عبد الله
الأشعل
الأشعل
خلال محرقة غزة تم تسليط الضوء بشكل مكثف على معبر
رفح المصري على أساس أنه هو المنفذ الوحيد لغزة على العالم الخارجي بعد أن أغلقت
إسرائيل المنافذ الستة التي تربط غزة بإسرائيل وذلك في إطار الحصار الشامل الذي
فرضته إسرائيل على غزة ثم المحرقة التي وقعت في الأسبوع الأخير من ديسمبر/كانون
الأول 2008 حتى بداية الأسبوع الثالث من يناير/كانون الثاني 2009، ثم استمرار
الحصار والإغلاق بعد المحرقة.
ورغم وضوح المركز القانوني لمعبر رفح، فإن الموقف الحكومي وإعلامه الرسمي
يصر على أن مصر ملزمة قانونا بإغلاق المعبر، وهو ما أدى إلى إقامة الأنفاق ثم ما
حدث من تداعيات انتهت بقيام مصر ببناء جدار فولاذي أثار الكثير من الجدل حول أثره
السلبي على سكان غزة المحاصرين.
ولما كان الحل هو فتح معبر رفح بل وفتح معابر
أخرى على الجانب المصري لسد احتياجات سكان غزة والاستغناء عن المعابر الإسرائيلية،
فقد رأينا أنه من المناسب أن نلقي الضوء على المركز القانوني لمعبر رفح لكي نخلص
إلى أن مصر لا يمنعها مانع قانوني وخاصة اتفاق المعبر الذي لا يزال يتمسك به
المسؤولون المصريون في كل مناسبة، بل ولكي نؤكد أن مصر ملزمة قانونا بفتح المعبر
لاعتبارات كثيرة لا مجال لكي نوردها حتى لا تطغى على موضوع هذه المقالة التي تركز
على الوضع القانوني لمعبر رفح.
وإذا تم فتح هذا المعبر بترتيبات معينة مع الجانب
الفلسطيني فإنه يمكن لمصر أن تبني ما تشاء من أسوار على الحدود مع غزة لأن النقطة
المحورية التي تتقاطع فيها المواقف هي إنقاذ غزة من الهلاك حيث يبدو لنا أن القضية
الأصلية ليست وضع المعبر من الناحية القانونية ولكن القضية هي الرهان الإسرائيلي
على موقف مصر حتى تتمكن إسرائيل من كسر إرادة سكان غزة إما برفضهم لحماس وإما
باستجابة حماس نفسها للإملاءات الإسرائيلية.
الوثيقة الأساسية التي تحدد قواعد
استخدام معبر رفح هي اتفاق 15 نوفمبر 2005 الموفقة بين إسرائيل والسلطة
الفلسطينية.
وقد بنيت فكرة الاتفاق على أساس أن إسرائيل ظلت تعلن قرابة عام أنها
سوف تسحب قواتها العسكرية ومستوطناتها من غزة, بصرف النظر عن أسباب الانسحاب من
الجانب الإسرائيلي والفلسطيني.
وقررت إسرائيل أن عدم وجودها على معبر رفح سوف
يسهل مرور أسلحة ومعدات حربية للمقاومة الفلسطينية عموما من الجانب المصري, ولذلك
أرادت أن تضمن قيام السلطة والمراقبين الأوروبيين والمنسق الأمني الأميركي ومصر على
الجانب الآخر بما كانت تقوم به إسرائيل من سيطرة مطلقة على المعبر, بالتنسيق مع
مكتب منسق الشؤون العسكرية في الأراضي الفلسطينية الجنرال جلعاد وتحت سمع وبصر
الكاميرات الإسرائيلية.
ولذلك أبرمت إسرائيل مع السلطة هذا الاتفاق حتى يسري بعد
انسحابها في أغسطس 2005.
ولسنا بحاجة إلى استعراض أحكام الاتفاق, إذ تكفي
الإشارة إلى أن هذا الاتفاق قد حددت مدته بعام, وأوكل إلى فريق المراقبين من
الاتحاد الأوروبي مهام الرقابة والإشراف والمساعدة وتقييم دور السلطة بحيث لا يمر
شخص أو بضاعة دون موافقة كاملة من كل هذه الأطراف خاصة الطرف الإسرائيلي الذي يتلقى
مساعدات معلوماتية من الجانب الأميركي والأوروبي لكن يظل القرار بيده.
وينص
الاتفاق صراحة على أن الأمن الإسرائيلي هو البداية والنهاية لهذا الاتفاق, ولكنه لم
يشر إلى الوضع بعد مضى عام على نفاذ الاتفاق مما أدى إلى انتهائه بنصه في نوفمبر
2006.
وما دام أمن إسرائيل هو الأساس الذي يخدمه الاتفاق, فقد نص الاتفاق على
تشكيل عدة لجان للأمن والتنسيق والإشراف والمتابعة تضم في كل الأحوال الأجهزة
الأمنية في إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر.
وأوكل الاتفاق
للطرف الأوروبي في إطار المهام العديدة التي أوكل بها والتي ورد بعضها في الاتفاق
وتضمنتها بالتفصيل مذكرة التفاهم بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي الملحقة بالاتفاق,
أوكل إليه أيضا مراجعة أداء وتصرفات السلطة ومدى التزامها بكل اللوائح والأحكام
المتعلقة باستخدام معبر رفح.
وتشير ملاحظات البنك الدولي في دراسة نشرها في مارس
2007 إلى أن حالات إغلاق معبر رفح تحت إدارة السلطة وبالتنسيق مع الجانب المصري لا
تقارن بحالات الإغلاق المستمرة التي ظلت مرتبطة بإدارة إسرائيل للمعبر قبل إبرام
الاتفاق, كما أشارت الدراسة إلى أنه رغم أن الاتفاق لا يعطي إسرائيل الحق في
السيطرة المباشرة وإغلاق المعبر, فإن إسرائيل كانت تسيطر تماما على عمليات الفتح
والإغلاق للمعبر.
وكانت هذه الدراسة تأمل أن يكون المعبر حلقة الوصل الكاملة بين
أراضي السلطة والموانئ المصرية وقناة السويس إلى العالم العربي والخارجي حتى تتم
تنمية الاقتصاد الفلسطيني.
وأوضحت الدراسة أن إدارة المعبر جعلته من أفضل معابر
الأفراد والبضائع في العالم مما شجع البنك الدولي على الإعلان عن نيته تمويل مشروع
التطوير.
وحتى رغم فوز حماس في انتخابات يناير 2006 وتكليفها بتشكيل الحكومة ثم
حكومة الوحدة الوطنية ثم إدارة حماس لغزة اعتبارا من 14 يونيو/حزيران 2007، فإن
المعبر لم تتغير كفاءة إداراته, وإنما أثير موضوع المعبر مؤخرا عندما استمرت
إسرائيل في حصار غزة وفرض الحظر عليها ثم إحكام الحصار والعدوان وقطع مصادر الطاقة
والغذاء والحياة فاضطر أكثر من نصف مليون من سكان غزة إلى التسلل إلى الأراضي
المصرية عبر الحدود بسبب إغلاق مصر للمعبر من جانبها وفتحه تحت ضغوط المناسبات
وعودة الحجاج الفلسطينيين من السعودية وإصرار إسرائيل على ضرورة عودتهم من معبر كرم
أبو سالم الذي تسيطر عليه إسرائيل حتى تعتقل قيادات حماس عند عبورهم.
كذلك اضطرت
مصر إلى إغلاق المعبر تحت اتهامات إسرائيلية وتوتر عنيف مع مصر واتهام مصر بأن
تهريب الأسلحة وحفر أنفاق يتم عبر الحدود, وضرورة تعاون مصر مع إسرائيل في ضبط
الحدود ثم تدخل الولايات المتحدة وربط استمرار المعونة الأميركية بمدى تعاون مصر مع
إسرائيل.
وهكذا أدت أحداث ديسمبر 2007 ويناير 2008 المتسارعة إلى إبراز قضية
المعبر والتركيز عليه رغم أن المعبر هو اختزال لقضية أكبر وهي المخطط الإسرائيلي
المنسق مع رئاسة السلطة للضغط على سكان غزة حتى يتخلصوا من حماس, بعد أن قررت
إسرائيل أن أي تسوية مع أبو مازن لا بد أن تشمل غزة ودون معارضة من حماس, ولذلك يجب
التخلص من حماس كقوة عسكرية وقوة سياسية تدخل في الحساب, وبينما ظلت قضية المعابر
أكبر مشكلة بين مصر وإسرائيل بعد أن يئست مصر من جمع الطرفين الفلسطينيين على موقف
موحد حتى يتم استبعاد إسرائيل, قررت مصر مؤقتا استمرار العمل باتفاق 2005 والتعاون
مع أبو مازن.
ولما كان ذلك لا يرضي إسرائيل فإن الاتصال مستمر بين مصر وإسرائيل
حتى تمنع مصر أي عبور من حدودها إليها, إزاء تصاعد التهديد الإسرائيلي بأنها سوف
تتولى بنفسها ضبط الحدود بين مصر وغزة, كل ذلك لكي تحرم أهالي غزة من أي منفذ إلى
الحياة حتى تتمكن من تحقيق هدفها, وفي نفس الوقت إبادة أكبر عدد منهم, وهذا هو
السبب في سكوت مصر عن إدانة إسرائيل ومعها بقية الدول العربية, إزاء تواصل مذابحها
في غزة.
من الناحية القانونية انتهى العمل باتفاق 2005 في نوفمبر 2006 فحدث فراغ
قانوني.
ويثور الجدل حول إمكانية تمديد العمل بالاتفاق أو تجديده حيث قد يرى
البعض أن أبو مازن هو رئيس السلطة وهو الذي وقع الاتفاق وله حق تمديده حتى لو لم
تعد له سيطرة فعلية على غزة والمعبر, بينما قد يرى آخرون أن السلطة عام 2005 تختلف
عن السلطة عام 2008, حيث كانت سلطة 2005 تضم أبو مازن رئيسا, والمجلس التشريعي
والحكومة اللذين تسيطر عليهما حماس, أما سلطة 2008 فتضم أبو مازن وحده بعد أن أقال
حكومة حماس وأعلن أنها حكومة انقلابية كما أعلن أن حماس منظمة إرهابية, وبلغ العداء
مداه بين الطرفين بعد أن لاحظت حماس أن أبو مازن وإسرائيل قد أصبحا في قارب واحد
ضدها, وأن مساعي التسوية التي تتم بينهما تنصب على طرق الخلاص منها ولا علاقة لها
بأي من حقوق الشعب الفلسطيني المعروفة.
ومعنى ذلك أن وجود أبو مازن طرفا في نفس
الاتفاق القديم أو الجديد مع وجود سلطة حماس على الأرض كسلطة فعلية سوف يعوق تنفيذ
الاتفاق ويدفع الطرف الأوروبي إلى عدم القيام بدوره, بل سوف يتفرغ المعبر لاصطياد
عناصر حماس إذا استخدموا المعبر.
من الناحية القانونية الدقيقة ووفق الدستور
الفلسطيني, فإن حكومة حماس في غزة لا تزال حكومة شرعية وأن قرار أبو مازن بإقالتها
وتشكيل حكومة مؤقتة تجاوز أحكام الدستور, وتناقض الدستور مع وجود مجلس تشريعي معظمه
أسرى في إسرائيل ونصف وزراء السلطة في سجونها.
بعبارة أخرى, هناك تنازع الشرعيات
داخل فلسطين بما يسمح بالقول بأنه لا يجوز الاتفاق مع أبو مازن كرئيس للسلطة, كما
لا يجوز الاتفاق معه وحده ما دام هو الذي يمثل السلطة كلها ولا يمثل نفسه ومجلس
الوزراء الذي عينه.
أما في الواقع, فإن العالم كله يعترف بأبو مازن رئيسا, وأن
حماس استقلت بالسلطة بعيدا عن سلطته في إطار الحرب الأهلية, وبأنها سلطة الأمر
الواقع, وهناك توافق دولي على أن تنفرد إسرائيل بحماس ومصيرها، وهذا هو السبب في أن
مصر تحاول بكل الطرق أن تخرج من تبعات وتداعيات هذه التطورات.
فإن تعاونت مصر مع
حماس كان ذلك اعترافا بها مما يوسع شقة النزاع الداخلي ويكرس انقسام الأراضي
الفلسطينية, أما إن ظلت على اعترافها بأبو مازن والاتفاق معه فإنها تتجاهل المسيطر
على الأرض.
إن نقطة البداية في أي تحليل للمركز القانوني للمعبر في المستقبل
مرتهن بمن يسيطر على الأرض, ولذلك فإن إسرائيل تعمل الآن على خلق أوضاع مريحة
بالنسبة لها ولا تشغل بالها في استثمار الأوضاع القائمة.
ويقوم السيناريو
الإسرائيلي على استمرار حصار غزة وإبادة أهلها بحجة صواريخ القسام خاصة بعد الإعلان
عن أنها قتلت لأول مرة مواطنا إسرائيليا في سديروت، ويقبل العالم هذه الحجة من
إسرائيل كما يقبل منها فعلها حتى دون ذرائع تبديها حتى تتمكن من إنزال أكبر ضرر
ممكن بسكان غزة تجويعا وقتلاً وتشريداً والعالم يتفرج على المأساة.
في هذه
الحالة إما أن يفر الناس صوب مصر والمعبر مغلق فيكررون اقتحام خط الحدود, فإن ردتهم
مصر ساهمت في خطة الإبادة, وإن تركتهم منعت إسرائيل هذه المرة عودتهم إلى غزة, خاصة
مع تواتر الحديث عن اقتحام بري شامل لغزة لإسقاط حماس, فتحقق إسرائيل هدفين كبيرين,
الأول, إسقاط حماس وتقديم غزة قربانا لصداقة أبو مازن, والثاني هو وضع أقدامها في
سيناء, ويمكن أن تهاجم المخيمات الجديدة في سيناء بحجة تسللهم للقيام بالمقاومة ضد
السلطة في غزة.
في هذه الحالة يتم تجديد اتفاق المعابر هذه المرة بين أبو مازن
ومصر دون حاجة إلى وجود إسرائيل كطرف, بحيث يقوم أبو مازن بنفس المهام التي رسمها
الاتفاق القديم للسلطة لصالح إسرائيل.
بغير هذا السيناريو سيظل وضع المعبر
معلقا, ما لم تسيطر إسرائيل على الحدود والمعبر باتفاق مع مصر وهو ممكن أيضا, وفي
هذه الحالة تكون النتيجة هي نفسها كما حدث في السيناريو السابق.
والحق أن قضية
المعابر سوف تثير الكثير من المشاكل بين الأطراف الثلاثة, مصر وإسرائيل
والفلسطينيين.
كذلك تجب الإشارة إلى أن هذه القضية هي أحد تعقيدات وآثار الخطة
الإسرائيلية التي تهدف إلى تطوير المشروع الصهيوني عن طريق الفراق النهائي بين فتح
وحماس من ناحية, وكذلك عن طريق إرغام سكان غزة على مغادرتها في إطار خطة تفريغ
الأراضي الفلسطينية من سكانها حتى يسهل تنفيذ مخطط الدولة اليهودية.
ولذلك فإن
حل مشكلة المعابر على أي وجه لن يكون مجديا لوقف المشروع الصهيوني, خاصة وأن الكثير
من دلائل صحة هذا التحليل قد ظهرت في عدد من الأفكار الإسرائيلية، ومن السذاجة أخذ
هذه الأفكار ببساطة وأهمها تلك التي عرضت على مصر اقتطاع جزء من سيناء على سبيل
الإيجار أو المقايضة, وذلك لإنشاء دولة فلسطينية.
وبديهي أن المشروع الصهيوني
يتجه إلى سيناء والأردن.
ولا شك أن المتابعين للفكر الصهيوني وسلوك إسرائيل
يعرفون أن هذه الأفكار ليست جديدة وأن إسرائيل تجد هذه المرحلة مثالية لتقدم
المشروع الصهيوني بعد أن مارست ضغوطا هائلة على مصر, وشطبت العراق وشغلت سوريا
وتمكنت بفضل الضغط الأميركي من تحجيم أي دور سعودي محتمل ولو باللفظ لمواجهة
إسرائيل فضلا عما آل إليه حال العالم العربي وشعوبه من إرهاق وقهر.
ومع ذلك تبقى
المقاومة هي المفتاح, كما أنه لا مفر من عودة الوعي إلى مصر, ذلك أنه من المعلوم أن
انسحاب مصر من ساحة الصراع قد أدى إلى استباحة كل أجزاء العالم العربي, ومكّن
للمشروع الصهيوني الذي سوف يصطدم بمصر رغم كل المحاذير.
رفح المصري على أساس أنه هو المنفذ الوحيد لغزة على العالم الخارجي بعد أن أغلقت
إسرائيل المنافذ الستة التي تربط غزة بإسرائيل وذلك في إطار الحصار الشامل الذي
فرضته إسرائيل على غزة ثم المحرقة التي وقعت في الأسبوع الأخير من ديسمبر/كانون
الأول 2008 حتى بداية الأسبوع الثالث من يناير/كانون الثاني 2009، ثم استمرار
الحصار والإغلاق بعد المحرقة.
ورغم وضوح المركز القانوني لمعبر رفح، فإن الموقف الحكومي وإعلامه الرسمي
يصر على أن مصر ملزمة قانونا بإغلاق المعبر، وهو ما أدى إلى إقامة الأنفاق ثم ما
حدث من تداعيات انتهت بقيام مصر ببناء جدار فولاذي أثار الكثير من الجدل حول أثره
السلبي على سكان غزة المحاصرين.
ولما كان الحل هو فتح معبر رفح بل وفتح معابر
أخرى على الجانب المصري لسد احتياجات سكان غزة والاستغناء عن المعابر الإسرائيلية،
فقد رأينا أنه من المناسب أن نلقي الضوء على المركز القانوني لمعبر رفح لكي نخلص
إلى أن مصر لا يمنعها مانع قانوني وخاصة اتفاق المعبر الذي لا يزال يتمسك به
المسؤولون المصريون في كل مناسبة، بل ولكي نؤكد أن مصر ملزمة قانونا بفتح المعبر
لاعتبارات كثيرة لا مجال لكي نوردها حتى لا تطغى على موضوع هذه المقالة التي تركز
على الوضع القانوني لمعبر رفح.
وإذا تم فتح هذا المعبر بترتيبات معينة مع الجانب
الفلسطيني فإنه يمكن لمصر أن تبني ما تشاء من أسوار على الحدود مع غزة لأن النقطة
المحورية التي تتقاطع فيها المواقف هي إنقاذ غزة من الهلاك حيث يبدو لنا أن القضية
الأصلية ليست وضع المعبر من الناحية القانونية ولكن القضية هي الرهان الإسرائيلي
على موقف مصر حتى تتمكن إسرائيل من كسر إرادة سكان غزة إما برفضهم لحماس وإما
باستجابة حماس نفسها للإملاءات الإسرائيلية.
الوثيقة الأساسية التي تحدد قواعد
استخدام معبر رفح هي اتفاق 15 نوفمبر 2005 الموفقة بين إسرائيل والسلطة
الفلسطينية.
وقد بنيت فكرة الاتفاق على أساس أن إسرائيل ظلت تعلن قرابة عام أنها
سوف تسحب قواتها العسكرية ومستوطناتها من غزة, بصرف النظر عن أسباب الانسحاب من
الجانب الإسرائيلي والفلسطيني.
وقررت إسرائيل أن عدم وجودها على معبر رفح سوف
يسهل مرور أسلحة ومعدات حربية للمقاومة الفلسطينية عموما من الجانب المصري, ولذلك
أرادت أن تضمن قيام السلطة والمراقبين الأوروبيين والمنسق الأمني الأميركي ومصر على
الجانب الآخر بما كانت تقوم به إسرائيل من سيطرة مطلقة على المعبر, بالتنسيق مع
مكتب منسق الشؤون العسكرية في الأراضي الفلسطينية الجنرال جلعاد وتحت سمع وبصر
الكاميرات الإسرائيلية.
ولذلك أبرمت إسرائيل مع السلطة هذا الاتفاق حتى يسري بعد
انسحابها في أغسطس 2005.
ولسنا بحاجة إلى استعراض أحكام الاتفاق, إذ تكفي
الإشارة إلى أن هذا الاتفاق قد حددت مدته بعام, وأوكل إلى فريق المراقبين من
الاتحاد الأوروبي مهام الرقابة والإشراف والمساعدة وتقييم دور السلطة بحيث لا يمر
شخص أو بضاعة دون موافقة كاملة من كل هذه الأطراف خاصة الطرف الإسرائيلي الذي يتلقى
مساعدات معلوماتية من الجانب الأميركي والأوروبي لكن يظل القرار بيده.
وينص
الاتفاق صراحة على أن الأمن الإسرائيلي هو البداية والنهاية لهذا الاتفاق, ولكنه لم
يشر إلى الوضع بعد مضى عام على نفاذ الاتفاق مما أدى إلى انتهائه بنصه في نوفمبر
2006.
وما دام أمن إسرائيل هو الأساس الذي يخدمه الاتفاق, فقد نص الاتفاق على
تشكيل عدة لجان للأمن والتنسيق والإشراف والمتابعة تضم في كل الأحوال الأجهزة
الأمنية في إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر.
وأوكل الاتفاق
للطرف الأوروبي في إطار المهام العديدة التي أوكل بها والتي ورد بعضها في الاتفاق
وتضمنتها بالتفصيل مذكرة التفاهم بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي الملحقة بالاتفاق,
أوكل إليه أيضا مراجعة أداء وتصرفات السلطة ومدى التزامها بكل اللوائح والأحكام
المتعلقة باستخدام معبر رفح.
وتشير ملاحظات البنك الدولي في دراسة نشرها في مارس
2007 إلى أن حالات إغلاق معبر رفح تحت إدارة السلطة وبالتنسيق مع الجانب المصري لا
تقارن بحالات الإغلاق المستمرة التي ظلت مرتبطة بإدارة إسرائيل للمعبر قبل إبرام
الاتفاق, كما أشارت الدراسة إلى أنه رغم أن الاتفاق لا يعطي إسرائيل الحق في
السيطرة المباشرة وإغلاق المعبر, فإن إسرائيل كانت تسيطر تماما على عمليات الفتح
والإغلاق للمعبر.
وكانت هذه الدراسة تأمل أن يكون المعبر حلقة الوصل الكاملة بين
أراضي السلطة والموانئ المصرية وقناة السويس إلى العالم العربي والخارجي حتى تتم
تنمية الاقتصاد الفلسطيني.
وأوضحت الدراسة أن إدارة المعبر جعلته من أفضل معابر
الأفراد والبضائع في العالم مما شجع البنك الدولي على الإعلان عن نيته تمويل مشروع
التطوير.
وحتى رغم فوز حماس في انتخابات يناير 2006 وتكليفها بتشكيل الحكومة ثم
حكومة الوحدة الوطنية ثم إدارة حماس لغزة اعتبارا من 14 يونيو/حزيران 2007، فإن
المعبر لم تتغير كفاءة إداراته, وإنما أثير موضوع المعبر مؤخرا عندما استمرت
إسرائيل في حصار غزة وفرض الحظر عليها ثم إحكام الحصار والعدوان وقطع مصادر الطاقة
والغذاء والحياة فاضطر أكثر من نصف مليون من سكان غزة إلى التسلل إلى الأراضي
المصرية عبر الحدود بسبب إغلاق مصر للمعبر من جانبها وفتحه تحت ضغوط المناسبات
وعودة الحجاج الفلسطينيين من السعودية وإصرار إسرائيل على ضرورة عودتهم من معبر كرم
أبو سالم الذي تسيطر عليه إسرائيل حتى تعتقل قيادات حماس عند عبورهم.
كذلك اضطرت
مصر إلى إغلاق المعبر تحت اتهامات إسرائيلية وتوتر عنيف مع مصر واتهام مصر بأن
تهريب الأسلحة وحفر أنفاق يتم عبر الحدود, وضرورة تعاون مصر مع إسرائيل في ضبط
الحدود ثم تدخل الولايات المتحدة وربط استمرار المعونة الأميركية بمدى تعاون مصر مع
إسرائيل.
وهكذا أدت أحداث ديسمبر 2007 ويناير 2008 المتسارعة إلى إبراز قضية
المعبر والتركيز عليه رغم أن المعبر هو اختزال لقضية أكبر وهي المخطط الإسرائيلي
المنسق مع رئاسة السلطة للضغط على سكان غزة حتى يتخلصوا من حماس, بعد أن قررت
إسرائيل أن أي تسوية مع أبو مازن لا بد أن تشمل غزة ودون معارضة من حماس, ولذلك يجب
التخلص من حماس كقوة عسكرية وقوة سياسية تدخل في الحساب, وبينما ظلت قضية المعابر
أكبر مشكلة بين مصر وإسرائيل بعد أن يئست مصر من جمع الطرفين الفلسطينيين على موقف
موحد حتى يتم استبعاد إسرائيل, قررت مصر مؤقتا استمرار العمل باتفاق 2005 والتعاون
مع أبو مازن.
ولما كان ذلك لا يرضي إسرائيل فإن الاتصال مستمر بين مصر وإسرائيل
حتى تمنع مصر أي عبور من حدودها إليها, إزاء تصاعد التهديد الإسرائيلي بأنها سوف
تتولى بنفسها ضبط الحدود بين مصر وغزة, كل ذلك لكي تحرم أهالي غزة من أي منفذ إلى
الحياة حتى تتمكن من تحقيق هدفها, وفي نفس الوقت إبادة أكبر عدد منهم, وهذا هو
السبب في سكوت مصر عن إدانة إسرائيل ومعها بقية الدول العربية, إزاء تواصل مذابحها
في غزة.
من الناحية القانونية انتهى العمل باتفاق 2005 في نوفمبر 2006 فحدث فراغ
قانوني.
ويثور الجدل حول إمكانية تمديد العمل بالاتفاق أو تجديده حيث قد يرى
البعض أن أبو مازن هو رئيس السلطة وهو الذي وقع الاتفاق وله حق تمديده حتى لو لم
تعد له سيطرة فعلية على غزة والمعبر, بينما قد يرى آخرون أن السلطة عام 2005 تختلف
عن السلطة عام 2008, حيث كانت سلطة 2005 تضم أبو مازن رئيسا, والمجلس التشريعي
والحكومة اللذين تسيطر عليهما حماس, أما سلطة 2008 فتضم أبو مازن وحده بعد أن أقال
حكومة حماس وأعلن أنها حكومة انقلابية كما أعلن أن حماس منظمة إرهابية, وبلغ العداء
مداه بين الطرفين بعد أن لاحظت حماس أن أبو مازن وإسرائيل قد أصبحا في قارب واحد
ضدها, وأن مساعي التسوية التي تتم بينهما تنصب على طرق الخلاص منها ولا علاقة لها
بأي من حقوق الشعب الفلسطيني المعروفة.
ومعنى ذلك أن وجود أبو مازن طرفا في نفس
الاتفاق القديم أو الجديد مع وجود سلطة حماس على الأرض كسلطة فعلية سوف يعوق تنفيذ
الاتفاق ويدفع الطرف الأوروبي إلى عدم القيام بدوره, بل سوف يتفرغ المعبر لاصطياد
عناصر حماس إذا استخدموا المعبر.
من الناحية القانونية الدقيقة ووفق الدستور
الفلسطيني, فإن حكومة حماس في غزة لا تزال حكومة شرعية وأن قرار أبو مازن بإقالتها
وتشكيل حكومة مؤقتة تجاوز أحكام الدستور, وتناقض الدستور مع وجود مجلس تشريعي معظمه
أسرى في إسرائيل ونصف وزراء السلطة في سجونها.
بعبارة أخرى, هناك تنازع الشرعيات
داخل فلسطين بما يسمح بالقول بأنه لا يجوز الاتفاق مع أبو مازن كرئيس للسلطة, كما
لا يجوز الاتفاق معه وحده ما دام هو الذي يمثل السلطة كلها ولا يمثل نفسه ومجلس
الوزراء الذي عينه.
أما في الواقع, فإن العالم كله يعترف بأبو مازن رئيسا, وأن
حماس استقلت بالسلطة بعيدا عن سلطته في إطار الحرب الأهلية, وبأنها سلطة الأمر
الواقع, وهناك توافق دولي على أن تنفرد إسرائيل بحماس ومصيرها، وهذا هو السبب في أن
مصر تحاول بكل الطرق أن تخرج من تبعات وتداعيات هذه التطورات.
فإن تعاونت مصر مع
حماس كان ذلك اعترافا بها مما يوسع شقة النزاع الداخلي ويكرس انقسام الأراضي
الفلسطينية, أما إن ظلت على اعترافها بأبو مازن والاتفاق معه فإنها تتجاهل المسيطر
على الأرض.
إن نقطة البداية في أي تحليل للمركز القانوني للمعبر في المستقبل
مرتهن بمن يسيطر على الأرض, ولذلك فإن إسرائيل تعمل الآن على خلق أوضاع مريحة
بالنسبة لها ولا تشغل بالها في استثمار الأوضاع القائمة.
ويقوم السيناريو
الإسرائيلي على استمرار حصار غزة وإبادة أهلها بحجة صواريخ القسام خاصة بعد الإعلان
عن أنها قتلت لأول مرة مواطنا إسرائيليا في سديروت، ويقبل العالم هذه الحجة من
إسرائيل كما يقبل منها فعلها حتى دون ذرائع تبديها حتى تتمكن من إنزال أكبر ضرر
ممكن بسكان غزة تجويعا وقتلاً وتشريداً والعالم يتفرج على المأساة.
في هذه
الحالة إما أن يفر الناس صوب مصر والمعبر مغلق فيكررون اقتحام خط الحدود, فإن ردتهم
مصر ساهمت في خطة الإبادة, وإن تركتهم منعت إسرائيل هذه المرة عودتهم إلى غزة, خاصة
مع تواتر الحديث عن اقتحام بري شامل لغزة لإسقاط حماس, فتحقق إسرائيل هدفين كبيرين,
الأول, إسقاط حماس وتقديم غزة قربانا لصداقة أبو مازن, والثاني هو وضع أقدامها في
سيناء, ويمكن أن تهاجم المخيمات الجديدة في سيناء بحجة تسللهم للقيام بالمقاومة ضد
السلطة في غزة.
في هذه الحالة يتم تجديد اتفاق المعابر هذه المرة بين أبو مازن
ومصر دون حاجة إلى وجود إسرائيل كطرف, بحيث يقوم أبو مازن بنفس المهام التي رسمها
الاتفاق القديم للسلطة لصالح إسرائيل.
بغير هذا السيناريو سيظل وضع المعبر
معلقا, ما لم تسيطر إسرائيل على الحدود والمعبر باتفاق مع مصر وهو ممكن أيضا, وفي
هذه الحالة تكون النتيجة هي نفسها كما حدث في السيناريو السابق.
والحق أن قضية
المعابر سوف تثير الكثير من المشاكل بين الأطراف الثلاثة, مصر وإسرائيل
والفلسطينيين.
كذلك تجب الإشارة إلى أن هذه القضية هي أحد تعقيدات وآثار الخطة
الإسرائيلية التي تهدف إلى تطوير المشروع الصهيوني عن طريق الفراق النهائي بين فتح
وحماس من ناحية, وكذلك عن طريق إرغام سكان غزة على مغادرتها في إطار خطة تفريغ
الأراضي الفلسطينية من سكانها حتى يسهل تنفيذ مخطط الدولة اليهودية.
ولذلك فإن
حل مشكلة المعابر على أي وجه لن يكون مجديا لوقف المشروع الصهيوني, خاصة وأن الكثير
من دلائل صحة هذا التحليل قد ظهرت في عدد من الأفكار الإسرائيلية، ومن السذاجة أخذ
هذه الأفكار ببساطة وأهمها تلك التي عرضت على مصر اقتطاع جزء من سيناء على سبيل
الإيجار أو المقايضة, وذلك لإنشاء دولة فلسطينية.
وبديهي أن المشروع الصهيوني
يتجه إلى سيناء والأردن.
ولا شك أن المتابعين للفكر الصهيوني وسلوك إسرائيل
يعرفون أن هذه الأفكار ليست جديدة وأن إسرائيل تجد هذه المرحلة مثالية لتقدم
المشروع الصهيوني بعد أن مارست ضغوطا هائلة على مصر, وشطبت العراق وشغلت سوريا
وتمكنت بفضل الضغط الأميركي من تحجيم أي دور سعودي محتمل ولو باللفظ لمواجهة
إسرائيل فضلا عما آل إليه حال العالم العربي وشعوبه من إرهاق وقهر.
ومع ذلك تبقى
المقاومة هي المفتاح, كما أنه لا مفر من عودة الوعي إلى مصر, ذلك أنه من المعلوم أن
انسحاب مصر من ساحة الصراع قد أدى إلى استباحة كل أجزاء العالم العربي, ومكّن
للمشروع الصهيوني الذي سوف يصطدم بمصر رغم كل المحاذير.