يوسف الكويليت
عام مضى على جريمة إسرائيل في غزة، وبدلاً من أن تكون درساً يحلل الظروف العربية والفلسطينية تحديداً، جاءت بما هو أسوأ، حصار، وجوع، وعجز في إعمار ما هدمته الحرب، وفوق ذلك كله خلاف عجزت كل المحاولات عن إنهائه، وهي الصيغة المعاشة للوضع العربي العام..
كان من المفترض أن يكون النضج السياسي الفلسطيني هو الأكثر تعاملاً مع قضيته لأن آلامَ وحروب وقتلى وتضحيات نصف قرن مع عدو يجدد وسائل حروبه وقمعه كان لابد من إيجاد أكثر من صيغة لمجابهتها مثل أي كفاح وطني لأي منظمة أو دولة في العالم بحيث تتغير الاستراتيجيات وتوجَد البدائل وفقاً لكل حالة، وهذا ما لا تتبعه القيادات الفلسطينية مستفيدة من تجربة الجزائر، وفيتنام وغيرهما، وكيف أن درس العدو المقابل ، وتحليل مصادر قوته وضعفه هما هدف لكل حركة..
صحيح أن الموارد الفلسطينية لا تفي بالغرض، لكن لا يمكن القول إن الدعم العربي كان متوارياً، أو حتى شحيحاً، ثم إن الغطاء الإسلامي الذي يتعاطف ويؤيد ظل داعماً أيضاً لكن ما أمات الحماس عند كل من عاش القضية وأحداثها، هو العجز عن تفسير حالة الانقسام والذهاب بعيداً إلى تبعيات إقليمية ودولية لم تخدم القضية التي كان من المفترض حيادها أمام كل ما له علاقة بصراعات جانبية بعيدة عن خدمة الشأن الفلسطيني..
عربياً لا يحتاج الإنسان إلى مفسّر للأحلام أو قارئ للكف وهو أمام مشهد عجيب وغريب، فكل عام يأتي بمسلسل أسوأ مما قبله، وصارت الحروب التي تطحن الوطن العربي تقليداً عاماً حتى إننا نرى كيف أصبحت العائلة الواحدة منقسمة على نفسها، وفي هذه الأجواء استطاعت إسرائيل أن تمرر أهدافها وتحصل على تأييد دولي، لأن غياب الهيبة العربية أضعف الجانب الذي يتحرك، ولو دبلوماسياً، في الحالة العربية..
إسرائيل كسبت من اعتدائها على غزة القتل والتدمير، لكنها ضاعفت في إيقاظ الضمير الدولي، إذ لأول مرة يصدر قرار من الأمم المتحدة يدين جرائم حرب إسرائيل، كما ولأول مرة في العصر الحديث تتضاعف مخاوف مَن خططوا للحرب ، أو قاموا بها من السفر خارجياً خشية الملاحقات القانونية، ولم تعد الحروب فقط إرادة صاحب القوة، لأن معيار التقويم لم يعد في يد الحكومات عندما تنطلق الشعوب في تظاهراتها وإدانتها لأي عمل إجرامي، وبالتأكيد فإن الأضرار التي جلبها الاعتداء على غزة لم تكن بلا ثمن معنوي، وعلى المستوى العالميه كله..
ثم ماذا لو ترافق هذا التعاطف الدولي بإدانة وملاحقة زعماء الحرب في إسرائيل مع موقف عربي، وإسلامي ضاغط ومتسلح بالعديد من وسائل القوة المادية والسياسية والعسكرية، لربما تغيرت البوصلة وجاء الاتجاه لإرغام إسرائيل على دفع التعويضات ، والمقاطعات وتحويل اعتداءاتها إلى محاكم دولية، لكنهم العرب لا يخرجون من هزيمة إلا ويقعون في أخرى..