تطورت في ألمانيا بناء على ما توصل إليه الباحثون في المعهد
الألماني للبحوث الاقتصادي ولذا تساوي اليوم تكاليف الوحدة الواحدة من الإنتاج في
قطاع الصناعة التحولية مثيلتها الأمريكية إلى حد ما كما تؤكد الحسابات التي أجراها
"معهد الاقتصاد الألماني في كولون وهو معهد عادة ما يحابي في توجهاته اتحادات رجال
الأعمال.
بناء على هذه المعطيات لم تكن الحملة التي تشنها أولف هنكل في عام 1995
الرئيس السابق لشركة IBM والرئيس الحالي للاتحاد العام للصناعة الألمانية ضد أجور
العمل المرتفعة في ألمانيا سوى حملة دعائية عارية عن الصحة بكل معنى الكلمة فقد
أشار إلى أن المشروعات الألمانية تستثمر الكثير من مليارات الماركات في الخارج
سنوياً.
وأكد أن هجرة رأس المال تعني هجرة فرص العمل أيضاً وللبرهنة على زعمه
كان هنكل قد قدم الحساب التالي: منذ عام 1981 استثمرت المشروعات والمؤسسات
الألمانية "1580" مليار مارك في الشركات التابعة لها في العالم الخارجي وأن عدد
العاملين في هذه الشركات قد أرتفع في خلال هذه الفترة بمقدار "750" ألفاً.
إلا
أن هذه الحجة واهية أيضاً فإنه لأمر طبيعي أن تنخفض الإيرادات الحكومية من الضرائب
عندما تتنامى البطالة يتكتم المسؤولون عن معالجة العجز المالي تكتماً شديداً وعلى
نحو دؤوب على أنهم هم أيضاً قد عملوا بوعي وإرادة على تخفيض الإيرادات الحكومية،
فسنوياً توزع الحكومة الاتحادية وحكومات المقاطعات بسخاء إعفاءات ضريبية متزايدة
على المشاريع وعلى العاملين لحسابهم الخاص وتغض الطرف سنة بعد أخرى عن النقل
المتزايد للثروات إلى مناطق الواحات الضريبية فعن طريق التخفيضات العديدة التي طرأت
على معدل الضريبية المفروضة على المشروعات وبسبب الكرم الذي حظيت به المشروعات في
احتساب الانتشار في رأس المال انخفض العبء الضريبي المفروض على أرباح المشروعات في
الفترة الواقعة بين عام 1990 وعام 1995 من 33 في المائة إلى 26 في المائة، الأمر
الذي حتم أن تنخفض إيرادات ما تجنيه الحكومة من هذه العوائد بمقدار 40 في
المائة.
كسر طوق التردي إن ما تنطوي عليه الرغبة في زيادة القوة التنافسية
الألمانية من تناقضات برهان على الخطأ الجذري الذي ترتكبه تلك السياسة التي تجعل من
المنافسة المعولمة هدفاً في حد ذاته: فهي تتجاهل بهذا النظرة المستقبلية، فالتسابق
غير المحدود على زيادة الحصة في الأسواق العالمية للسلع والعمل بفقد العمل البشري
قيمته على نحو متسارع ويبدو في منظور الغالبية العظمى كما لو كان سباقاً بين "أرنب
وقنفذ" فدائماً ثمة منافسة زهيدة الثمن وإذا لم يكن له وجود اليوم فهو سيكون
موجوداً في القريب بكل تأكيد فإن من يكيف نفسه إنما يجبر أطرافاً أخرى على التكيف
من جديد فاتحاً بذلك الأبواب على مصاريعها لأن يكون هو نفسه في القريب مجبراً تكييف
آخر ومعنى هذا هو أن غالبية العمال لا يمكن أن يخرجوا من هذه اللعبة إلا وهم خاسرون
مهما بذلوا من العاملين ذوي المهارات العالية ستحقق ما تتوخاه من مكاسب ولن يزيد
عدد هذه القلة على خمس السكان في البلدان الصناعية القديمة وحتى أولئك المدافعين عن
الليبرالية الاقتصادية بحكم المهنة كالاقتصاديين العاملين لدى منظمة التنمية
والتعاون الاقتصادي في باريس لم يعودوا قادرين على نكران هذا التطور باتجاه مجتمع
الخمس الثري وأربعة الأخماس الفقير.
فمن دون آثار سلبية على الاقتصاد فإنه في
الإمكان فرض ضريبة زيادة في كلفة العمل البشري وستحقق الدولة إيرادات أكثر فيما لو
منعت نقل الثروات إلى الواحات الضريبية الممتدة من "لشتنشتاين" إلى جزر القنال
الإنجليزية، ولا ريب في أن إصلاحاً ضريبياً من هذا القبيل سيكسر طوق إعادة التوزيع
من الأسفل نحو الأعلى.
إن الاعتراض على مثل هذه الاقتراحات واضح بجلاء فبسبب
التورط في الاقتصاد المعلوم لم تعد الدول القومية ودول الشمال الفنية على أدنى
تقدير قادرة على النهوض بمثل هذه الإصلاحات الجذرية.
من هنا فإن استعادة الإدارة
السياسية أعني استعادة أولوية السياسة على الاقتصاد هي المهمة المستقبلية الأساسية
فقد صار جلياً الآن استحالة الاستمرار في السير على هدي التوجه السائد الآن ولا
طائل من انتظار ما ستقدمه الأسواق والشركات العابرة للقارات من حلول لمواجهة القوة
التدميرية الآتية من أولئك الذين سيدفعهم التهميش والخسران إلى التطرف، فلا الأسواق
ولا الشركات العابرة للقارات لديها الحلول لمواجهة هذه المخاطر.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

محمد المياحي

2024-09-21 22:40:48

عن سبتمبر

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد