منى فياض
استهان أصدقاء إيران من بروز حركة الرفض القوية
المعارضة لنتائج الانتخابات الايرانية في يونيو (حزيران) الماضي، وسمعنا عشرات
التعليقات لأساتذة وإعلاميين لبنانيين وغيرهم من أتباع إيران، تطمئن نفسها قبل
الرأي العام، أن لا شيء غير طبيعي تحت سماء طهران، وأن الأمور مستتبة لنجاد، وجل ما
هنالك بعض إسقاطات حقودة من قبل المعادين للنظام في إيران.
الآن، صار بعض
المدافعين عن النظام الإسلامي، يرى
أن الأمر يستحق وقفة أمام كرة الثلج المتدحرجة التي تنذر بأن تتحول إلى كرة
نارية.
هل يتطلب الأمر كل هذا الوقت والدم من أجل الاعتراف بواقع إيران المتناقض
والمأزوم والمتفجر، أو بوجود «مشكلة» بين طبقة حاكمة أطاحت بالشاه المستبد، واحتاجت
إلى 30 عاماً فقط لكي تستعيد التاريخ نفسه، على أفظع منه في قمع الشعب الناطقة
باسمه؟ يثير هذا الأمر تساؤلين: ماذا يجري حقاً في أذهان المستبدين الممسكين بزمام
السلطة، عندما يقومون بقمع جماهيرهم وقتلهم والتنكيل بهم بهذا الشكل وعلى الملأ،
على الرغم من كل محاولات التعتيم لمنع نقل أي معلومات، أو أنباء عما يجري، حيث يصل
الأمر إلى تشويش كل أنواع الإرسال، ولماذا يعتقد الحكام المستبدون دائماً أنهم سوف
يكونون شواذ القاعدة، ولن يهزموا، وأنهم سوف يخلدون في السلطة عن طريق استخدام
البطش والقهر؟ ولماذا يعتقدون دائما، وحتى اللحظة الأخيرة، أنهم سينجحون في المكان
الذي فشل فيه غيرهم؟ التساؤل الثاني، ما الذي يمنح بعض نخبنا ومثقفينا القدرة على
قبول القمع والبطش والدفاع عنهما؟ وما الذي يجعلهم يقبلون باستخدام القتل كوسيلة
للحكم، وخصوصا من قبل نظام يقدم نفسه أنموذجاً ومثالاً للحكم الديني، والساعي إلى
تصديره فوق ذلك؟ هذا النظام الذي يمنع العزاء بمنتظري، ويقتل أبناءه في مناسبة
دينية خاصة جداً، أي يوم عاشوراء، يوم استشهاد الإمام الحسين وتضحيته من أجل الحق
والعدل بوجه القيادة الظالمة القاسية! من الملفت أن بعض الغربيين يملكون حساً
وحدساً سويين يسمحان لهم بتوقع ما يحصل تحت أنوفنا، ولا نستطيع أن نراه.
وهذا ما
استطاع الباحث في التاريخ الإيراني استشرافه منذ بداية العام 2008 وقبل الانتخابات
بأشهر في محاضرة قدمها في مركز عصام فارس للندوات، ولايزال في الإمكان الاستفادة من
ملاحظاته على الصعيد السياسي والسوسيولوجي لفهم ما يجري الآن.
اعتبر بداية أن
إيران تحاول تحقيق هدفين متناقضين: الاول ترسيخ ما أتت به ثورة 1979، والثاني أن
تصبح إيران جزءاً من القرن الحادي والعشرين.
والتساؤل الذي يطرحه هو حول إمكانية
انسجام هذين الهدفين دون أن يتصارعا.
ويعتمد على ذلك بالبحث عن جذور تاريخية
توضح الخصوصية الإيرانية.
ففي إيران التاريخية، كانت هناك شريعة مدنية، وليست
دينية.
وجدت شرعة عظيمة لحقوق الانسان منذ أيام قوروش، وهي أول شرعة لحقوق
الإنسان قبل حمورابي الذي ظل لتوجهه لون ديني.
ويعتقد من دون جزم، أن قانون روما
الشهير، هو نسخة عنه.
وهو لذلك يرى أن العامل الذي سيحفظ التماسك الداخلي
الإيراني في رأيه هو عامل الثقافة الإيرانية المتجذرة هذه.
أما عن الديموغرافيا
الإيرانية، فيجد أن أكثر من 50 % إلى ما يقارب ال 60 % من السكان، ولدوا بعد
الثورة.
لذلك هم فئة عمرية مختلفة تماما عن الفئات الأكبر منها سنا.
والنظام
القائم لم يحظ في الواقع بتفويض منها، على رغم محاولاته لتعبئتها
ايديولوجيا.
والشبيبة لم تعد مهتمة بأمور الدين، فالعالم متصل ببعضه البعض
اليوم، بوسائل متعددة، ولم تعد الرقابة قادرة على منع الناس من التواصل مع بعضهم
البعض بوسائل اتصال متعددة.
كذلك النساء في إيران واللواتي يشكلن أكثر من 50 %
بدأن بإظهار أنفسهن.
وبعد إنشاء الجامعات في كل أنحاء البلد، بات هؤلاء بحاجة
إلى وظائف، وهم يريدون أن يتمكنوا بواسطة تعليمهم من الوصول إلى مستوى جدير معين من
الأعمال.
وبدلاً من ذلك يتبع الحكم سياسة السيطرة على السكان منذ بعض
الوقت.
ويجد ريتشارد فراي أن تجميد الوضع في إيران الذي يقوم به النظام، يتناقض
جذريا مع معتقدات الإيرانيين: باب الاجتهاد سوف يبقى مفتوحا. .
قال له رجل دين
آتٍ من الجنوب الإيراني.
إن ترسيخ الثورة يشكل حاجزاً ضد التغيير، وهذا لا يساعد
في حل مشكلات الشبان غير القادرين على الحصول على مكان للعيش ولتأسيس
عائلة.
ويعتمد النظام على بطاقتين مستقلتين من أجل الحفاظ على نفسه في محاولته
تصدير الثورة من جهة، والحفاظ على حال الحصار والخروج بحثاً عن أعداء من جهة
أخرى.
أما تصدير الثورة، فيصطدم بعقبات عدة، وهي أن تكون الثورة ناجحة على
الأقل، بينما نجد أنها تصطدم بواقع إيران المتفجر، والذي يعاني الكثير من المشكلات،
ويعطي المثل على ذلك تعطل الملاحة في طهران في مطلع العام 2008 لثلاثة أيام بسبب
عدم القدرة على إزالة الجليد عن الطائرات.
وكان الأمر مفاجأة لكل زائر
لطهران.
لذلك يحتاج النظام الإيراني الى تجديد مستمر في تعاطيه مع الشباب
الإيراني، فماذا يإمكانهم أن يفعلوا من أجل إبعادهم عن السلوك الاجتماعي الذي تخطى
الثورة؟ وكيف يمكن الحفاظ في عالم اليوم المعولم والممتزج ثقافيا الحفاظ على
الحواجز الاجتماعية التي تعرقل الإبداع في إيران؟ والتحركات الطلابية التي تتوسع
وتطال فئات ومدنا جديدة تشكل الإجابة عن هذا السؤال.
من هنا نجد أن ترسيخ الثورة
يشكل هو نفسه نوعاً من حاجز أمام التغيير.
والخلاصة: إيران محصنة ضد التغيير إلا
ذلك الآتي من الداخل، من الشعب الإيراني.
ويعتقد فراي أن هناك تلمس ايقاع ثورة،
كما عند الفرنسيين والروس: رجل قوي سيستولي على الحكم، لكن النظام
سيستمر.
وسيقتصر الأمر على عودة رجال الدين إلى منازلهم.
ولايزال باب النقاش
والتوقعات مفتوحاً.
أوان الكويتية
المعارضة لنتائج الانتخابات الايرانية في يونيو (حزيران) الماضي، وسمعنا عشرات
التعليقات لأساتذة وإعلاميين لبنانيين وغيرهم من أتباع إيران، تطمئن نفسها قبل
الرأي العام، أن لا شيء غير طبيعي تحت سماء طهران، وأن الأمور مستتبة لنجاد، وجل ما
هنالك بعض إسقاطات حقودة من قبل المعادين للنظام في إيران.
الآن، صار بعض
المدافعين عن النظام الإسلامي، يرى
أن الأمر يستحق وقفة أمام كرة الثلج المتدحرجة التي تنذر بأن تتحول إلى كرة
نارية.
هل يتطلب الأمر كل هذا الوقت والدم من أجل الاعتراف بواقع إيران المتناقض
والمأزوم والمتفجر، أو بوجود «مشكلة» بين طبقة حاكمة أطاحت بالشاه المستبد، واحتاجت
إلى 30 عاماً فقط لكي تستعيد التاريخ نفسه، على أفظع منه في قمع الشعب الناطقة
باسمه؟ يثير هذا الأمر تساؤلين: ماذا يجري حقاً في أذهان المستبدين الممسكين بزمام
السلطة، عندما يقومون بقمع جماهيرهم وقتلهم والتنكيل بهم بهذا الشكل وعلى الملأ،
على الرغم من كل محاولات التعتيم لمنع نقل أي معلومات، أو أنباء عما يجري، حيث يصل
الأمر إلى تشويش كل أنواع الإرسال، ولماذا يعتقد الحكام المستبدون دائماً أنهم سوف
يكونون شواذ القاعدة، ولن يهزموا، وأنهم سوف يخلدون في السلطة عن طريق استخدام
البطش والقهر؟ ولماذا يعتقدون دائما، وحتى اللحظة الأخيرة، أنهم سينجحون في المكان
الذي فشل فيه غيرهم؟ التساؤل الثاني، ما الذي يمنح بعض نخبنا ومثقفينا القدرة على
قبول القمع والبطش والدفاع عنهما؟ وما الذي يجعلهم يقبلون باستخدام القتل كوسيلة
للحكم، وخصوصا من قبل نظام يقدم نفسه أنموذجاً ومثالاً للحكم الديني، والساعي إلى
تصديره فوق ذلك؟ هذا النظام الذي يمنع العزاء بمنتظري، ويقتل أبناءه في مناسبة
دينية خاصة جداً، أي يوم عاشوراء، يوم استشهاد الإمام الحسين وتضحيته من أجل الحق
والعدل بوجه القيادة الظالمة القاسية! من الملفت أن بعض الغربيين يملكون حساً
وحدساً سويين يسمحان لهم بتوقع ما يحصل تحت أنوفنا، ولا نستطيع أن نراه.
وهذا ما
استطاع الباحث في التاريخ الإيراني استشرافه منذ بداية العام 2008 وقبل الانتخابات
بأشهر في محاضرة قدمها في مركز عصام فارس للندوات، ولايزال في الإمكان الاستفادة من
ملاحظاته على الصعيد السياسي والسوسيولوجي لفهم ما يجري الآن.
اعتبر بداية أن
إيران تحاول تحقيق هدفين متناقضين: الاول ترسيخ ما أتت به ثورة 1979، والثاني أن
تصبح إيران جزءاً من القرن الحادي والعشرين.
والتساؤل الذي يطرحه هو حول إمكانية
انسجام هذين الهدفين دون أن يتصارعا.
ويعتمد على ذلك بالبحث عن جذور تاريخية
توضح الخصوصية الإيرانية.
ففي إيران التاريخية، كانت هناك شريعة مدنية، وليست
دينية.
وجدت شرعة عظيمة لحقوق الانسان منذ أيام قوروش، وهي أول شرعة لحقوق
الإنسان قبل حمورابي الذي ظل لتوجهه لون ديني.
ويعتقد من دون جزم، أن قانون روما
الشهير، هو نسخة عنه.
وهو لذلك يرى أن العامل الذي سيحفظ التماسك الداخلي
الإيراني في رأيه هو عامل الثقافة الإيرانية المتجذرة هذه.
أما عن الديموغرافيا
الإيرانية، فيجد أن أكثر من 50 % إلى ما يقارب ال 60 % من السكان، ولدوا بعد
الثورة.
لذلك هم فئة عمرية مختلفة تماما عن الفئات الأكبر منها سنا.
والنظام
القائم لم يحظ في الواقع بتفويض منها، على رغم محاولاته لتعبئتها
ايديولوجيا.
والشبيبة لم تعد مهتمة بأمور الدين، فالعالم متصل ببعضه البعض
اليوم، بوسائل متعددة، ولم تعد الرقابة قادرة على منع الناس من التواصل مع بعضهم
البعض بوسائل اتصال متعددة.
كذلك النساء في إيران واللواتي يشكلن أكثر من 50 %
بدأن بإظهار أنفسهن.
وبعد إنشاء الجامعات في كل أنحاء البلد، بات هؤلاء بحاجة
إلى وظائف، وهم يريدون أن يتمكنوا بواسطة تعليمهم من الوصول إلى مستوى جدير معين من
الأعمال.
وبدلاً من ذلك يتبع الحكم سياسة السيطرة على السكان منذ بعض
الوقت.
ويجد ريتشارد فراي أن تجميد الوضع في إيران الذي يقوم به النظام، يتناقض
جذريا مع معتقدات الإيرانيين: باب الاجتهاد سوف يبقى مفتوحا. .
قال له رجل دين
آتٍ من الجنوب الإيراني.
إن ترسيخ الثورة يشكل حاجزاً ضد التغيير، وهذا لا يساعد
في حل مشكلات الشبان غير القادرين على الحصول على مكان للعيش ولتأسيس
عائلة.
ويعتمد النظام على بطاقتين مستقلتين من أجل الحفاظ على نفسه في محاولته
تصدير الثورة من جهة، والحفاظ على حال الحصار والخروج بحثاً عن أعداء من جهة
أخرى.
أما تصدير الثورة، فيصطدم بعقبات عدة، وهي أن تكون الثورة ناجحة على
الأقل، بينما نجد أنها تصطدم بواقع إيران المتفجر، والذي يعاني الكثير من المشكلات،
ويعطي المثل على ذلك تعطل الملاحة في طهران في مطلع العام 2008 لثلاثة أيام بسبب
عدم القدرة على إزالة الجليد عن الطائرات.
وكان الأمر مفاجأة لكل زائر
لطهران.
لذلك يحتاج النظام الإيراني الى تجديد مستمر في تعاطيه مع الشباب
الإيراني، فماذا يإمكانهم أن يفعلوا من أجل إبعادهم عن السلوك الاجتماعي الذي تخطى
الثورة؟ وكيف يمكن الحفاظ في عالم اليوم المعولم والممتزج ثقافيا الحفاظ على
الحواجز الاجتماعية التي تعرقل الإبداع في إيران؟ والتحركات الطلابية التي تتوسع
وتطال فئات ومدنا جديدة تشكل الإجابة عن هذا السؤال.
من هنا نجد أن ترسيخ الثورة
يشكل هو نفسه نوعاً من حاجز أمام التغيير.
والخلاصة: إيران محصنة ضد التغيير إلا
ذلك الآتي من الداخل، من الشعب الإيراني.
ويعتقد فراي أن هناك تلمس ايقاع ثورة،
كما عند الفرنسيين والروس: رجل قوي سيستولي على الحكم، لكن النظام
سيستمر.
وسيقتصر الأمر على عودة رجال الدين إلى منازلهم.
ولايزال باب النقاش
والتوقعات مفتوحاً.
أوان الكويتية