الهلالي
بمكانة خاصة في مجتمعاتهم ولهم مميزات وتسهيلات يستطيعون من خلالها الحصول على
المعلومة وإيصالها إلى المتلقي بكل سهولة ودون أي منغصات ، وحتى عندما يتم مضايقة
الإعلامي من قبل أي فرد أو جهة معينة فإن رجال الأمن يهرعون لحمايته فيصنعون
بأجسادهم دروعاً بشرية كي لا يصاب بأي مكروه ، وإن وجدت حادثة تم فيها الإساءة أو
الإضرار بأحد الإعلاميين ونادراً ما تكون فإنها تقوم لها الدنيا ولا تقعد
.
أما بالنسبة لبلادنا فالوضع
مختلف تماماً، فهناك ثمة عداء متجذر بين بعض رجال الأمن والصحفيين لم نستطع فهمه
ولم تحاول وزارة الداخلية بجلالة قدرها أن تنورنا بالأسباب الرئيسية التي تقف خلف
هذا العداء ولم نرَ محاسبة جادة لمن يعترضون طريق الإعلاميين دون أدنى مبرر قانوني
.
أنا هنا لن أتحدث عن الاختطافات التي حدثت لبعض الصحفيين ولا عن الضرب الذي
طال عدداً من زملاء الحرف ممن يصنفهم النظام بالكتّاب المعارضين، غير أني سأضع بين
يدي معالي وزير الداخلية اللواء/مطهر رشاد المصري قصة ظريفة وعجيبة حصلت لي أنا ذلك
المصنف من البعض بالكاتب السلطوي أو ضمن قائمة المطبلين للنظام كما يصطلح بعض
الأخوة أعضاء منتدى المجلس اليمني.
فأثناء عودتي يوم أمس الماضي من مدينة
الحديدة وبعد أن تنسمت عبير مدينة صنعاء العاطر كانت عيناي تطلان من شرفة جبل صباحة
على المباني والشوارع التي ارتدت حلة ذهبية تسحر العين وتأسر القلوب وتداعب الفراغ
الذي يقف بين عناء السفر الطويل واستراحة الروح المرتمية بين أحضان مدينة سام ،
وقبل أن أطأ بسيارتي أرض مدينتي التي أعشقها حد الجنون ، كانت تقف على أحد أبوابها
الغربية نقطة تفتيش أمنية كما هو الحال هذه الأيام ، و أثناء تواجدي على مسافة
قريبة من النقطة كان الجنود قد اتجهوا نحوي بعد أن لمحت أعينهم السيارة خالية من
اللوحة المعدنية ، وبعد أن بدأتهم بالسلام طلب مني أحدهم أوراق السيارة ، كنت أحمل
البيان الجمركي لأنها خارجة للتو من جمارك الحديدة بعد أن أتت إلى اليمن قادمة من
بلاد ما وراء المحيط وليس مما وراء النهر. . !! كذلك طلب مني البطاقة الشخصية
. .
لم أكن أحملها بل كانت بحوزتي بطاقة العمل والتي تتوسطها صفة صحفي ، كان كاتب
البطاقة قد شغفه حب هذه المهنة فكتبها بخط عريض وأرواها بمشاعره المهرقة حد الإسراف
فأصبحت بارزة يراها الأعمى ويسمع صداها من به صمم غير أن المضحك والمبكي في آن هو
أن أحد الجنود أخذها واتجه نحو ماكينة السيارة كيما يطابق رقمها مع رقم القعادة
. . !! أما المذهل والمدهش أكثر فكان عندما نادى قائد الطقم على الجنود بإحضار
الأوراق إليه وبمجرد أن عرف أنني صحفي تناثر "الشخيط والنخيط" من مقدمة رأسه
وتساقطت صرخاته المدوية أرضاً وهو يردد بصوت مرتفع (ادخلوها الحجز. .
معي أوامر
صارمة).
توقفت للحظة وأنا مشدوه مما يحدث. .
سألته بكل ما أوتيت من لطف : ما
هي المخالفة. . ؟ لماذا كل هذا الغضب. . ؟ أنا للتو قادم من ميناء الحديدة وهذه أوراق
الجمارك والوقت الآن تجاوز الثانية صباحاً وغداً سأذهب إلى إدارة المرور كيما أرقم
السيارة. .
كانت هذه الكلمات هي آخر ما أحمله في جعبتي بعد أن تيقنت أن هناك
استقصاداً لأي صحفي وقعت أبصار بعض رجال الأمن على صدر بطاقته. .
كانت النسائم
الزاهية العالقة على أنفي قد فرت بعد أن شردتها صرخات (الفندم) الغاضب الذي حيرني
أسلوبه الصارخ وأذهلتني كمية "الشرر" المتطاير من فيه. .
وهو يكرر مخاطباً الجند
خذوا السيارة وادخلوها الحجز بسرعة نفذوا الأوامر. .
كان الوقت متأخراً والهواتف
مغلقة لم يكن لدي سوى أن أقود السيارة باتجاه قسم حده ومعي ثلاثة من الجند الذين
يظهرون تعاطفهم معي وامتعاضهم من تصرف قائدهم ويبررون لي موقفهم الصامت بأن ليس لهم
حيلة سوى تنفيذ الأوامر.
أدخلت السيارة حوش قسم حده حيث لا وجود إلا لبعض الجند
المحشورين داخل عباءة البرد التي تصارع وحيدة لتحميهم من تلك العواصف الباردة وهي
تهاجم وقوفهم الصامت حد الواجب الوطني.
باتت سيارتي تلك الليلة أسيرة في قبضة
". . . الركن" ذلكم الضابط الذي أفرغ شحنات القات في وجهها بطريقة لا تمت للمهنية
الأمنية بأي صلة قرابة. . !! ولم يحررها من الأسر سوى رجل الأمن المثالي المشهود له
بالكفاءة والنزاهة صاحب القبضة الحديدية للأمن في مديرية السبعين نائب مدير المنطقة
العقيد زيد الشامي بعد أن توجهت إليه بشكوى مما حصل لي ولسيارتي في تلك الليلة
المشئومة.
هكذا يا معالي الوزير يتعامل بعض رجال الأمن مع من تسمونهم السلطة
الرابعة. . !! من المسؤول عن "الشخيط والنخيط" اللذين يوزعهما هؤلاء بين الناس كلما
كانت لهم نوبات في شوارع العاصمة. . ؟ ولماذا لا يتم تأهيلهم حتى تتخلص وزارة
الداخلية ممن يسيئون إلى مجهوداتها وطفراتها الأمنية الملموسة. . ؟ أتمنى أن تجد
أسئلتي طريقها إلى معالي وزير الداخلية اللواء مطهر رشاد المصري الذي نكن له كل
الحب والتقدير ونشيد دائماً بتعامله الحازم مع كل من يقصرون بأداء و اجباتهم
الأمنية أو يتجاوزون المهام الموكلة إليهم ، حتى يتم معالجة مثل هذه القضايا التي
تعكر صفو نجاحات الوزارة.
لك الله يا وطناً يبتسم ومقلتاه يعتصرهما الدمع.