عادل
درويش
درويش
مرة أخرى تردد اسم «لندنستان» الساخر الذي أطلقه
الأميركيون والفرنسيون على بريطانيا منذ منتصف التسعينات، بعد اتضاح أن عمر الفاروق
عبد المطلب النيجيري الذي أحرق فخذيه وسرواله الداخلي في محاولته إسقاط طائرة ركاب
فوق ديترويت تم برمجته ذهنيا على يد التكفيريين أثناء دراسته في جامعة
لندنية.
كان الأميركيون
والفرنسيون ضاقوا ذرعا - كحال المسؤولين من بلدان الشرق الأوسط - بالساسة
البريطانيين لمنحهم حق اللجوء لكل من ادعى أنه مضطهد في بلده بسبب
معتقداته.
رفضت لندن تسليم المطلوبين للعدالة في أميركا وفرنسا ومصر والأردن
والسعودية أو التحقيق معهم، خاصة أن الجرائم التي أدانتهم فيها محاكم هذه البلدان،
كانت أيضا جرائم في عرف المحاكم الإنجليزية.
فعمر عبد الرحمن الذي رفضت أميركا
تسليمه لمصر في الثمانينات قضت محكمة أميركية بحبسه لضلوعه في مؤامرة انفجار مركز
التجارة العالمية الأول عام 1993.
فلسفة وزارة الداخلية البريطانية (سواء في
الحكومات المحافظة أم العمالية) كانت مضحكة في بساطتها، حيث اعتقدت أن منح
التكفيريين ملجأ آمنا سيجنب بريطانيا شرورهم من منطق أنهم لن يهدموا ملجأهم
الأمين.
ولم تكتف الحكومات البريطانية بإلقاء درس الديمقراطية وحرية الرأي على
أسماع الدبلوماسيين من هذه البلدان فحسب، بل منحت بعض هؤلاء التكفيريين معاشا من
الضمان الاجتماعي «من ضرائب الناس الذين يكدحون ليل نهار كي يدفعوا مصاريف العيش
وتعليم أولادهم»، ومساكن وأحيانا سيارات مجهزة بأحدث المعدات.
فمثلا هناك من عاش
قرابة عقدين «لاجئا» في لندن.
ولأن ثقافة المعاملات هنا هي الثقة والصدق، صدقت
وزارة الداخلية في حكومة مارغريت تاتشر روايته بأن حياته ستكون في خطر في بلده
الأصلي.
عاش ذلك الرجل على الإعانة الاجتماعية، من دون أن يدفع بنسا واحدا
للضرائب أو يعرق في أي عمل.
بل حصل من الشؤون الاجتماعية على سيارة «people
carrier» تتسع لأفراد أسرته، ومزودة بأجهزة قيادة إلكترونية نظرا لأسباب قدمها توضح
أنه يحتاج إلى مواصفات خاصة، بتكلفة 70 ألف جنيه إسترليني (112 ألف دولار) ودفعت
الدولة فواتير البنزين وورشة الصيانة، ومنحته مسكنا ضخما يتسع لأسرته ودفعت إيجاره
الشهري وفواتير الغاز والكهرباء مع صرف إعانة نقدية أسبوعية تكفي للطعام والإنفاق
والملبس، ومجانية التعليم والعلاج وصرف الدواء.
«قارن ذلك بحالة كاتب هذه السطور
الذي دفع ضرائب لأربعين عاما متصلة ومصاريف جامعية لأربعة أولاد ولم أتقاض أية
تعويضات عن إصابتي في العمود الفقري وكنت أملى مقالاتي من سرير المستشفى».
ذلك
الشخص نموذج لعشرات، وربما مئات، من «المجاهدين» التكفيريين كأبو حمزة المصري (وراء
القضبان لثبوت تهمة التآمر للقتل والخطف عليه، ومطلوب للعدالة في أميركا منذ تسع
سنوات ونظرا لوجود ثغرات قانونية لا يزال معطلا مثوله أمام محكمة
أميركية).
إعانات أبو حمزة فاقت ما أنفق على من تحدثنا عنه سلفا لأنه متزوج من
امرأتين (استثناء آخر من القانون الذي يعاقب على تعدد الزوجات) فعدد أفراد أسرته
أكبر.
وكذلك حال أبو قتادة وبقية الأبوات الفتوات على عباد الله.
لم يكن وليس
لأحد منهم عمل محدد، بل إن بعضهم يطلق على نفسه أسماء لا أساس لها.
ولأن بعض
هؤلاء لا عمل لهم يذهبون إليه يوميا، فقد تفرغوا لإطلاق الفتاوى بتكفير من لا
يستلطفونه، وأنشأوا مراكز العبث بعقول الشباب وإفساد أدمغتهم بخزعبلاتهم التكفيرية
وبث سموم الكراهية في عقولهم.
ووجدوا في أمثال الشاب عبد المطلب، وغيره من أصحاب
الأصول الذين يجهلون لغة القرآن العربية، فريسة سهلة يفسرون لهم آيات الذكر حسب هوى
عقولهم الشريرة لتوظيف هؤلاء البسطاء في إبادة من لا يشاركهم آيديولوجيتهم ويعدونهم
بالجنة التي يصفونها كملهى ليلي أو ناد مليء بالمسرات ثمن تذكرة الدخول إليه هو
إزهاق الأرواح بالأحزمة الناسفة والقنابل الانتحارية.
البلية المضحكة التي لا بد
أنها تقض مضاجع من منح مثل هؤلاء حق اللجوء السياسي في الثمانينات، أنه فور اكتشاف
ضلوع من تحدثنا عنه، وعن مصاريفه، في أكثر من مؤامرة إرهابية وتأكده من استدعائه
للمثول أمام القضاء، أسرع بالهرب إلى موطنه (الذي ادعى أنه غير آمن له)، وهو ناشط
في بلاده يلقي دروس الكراهية ويعقد المؤتمرات الصحافية المفتوحة من دون أن يصيبه
مكروه حتى من بيضة فاسدة تلقى في وجهه! اسم اليمن تردد أيضا بادعاء عبد المطلب أنه
تلقى تدريبه فيها وحصل على المتفجرات من خلايا «القاعدة» هناك.
الملاحظ من
التحليل الكيماوي لمتفجرات محاولة تفجير طائرة الركاب فوق مطار ديترويت، أنها هي
نفسها التي استخدمت في محاولة الاعتداء على حياة الأمير محمد بن نايف مساعد وزير
الداخلية السعودي الذي يتولى ملف مكافحة الإرهاب، في الصيف حيث خبأ المعتدي كمية
بسيطة منها في داخل جسمه، بشكل لم يستطع معه أيضا رجال الأمن العثور عليها عند
التفتيش قبل دخوله مجلس الأمير.
الخطر أن يصبح اليمن أفغانستان جديدة وتتحول
لقاعدة لقوى الشر إذا لم تتخذ قوى الخير العالمية مجتمعة إجراءات سريعة لمنع وقوعها
في يد الإرهابيين.
طرد أئمة الشر وإغلاق مراكزهم في بريطانيا لن يكون بالأمر
السهل لبراعتهم في توظيف القوانين البريطانية لصالحهم (ولغباء من يوفرون لهم
المحامين فقط معاداة في أميركا)، لكن وضع اليمن يتطلب عدم إضاعة الوقت.
المطلوب
وضع إمكانيات قوات التحالف الدولية، الأميركية والإقليمية، في المنطقة في حالة تأهب
وتدخل سريع إذا ما احتاجت حكومة اليمن المساعدة، وهي ستحتاجها بالفعل.
فصنعاء
تواجه ثلاثة أخطار داخلية، من الانفصاليين سواء الحوثيون أو الجنوبيون؛ ومن التدخل
الإيراني الذي يريد موطأ قدم في جنوب الجزيرة العربية تنفيذا لأجندة إيرانية قديمة،
ومجموعات تعمل في تهريب السلاح والإجرام منذ أجيال.
على الدبلوماسية العربية
التنسيق لإقناع صنعاء بعدم التباطؤ في طلب المساعدة الدولية لمحاصرة الإرهاب
واجتثاث جذوره، لأن في ذلك أيضا فرصة لا تعوض لمساعدتها عسكريا في إيقاف تغلغل
النفوذ الإيراني، وتعزيز استقرار النظام بدعم اقتصادي مادي يتفهمه العالم لتجديد
البنية التحتية وإيجاد بدائل عن تمويل جهات خارجية للإرهاب، مع الحصول على أحدث
المعدات لمراقبة التسلل واختراق الحدود.
أما التباطؤ، ولو لبضعة أسابيع، في
توفير الدعم الإقليمي والعالمي لليمن في الحرب ضد الإرهاب، فعلى الأرجح سيكون له
عواقب وخيمة ستكون البلدان العربية أول من يدفع ثمنها في مرور الإرهاب المدمر بها
في طريقه للعالم الأوسع.
الشرق الأوسط
الأميركيون والفرنسيون على بريطانيا منذ منتصف التسعينات، بعد اتضاح أن عمر الفاروق
عبد المطلب النيجيري الذي أحرق فخذيه وسرواله الداخلي في محاولته إسقاط طائرة ركاب
فوق ديترويت تم برمجته ذهنيا على يد التكفيريين أثناء دراسته في جامعة
لندنية.
كان الأميركيون
والفرنسيون ضاقوا ذرعا - كحال المسؤولين من بلدان الشرق الأوسط - بالساسة
البريطانيين لمنحهم حق اللجوء لكل من ادعى أنه مضطهد في بلده بسبب
معتقداته.
رفضت لندن تسليم المطلوبين للعدالة في أميركا وفرنسا ومصر والأردن
والسعودية أو التحقيق معهم، خاصة أن الجرائم التي أدانتهم فيها محاكم هذه البلدان،
كانت أيضا جرائم في عرف المحاكم الإنجليزية.
فعمر عبد الرحمن الذي رفضت أميركا
تسليمه لمصر في الثمانينات قضت محكمة أميركية بحبسه لضلوعه في مؤامرة انفجار مركز
التجارة العالمية الأول عام 1993.
فلسفة وزارة الداخلية البريطانية (سواء في
الحكومات المحافظة أم العمالية) كانت مضحكة في بساطتها، حيث اعتقدت أن منح
التكفيريين ملجأ آمنا سيجنب بريطانيا شرورهم من منطق أنهم لن يهدموا ملجأهم
الأمين.
ولم تكتف الحكومات البريطانية بإلقاء درس الديمقراطية وحرية الرأي على
أسماع الدبلوماسيين من هذه البلدان فحسب، بل منحت بعض هؤلاء التكفيريين معاشا من
الضمان الاجتماعي «من ضرائب الناس الذين يكدحون ليل نهار كي يدفعوا مصاريف العيش
وتعليم أولادهم»، ومساكن وأحيانا سيارات مجهزة بأحدث المعدات.
فمثلا هناك من عاش
قرابة عقدين «لاجئا» في لندن.
ولأن ثقافة المعاملات هنا هي الثقة والصدق، صدقت
وزارة الداخلية في حكومة مارغريت تاتشر روايته بأن حياته ستكون في خطر في بلده
الأصلي.
عاش ذلك الرجل على الإعانة الاجتماعية، من دون أن يدفع بنسا واحدا
للضرائب أو يعرق في أي عمل.
بل حصل من الشؤون الاجتماعية على سيارة «people
carrier» تتسع لأفراد أسرته، ومزودة بأجهزة قيادة إلكترونية نظرا لأسباب قدمها توضح
أنه يحتاج إلى مواصفات خاصة، بتكلفة 70 ألف جنيه إسترليني (112 ألف دولار) ودفعت
الدولة فواتير البنزين وورشة الصيانة، ومنحته مسكنا ضخما يتسع لأسرته ودفعت إيجاره
الشهري وفواتير الغاز والكهرباء مع صرف إعانة نقدية أسبوعية تكفي للطعام والإنفاق
والملبس، ومجانية التعليم والعلاج وصرف الدواء.
«قارن ذلك بحالة كاتب هذه السطور
الذي دفع ضرائب لأربعين عاما متصلة ومصاريف جامعية لأربعة أولاد ولم أتقاض أية
تعويضات عن إصابتي في العمود الفقري وكنت أملى مقالاتي من سرير المستشفى».
ذلك
الشخص نموذج لعشرات، وربما مئات، من «المجاهدين» التكفيريين كأبو حمزة المصري (وراء
القضبان لثبوت تهمة التآمر للقتل والخطف عليه، ومطلوب للعدالة في أميركا منذ تسع
سنوات ونظرا لوجود ثغرات قانونية لا يزال معطلا مثوله أمام محكمة
أميركية).
إعانات أبو حمزة فاقت ما أنفق على من تحدثنا عنه سلفا لأنه متزوج من
امرأتين (استثناء آخر من القانون الذي يعاقب على تعدد الزوجات) فعدد أفراد أسرته
أكبر.
وكذلك حال أبو قتادة وبقية الأبوات الفتوات على عباد الله.
لم يكن وليس
لأحد منهم عمل محدد، بل إن بعضهم يطلق على نفسه أسماء لا أساس لها.
ولأن بعض
هؤلاء لا عمل لهم يذهبون إليه يوميا، فقد تفرغوا لإطلاق الفتاوى بتكفير من لا
يستلطفونه، وأنشأوا مراكز العبث بعقول الشباب وإفساد أدمغتهم بخزعبلاتهم التكفيرية
وبث سموم الكراهية في عقولهم.
ووجدوا في أمثال الشاب عبد المطلب، وغيره من أصحاب
الأصول الذين يجهلون لغة القرآن العربية، فريسة سهلة يفسرون لهم آيات الذكر حسب هوى
عقولهم الشريرة لتوظيف هؤلاء البسطاء في إبادة من لا يشاركهم آيديولوجيتهم ويعدونهم
بالجنة التي يصفونها كملهى ليلي أو ناد مليء بالمسرات ثمن تذكرة الدخول إليه هو
إزهاق الأرواح بالأحزمة الناسفة والقنابل الانتحارية.
البلية المضحكة التي لا بد
أنها تقض مضاجع من منح مثل هؤلاء حق اللجوء السياسي في الثمانينات، أنه فور اكتشاف
ضلوع من تحدثنا عنه، وعن مصاريفه، في أكثر من مؤامرة إرهابية وتأكده من استدعائه
للمثول أمام القضاء، أسرع بالهرب إلى موطنه (الذي ادعى أنه غير آمن له)، وهو ناشط
في بلاده يلقي دروس الكراهية ويعقد المؤتمرات الصحافية المفتوحة من دون أن يصيبه
مكروه حتى من بيضة فاسدة تلقى في وجهه! اسم اليمن تردد أيضا بادعاء عبد المطلب أنه
تلقى تدريبه فيها وحصل على المتفجرات من خلايا «القاعدة» هناك.
الملاحظ من
التحليل الكيماوي لمتفجرات محاولة تفجير طائرة الركاب فوق مطار ديترويت، أنها هي
نفسها التي استخدمت في محاولة الاعتداء على حياة الأمير محمد بن نايف مساعد وزير
الداخلية السعودي الذي يتولى ملف مكافحة الإرهاب، في الصيف حيث خبأ المعتدي كمية
بسيطة منها في داخل جسمه، بشكل لم يستطع معه أيضا رجال الأمن العثور عليها عند
التفتيش قبل دخوله مجلس الأمير.
الخطر أن يصبح اليمن أفغانستان جديدة وتتحول
لقاعدة لقوى الشر إذا لم تتخذ قوى الخير العالمية مجتمعة إجراءات سريعة لمنع وقوعها
في يد الإرهابيين.
طرد أئمة الشر وإغلاق مراكزهم في بريطانيا لن يكون بالأمر
السهل لبراعتهم في توظيف القوانين البريطانية لصالحهم (ولغباء من يوفرون لهم
المحامين فقط معاداة في أميركا)، لكن وضع اليمن يتطلب عدم إضاعة الوقت.
المطلوب
وضع إمكانيات قوات التحالف الدولية، الأميركية والإقليمية، في المنطقة في حالة تأهب
وتدخل سريع إذا ما احتاجت حكومة اليمن المساعدة، وهي ستحتاجها بالفعل.
فصنعاء
تواجه ثلاثة أخطار داخلية، من الانفصاليين سواء الحوثيون أو الجنوبيون؛ ومن التدخل
الإيراني الذي يريد موطأ قدم في جنوب الجزيرة العربية تنفيذا لأجندة إيرانية قديمة،
ومجموعات تعمل في تهريب السلاح والإجرام منذ أجيال.
على الدبلوماسية العربية
التنسيق لإقناع صنعاء بعدم التباطؤ في طلب المساعدة الدولية لمحاصرة الإرهاب
واجتثاث جذوره، لأن في ذلك أيضا فرصة لا تعوض لمساعدتها عسكريا في إيقاف تغلغل
النفوذ الإيراني، وتعزيز استقرار النظام بدعم اقتصادي مادي يتفهمه العالم لتجديد
البنية التحتية وإيجاد بدائل عن تمويل جهات خارجية للإرهاب، مع الحصول على أحدث
المعدات لمراقبة التسلل واختراق الحدود.
أما التباطؤ، ولو لبضعة أسابيع، في
توفير الدعم الإقليمي والعالمي لليمن في الحرب ضد الإرهاب، فعلى الأرجح سيكون له
عواقب وخيمة ستكون البلدان العربية أول من يدفع ثمنها في مرور الإرهاب المدمر بها
في طريقه للعالم الأوسع.
الشرق الأوسط