نصر شمالي
من وجهة نظر حفنة الأثرياء التي تقود العالم لم
تعد الحرب حدثاً عابراً مؤقتاً، بل واقعاً ثابتاُ مستمرّاً.
إنّ الحرب ضدّ ما
يسمّونه بالإرهاب، والتي هي في حقيقتها حرب ضدّ جميع الأمم، تبدو مفتوحة على
اللانهاية.
وبغض النظر عن الذرائع الواهية، المتهافتة، التي يردّدها قادة هذه
الحرب، فإنّه لمن الثابت أنّ ميادين القتال تحوّلت إلى مصانع تنتج الموت وتدرّ
أرباحاً هائلة.
لقد أعلنوا قبل
أيام أنّ العراق وضع قدمه على أوّل الطريق القصيرة السريعة التي سوف تجعله، قريباً
جدّاً، ينتج 12 مليون برميل نفط في اليوم الواحد! أي أنّ صناعة الجثث أثبتت جدواها
الفائقة! فهذه النتيجة النفطية من نتائج الحرب لا تستحق إبادة مئات الألوف بل تستحق
إبادة الملايين من العراقيين، إن لم نقل جميعهم! وهاهي الشركات الاحتكارية
الشايلوكية الدولية تتقاطر على العراق تقاطر أسراب الذباب الأزرق على أكوام من
الجثث، وهاهم المغامرون والمحتالون واللصوص من جوّابي الآفاق يخبّون في جنبات
العراق المدمّر، من أقصاه إلى أقصاه، يحصدون ما أنتجته صناعة الموت وتجارة
الجثث.
إنّ الجثث هي السلع التي تنتجها مصانع الحرب والقتل، وإنّ تجارة الجثث هي
الأعظم رواجاً وازدهاراً في هذه المرحلة الأخيرة من مراحل صعود هذا النظام الرّبوي
العالمي الذي تقوده كائنات خبيثة ماكرة، متحجّرة القلوب ومظلمة العقول، بالمعايير
الأخلاقية الإنسانية وليس المادية الشيطانية! إنّها كائنات ليست أهلاً سوى للقتل
وجمع المال بعد أن أصبح القتل أيسر السبل وأسرعها لجمع المال، بعكس قطاعات الصناعة
والتجارة الطبيعية، ولذلك فليس ثمّة ما نستغربه حين نسمع جنرالاتهم يتحدّثون وهم
يفركون أيديهم بسرور عن نجاح عملياتهم في العراق وعن البدء بتكرارها في
أفغانستان.
لقد عاد إلى العراق أولئك الجنرالات والسياسيون، الذين انتهت خدمتهم
الرسمية فيه، بصفتهم تجّاراً هذه المرّة! ومن أحقّ من هؤلاء في جني حصاد ما أنتجته
الجثث العراقية من أموال وهم الذين أسهموا في صناعة هذه الجثث؟ من أحقّ من السفير
زلماي خليل زادة، والجنرال المتقاعد جاي غارنر، والعقيد المتقاعد آدم ساتش، وغيرهم
كثير من أمثالهم؟ إنّهم الآن يتمتّعون بثرواتهم الطائلة في مكاتبهم التجارية
العراقية الفخمة، بينما الجهد العسكري الرئيسي تحوّل إلى الميدان الحربي الأفغاني،
أي إلى مصنع الجثث الأفغاني! في أفغانستان وباكستان، كما في العراق ومن قبله في
البلقان، ينهمك الجنود في استكمال إنشاء مصنع الجثث الجديد، ووضعه على سكة الإنتاج
التي تجلب المال.
إنّ الجنود يقومون بوظائف العمال في المصانع العادية، لكنهم
ينتجون الجثث وليس الألبسة والمأكولات، فالجثة أصبحت سلعة مثل السلع الأخرى
الملبوسة والمأكولة! وهؤلاء الجنود يتعرّضون لإصابات العمل البسيطة والمعيقة
والقاتلة، تماماً مثلهم مثل العمّال العاديين في المصانع العادية.
كذلك هم
يتعرضون لغير الإصابات الجسدية التي تتراوح ما بين العاهة والموت، فهناك أيضاً
الإصابات النفسية التي تتراوح ما بين الاضطرابات الجزئية والجنون التام.
لقد
كتبت الصحف، في ما كتبت وهو كثير، عن ذلك الجندي الأميركي المدعو جيمس براون، الذي
أصيب أثناء العمل في العراق، وعاد إلى وطنه عبر إيطاليا، لكنّه أثناء مروره في
إيطاليا انقضّ في الطريق على عابرة سبيل نيجيرية، واغتصبها بعد أن كبّل يديها
وضربها ضرباً مبرحاً، فهامت على وجهها في شوارع مدينة فيتسنزا الإيطالية بعد أن فشل
في الإجهاز عليها! وقد احتجز براون البالغ من العمر 27 عاماً في سجن عسكري أميركي
في ألمانيا، ومثل أمام المحكمة التي أصدرت بحقّه حكماً مخفّفاً، حيث رأى القضاة أنّ
الجندي يعاني ضعفاً في الإحساس تجاه معاناة الآخرين، وذلك بسبب خدمته في العراق!
لقد اعتبرت المحكمة العراق مسؤولاً عن الجرائم التي يرتكبها الجنود، حيث الجنود
الأميركيين يواجهون عدواً عراقياً غير مرئي يستخدم ضدّهم جميع الوسائل، ويجعل
المواجهة بلا نهاية، الأمر الذي يشكّل ضغوطاً بالغة الشدّة على أعصابهم! هذا ما
قالته المحكمة، مستخلصة أنّ الجندي براون تعرّض لعبء نفسي طويل أضعف إحساسه بأهمّية
حياة الآخرين!وهكذا فإنّ المذنب، الخبيث الشرير، هو العراقي الذي لم يستسلم لصانع
الجثث المنتج الذي يقوم بواجبه الطبيعي.
إنّ العراقيين وغيرهم من أمثالهم هم، من
وجهة نظر الطغاة الدوليين، مجرّد مادة لصناعة الجثث/السلع، لا مشاعر لها ولا روح،
وهي مادة شديدة الخطورة، لكنّ خطورتها مقبولة بسبب مردودها المالي الطائل، ولذلك
فإن تصنيعها يستحقّ المخاطرة والتضحية بأرواح الجنود/العمّال وعقولهم! وبالطبع فإنّ
هؤلاء الجنود يصنّفون أبطالاً ينبغي إظهار التعاطف معهم في إصاباتهم
ومآسيهم.
وبناء على ذلك، فما الذي فعله الجندي براون سوى توهّمه في إيطاليا أنّه
لا يزال على رأس عمله المشروع والمحترم في العراق؟ لقد نسي المسكين نفسه وتابع عمله
خارج المصنع وخارج الدوام الرسمي النظامي!.
العرب أونلاين
تعد الحرب حدثاً عابراً مؤقتاً، بل واقعاً ثابتاُ مستمرّاً.
إنّ الحرب ضدّ ما
يسمّونه بالإرهاب، والتي هي في حقيقتها حرب ضدّ جميع الأمم، تبدو مفتوحة على
اللانهاية.
وبغض النظر عن الذرائع الواهية، المتهافتة، التي يردّدها قادة هذه
الحرب، فإنّه لمن الثابت أنّ ميادين القتال تحوّلت إلى مصانع تنتج الموت وتدرّ
أرباحاً هائلة.
لقد أعلنوا قبل
أيام أنّ العراق وضع قدمه على أوّل الطريق القصيرة السريعة التي سوف تجعله، قريباً
جدّاً، ينتج 12 مليون برميل نفط في اليوم الواحد! أي أنّ صناعة الجثث أثبتت جدواها
الفائقة! فهذه النتيجة النفطية من نتائج الحرب لا تستحق إبادة مئات الألوف بل تستحق
إبادة الملايين من العراقيين، إن لم نقل جميعهم! وهاهي الشركات الاحتكارية
الشايلوكية الدولية تتقاطر على العراق تقاطر أسراب الذباب الأزرق على أكوام من
الجثث، وهاهم المغامرون والمحتالون واللصوص من جوّابي الآفاق يخبّون في جنبات
العراق المدمّر، من أقصاه إلى أقصاه، يحصدون ما أنتجته صناعة الموت وتجارة
الجثث.
إنّ الجثث هي السلع التي تنتجها مصانع الحرب والقتل، وإنّ تجارة الجثث هي
الأعظم رواجاً وازدهاراً في هذه المرحلة الأخيرة من مراحل صعود هذا النظام الرّبوي
العالمي الذي تقوده كائنات خبيثة ماكرة، متحجّرة القلوب ومظلمة العقول، بالمعايير
الأخلاقية الإنسانية وليس المادية الشيطانية! إنّها كائنات ليست أهلاً سوى للقتل
وجمع المال بعد أن أصبح القتل أيسر السبل وأسرعها لجمع المال، بعكس قطاعات الصناعة
والتجارة الطبيعية، ولذلك فليس ثمّة ما نستغربه حين نسمع جنرالاتهم يتحدّثون وهم
يفركون أيديهم بسرور عن نجاح عملياتهم في العراق وعن البدء بتكرارها في
أفغانستان.
لقد عاد إلى العراق أولئك الجنرالات والسياسيون، الذين انتهت خدمتهم
الرسمية فيه، بصفتهم تجّاراً هذه المرّة! ومن أحقّ من هؤلاء في جني حصاد ما أنتجته
الجثث العراقية من أموال وهم الذين أسهموا في صناعة هذه الجثث؟ من أحقّ من السفير
زلماي خليل زادة، والجنرال المتقاعد جاي غارنر، والعقيد المتقاعد آدم ساتش، وغيرهم
كثير من أمثالهم؟ إنّهم الآن يتمتّعون بثرواتهم الطائلة في مكاتبهم التجارية
العراقية الفخمة، بينما الجهد العسكري الرئيسي تحوّل إلى الميدان الحربي الأفغاني،
أي إلى مصنع الجثث الأفغاني! في أفغانستان وباكستان، كما في العراق ومن قبله في
البلقان، ينهمك الجنود في استكمال إنشاء مصنع الجثث الجديد، ووضعه على سكة الإنتاج
التي تجلب المال.
إنّ الجنود يقومون بوظائف العمال في المصانع العادية، لكنهم
ينتجون الجثث وليس الألبسة والمأكولات، فالجثة أصبحت سلعة مثل السلع الأخرى
الملبوسة والمأكولة! وهؤلاء الجنود يتعرّضون لإصابات العمل البسيطة والمعيقة
والقاتلة، تماماً مثلهم مثل العمّال العاديين في المصانع العادية.
كذلك هم
يتعرضون لغير الإصابات الجسدية التي تتراوح ما بين العاهة والموت، فهناك أيضاً
الإصابات النفسية التي تتراوح ما بين الاضطرابات الجزئية والجنون التام.
لقد
كتبت الصحف، في ما كتبت وهو كثير، عن ذلك الجندي الأميركي المدعو جيمس براون، الذي
أصيب أثناء العمل في العراق، وعاد إلى وطنه عبر إيطاليا، لكنّه أثناء مروره في
إيطاليا انقضّ في الطريق على عابرة سبيل نيجيرية، واغتصبها بعد أن كبّل يديها
وضربها ضرباً مبرحاً، فهامت على وجهها في شوارع مدينة فيتسنزا الإيطالية بعد أن فشل
في الإجهاز عليها! وقد احتجز براون البالغ من العمر 27 عاماً في سجن عسكري أميركي
في ألمانيا، ومثل أمام المحكمة التي أصدرت بحقّه حكماً مخفّفاً، حيث رأى القضاة أنّ
الجندي يعاني ضعفاً في الإحساس تجاه معاناة الآخرين، وذلك بسبب خدمته في العراق!
لقد اعتبرت المحكمة العراق مسؤولاً عن الجرائم التي يرتكبها الجنود، حيث الجنود
الأميركيين يواجهون عدواً عراقياً غير مرئي يستخدم ضدّهم جميع الوسائل، ويجعل
المواجهة بلا نهاية، الأمر الذي يشكّل ضغوطاً بالغة الشدّة على أعصابهم! هذا ما
قالته المحكمة، مستخلصة أنّ الجندي براون تعرّض لعبء نفسي طويل أضعف إحساسه بأهمّية
حياة الآخرين!وهكذا فإنّ المذنب، الخبيث الشرير، هو العراقي الذي لم يستسلم لصانع
الجثث المنتج الذي يقوم بواجبه الطبيعي.
إنّ العراقيين وغيرهم من أمثالهم هم، من
وجهة نظر الطغاة الدوليين، مجرّد مادة لصناعة الجثث/السلع، لا مشاعر لها ولا روح،
وهي مادة شديدة الخطورة، لكنّ خطورتها مقبولة بسبب مردودها المالي الطائل، ولذلك
فإن تصنيعها يستحقّ المخاطرة والتضحية بأرواح الجنود/العمّال وعقولهم! وبالطبع فإنّ
هؤلاء الجنود يصنّفون أبطالاً ينبغي إظهار التعاطف معهم في إصاباتهم
ومآسيهم.
وبناء على ذلك، فما الذي فعله الجندي براون سوى توهّمه في إيطاليا أنّه
لا يزال على رأس عمله المشروع والمحترم في العراق؟ لقد نسي المسكين نفسه وتابع عمله
خارج المصنع وخارج الدوام الرسمي النظامي!.
العرب أونلاين