الأوسط
واختصاصيون بعضهم عايش ولادتها وخرج منها، والبعض الآخر راصدٌ يتابع ويحلل، وهناك
ما يشبه الاتفاق على أنها بدأت تعيش دوراً منحسراً لأنها لا تملك فكراً يؤسس لعمل
مثل الأخوان المسلمين، ولا بعض الحركات التي تناغمت مع تلك الحركة، وبذلك
فالقاعدة التي شهدت قوتها في
أفغانستان بدعم مادي (ولوجستي) من باكستان تأثرت الأخيرة بأن تحولت سلاحاً يجيّش
عناصر إرهابية بدأت تشعر بخطورتها على أمنها الوطني، وقد جاءت المواجهات مع القوات
الأمريكية والمساندة لها لتفرض إعلان حرب من قبل القوات الباكستانية على طالبانها،
وفلول القاعدة..
حالة الترحال الطويلة في البحث عن مأوى يعزز نفوذ وقوة القاعدة
أخذت شكل الخلايا الصغيرة في أكثر من موقع، لكنها لم تعد بنفس القوة في المبادرة
باتخاذ أعمال سريعة وقاتلة، إذ حتى العمليات الفردية لم تعد تملك استراتيجية التخفي
واختيار الأهداف الحساسة، ومن هنا بدأ التركيز على اليمن باعتباره حالة يتداخل فيها
عدم الاستقرار، مما أعطى القاعدة موقعاً تنمو من خلاله وتعلن عن وجودها بشكل علني،
غير أن الضربة التي تلقتها من القوات اليمنية فتح الباب لرؤية عربية وأمريكية،
وأوروبية، بأن لا يُسمح للقاعدة لأنْ تتجذر بموقع جديد، وجاء الدعم لليمن متفقاً مع
الواقع الذي اختارته ليكون موقعاً مؤثراً لها، وتصبح أيضاً مركزاً جاذباً
للمتعاطفين والمؤيدين لها من الصومال، وبالتالي من غير المنطقي فتح حدود البلدين
للتمركز على مساحة كبيرة بحرية وبرية، وذات خصوصية استراتيجية للقاعدة، وأمريكا
التي استفادت من حربها على الإرهاب في باكستان وأفغانستان والعراق عززت الثقة بأن
الدور الدولي مطلوب للتعاون في ضرب هذا الموقع..
لقد انطلقت القاعدة من رؤيتها
أن العالم كله على ضلال، وأن العالم الإسلامي يُحَكم بالطواغيت، وكان انتصار القوات
الأفغانية على السوفيات قد أعطاها تأييداً مطلقاً حتى إن من انخرطوا بالجهاد من
جنسيات عربية وإسلامية، استخدموا كذراع في التنظيم والقيام بعمليات إرهابية،
والعجيب أن تحالفات حدثت مع عناصر شيعية، وحوثية، وهي المفترقة مذهبياً وعلى عداء
تام في حروب العراق بين طرفيْ العلاقة ، نراها تتلاقى أهدافهم خارج مواقع تلك
الحروب حتى إننا لا نجد في نشراتهم أو مواقعهم ما يفيد بحرب إعلامية
بينهم..
اليمن هدف للتواجد والانتشار لأن عجز القاعدة عن أن تتمدد في المملكة
والخليج وبلدان عربية أخرى، أغراها أن تخلق لها موقعاً هناك، وطبيعي أن يحدث لها
مؤيدون لأن طبيعة أي مجتمع مضطرب وفقير، ومتدني التعليم أن تعشعش فيه هذه الخلايا،
ثم إن الصومال الذي صار موقعاً آخر يغذي الدور اليمني خلق مخاوف دولية وإقليمية،
خاصة وأن الدعم للقاعدة لم يعد يعتمد على مؤسسات وأشخاص إذا كانت تقوم بالنيابة دول
تؤكد دعمها وإيواء بعض عناصرها، وبالتالي فاتساع المعارك مع القاعدة على مواقع في
العراق وباكستان، وأفغانستان، يفترض اتخاذ نفس الإجراءات مع اليمن، سواء بدعم
الحكومة المركزية، أو مساعدتها مادياً وعسكرياً وتدريبياً..