الربيعي
بلاد واق الواق أو بلاد العجائب ولكل شيء من اسمه نصيب فهي بلاد العجائب بحق،
وحقيقة تكاد تتميز وتختلف عن سائر بلدان العالم ليس من منطلق مبدأ خالف تعرف وإنما
بفعل كثير من العوامل الثقافية والاجتماعية وربما بفعل الأنظمة السياسية المتعاقبة
التي تكاد تتشابه أحياناً في طريقة الإدارة والأسلوب، المبتاع في تسيير
شؤون الدولة إذ لا فرق بين ماض مستبد
وحاضر مملوءٍ بالفساد فالعبرة بالنتائج إذ أن كليهما يؤديان إلى نفس النتيجة وهي
الضرر بالمصلحة الوطنية وتعزيز جذور الفرقة، والاختلاف وإذا كان العالم يشهد نهضة
غير مسبوقة في مختلف جوانب الحياة الفكرية والثقافية والعلمية والإنتاجية فإن
بلادنا تشهد كبوة في مختلف الجوانب فالتعليم اليوم ومستواه هو أقل مما كان عليه قبل
عشرين عاما والصحة لا يختلف وضعها عن وضع التعليم يذكر بجانب ما هو عليه الحال
اليوم وإذا كان قبل نفس المدة وتتماهى كثير من الحدود والفواصل أمام الدعوة إلى
التوحد كونها تنتج القوة لهذه الكيانات فإننا في بلاد العجائب نشهد واقعا عكس ما هو
عليه العالم تماما من دعوات التفرق والتشرذم تحت دعاوى ومسميات مختلفة تهدف إلى
تمزيق الوطن وإضعافه وإذا كانت الديمقراطية وجدت في العالم كبديل لأنظمة الاستبداد
والدكتاتوريات المختلفة ومتنفس طبيعي للتعبير عن الرأي وبديله ايجابية حلت محل
القمع والكبت والمشاركة المباشرة في الحكم ورسم سياسات الدولة عن طريق الانتخابات
التي وجدت بهدف الوصول بالأكفاء والأفضل والأجدر إلى مراكز صنع القرار عن طريق
التنافس وطرح البرامج والمشاريع والاستراتيجيات الوطنية والرؤى الواضحة والشفافية
المعلنة وما يصاحب ذلك معارضة التي لا تقل وطنية وولاء عمن هم في الحكم بل أنها
تشكل الرقابة الحقيقية للنظام ومدى تنفيذه للبرامج والخطط المطروحة ولكن
للديمقراطية في بلاد العجائب مفهوم آخر ووظائف مختلفة عكس ما هو عليه العالم
فالديمقراطية ابتزاز وتخريب وخروج عن القانون وتعبير عن الرأي الأعوج والسلبي وهي
الشتيمة والسب وانتهاز الفرص وبث الفرقة والمناطقية والفرصة الحقيقية للتحريض
المبتذل واستغلال الغوغاء واستخدام السذج لما يضر بالوطن والمصلحة العامة وليس
العكس.
وبما أننا لسنا صناع الديمقراطية ولا منظريها ولا واضعي قواعدها
استوردناها على غرار ما تستورده بعض المؤسسات في بلادنا من آلات ومكائن هي خردة في
بلدانها يبحثون عن التخلص منها وهي في فواتير مستورديها من مؤسساتنا أنفس السلع
وأغلاها وبالعملة الصعبة تدخل مخازن الكنسل والخردة بمجرد وصولها البلاد ولا يسأل
أحد أو يحاسب عن الأموال التي صرفت ولا لمصلحة من؟ كذلك هي الديمقراطية التي أخذنا
منها الجانب السلبي فقط وبقى الجانب الايجابيين بعيداً عن متناول اليد بل صعب
المنال نظرنا للديمقراطية بشكلها المشوه وصفقنا لها وقبلنا العيوب وتعايشنا معها
وسمحنا لرياحها المسمومة أن تقود وتوجه سفينة الوطن إلى المجهول وتحت صخب التصفيق
لم نميز نوع الرياح إذ ظنناها الرياح والنسائم الهادئة والمبشرة بالخير ولم ندرك
أنها رياح السموم والصرصر التي تدفع السفينة نحو شفير الهاوية وما لم يتوفر ربان
يمتلك الخبرة والشجاعة لإنقاذها فإنها لن تجد لها مرسى إلا قعر الهاوية وعند إذ لا
ينفع الندم.