محمّد
صالح مجيّد
صالح مجيّد
يعود الفضل في تأنيث "الخارجيّة الأمريكيّة إلى
الرئيس "بيل كلينتون" الذي اختار "مادلين أولبرايت" على رأس الدبلوماسيّة
الأمريكيّة.
وقد اندهش كلّ مَنْ تعامل مع هذه السيّدة القصيرة القامة، والطويلة
اللسان واليد، مِنْ تصلّبها، وقدرتها على فرض رأيها، وتوجيه كلّ المحادثات التي
تخوضها إلى ما يخدم أفكارها وينسجم معها.
وقد كان لهذه الوزيرة حضور كبير أنسى
العالم صلابة "مارغريت تاتشر" رئيسة
الوزراء البريطانيّة التي عرفت بالمرأة الحديديّة.
وقد مات الزعيم الفلسطينيّ
"ياسر عرفات" وفي قلبه شيء من "أولبرايت" التي مارست عليه ضغوطا، وحاولت جرّه في
"واي ريفر" إلى مطبّ كان يمكن أن يعصف بتاريخه السياسيّ...
وقد اختار "بوش
الابن" في مدّته الرئاسيّة الثانية أن يواصل سياسة "تأنيث" الخارجيّة الأمريكيّة
عملا بقاعدة ضرورة المحافظة على العادات الطيّبة، فجاءت الآنسة "كونداليزا"
السّمراء بعد أن شعر سلفها الأسمر"كولن باول" بأنّه سوّق لأكبر كذبة في العالم لم
يستطع أن يتحمّل عراءها، وتداعياتها.
لذلك ترك منصبه ساخطا على نهايته السياسيّة
التي لوّثت سجلّه العسكريّ.
و"كولن باول" هذا هو الذي أشرف على إعداد عمليّة
"ثعلب الصحراء" عسكريّا، وهو الذّي مهّد للصّدمة والرّعب دبلوماسيا.
فهو آخر رجل
يقود الدبلوماسية الأمريكيّة؛ إذ تأنثت الخارجيّة الأمريكيّة بعده.
وعرف العالم
كيف تتجسّد القوّة وراء النعومة، وكيف تزداد "أمريكا" شراسة وقوّة كلّما جاءت
تهديداتها العسكريّة على لسان امرأة.
وتلقّت دول عربيّة، وإفريقيّة، وآسيويّة
كثيرة صفعات من الآنسة "كوندا" أقوى من تلك التي كان يسدّدها "كولن باول" ومَنْ
سبقه..
اسألوا بعض وزراء الخارجيّة العرب الذين حوّلتهم إلى كتّاب وموظّفين
تابعين لوزارتها؟ ألم تصرخ في وجوههم، وتدعوهم إلى اجتماع مضيّق حدّدت فيه الخطوط
العريضة لقمّة عربيّة طارئة!!؟..
لقد تحوّلت المنطقة العربيّة في زمن "الآنسة"
وزيرة الخارجيّة إلى مجال حيويّ، وحديقة خلفيّة تتحرّك فيها بحرية، وتدعو من خلالها
إلى اجتماعات تختار جدول أعمالها وتاريخ انعقادها.
الآنسة "كوندا" تحدّت كلّ
العرب، معتدلين وممانعين، وأعلنت دعمها لليفني وزيرة الخارجيّة الإسرائيليّة، وسخرت
مِنْ كلّ مَنْ كان يريد إثناءها عن دعم "إسرائيل" بلا حدود، بل كانت تردّ على
مقترحاتهم ببرود، وبضحكة صفراء سرعان ما تتحوّل إلى تكشيرة تتلوّن تهديدا
ووعيدا.
وببركاتها أعان"شارون" الربّ على التخلّص من "عرفات"!! ومن شدّة حضورها
في المشهدين الإعلاميّ والسياسيّ، طغت صورتها ونسي النّاس في أيامها رائعة
"ديفانشي" "الموناليزا" التي تزيّن متحف "اللوفر" بباريس وعوّضوها بكونداليزا
القادمة من بلاد "العمّ سام".
وقد أكّدت هذه الآنسة باستفزازاتها التي لا تنقطع،
وبتنقّلاتها التي لا تتوقّف، أنّ تأنيث الخارجيّة الأمريكيّة كان بغاية تحدّي آخر
بقايا "الرجولة" العربيّة، واجتثاثها لتُبعَثَ من جديد في شكل "اعتدال"، و"ضبط
نفس"، وأحيانا في صورة دعوة إلى المرونة وتقديم تنازلات مؤلمة!!.
ومن آنسة سمراء
اختارت أن تتزوّج الشّرق الأوسط الكبير والجديد، وأن تخصّص حياتها للنظر في كلّ ما
يهمّ الشأن العربيّ حتّى شاع خبر تعلّقها بحبيب عربيّ أصيل!! اختار "أوباما"-
إمعانا في التنويع اللونيّ الذي أصبح خصيصة أمريكيّة- أن يضع على رأس الدّبلوماسية
امرأة شقراء، هذه المرّة، كانت دخلت البيت الأبيض قبله، وعرفت أسراره باعتبارها
زوجة رئيس أمريكيّ سابق.
ومن الغريب أنّ هذه المرأة التي تعلو محيّاها ابتسامة
بيضاء غامضة لا لون لها ولا رائحة كانت غريمة "أوباما" ومنافسته في الانتخابات التي
جرت داخل الحزب الدموقراطيّ لاختيار مرشّح للرئاسة.
فلم يجد أفضل من مجازاتها
على حملتها الانتخابيّة المكلفة، وعلى أدائها الرائع فيها، إلاّ تعيينها وزيرة
لخارجيته!!.
هذه الوزيرة لم تعرف حيرة البدء بحكم خبرتها الطويلة التي اكتسبتها
من معاشرتها لأروقة البيت الأبيض، وشرعت تكشّر عن أنيابها وتفرض أسلوب عملها مقتدية
بمن سبقتها.
ولم تتردّد طويلا في تذكير العرب، فاقدي الذاكرة، بالثوابت
الأمريكيّة: لإسرائيل الحقّ في اقتطاع ما يحلو لها من الأراضي الفلسطينيّة.
وكلّ
شبر تتركه هذه الدولة المسكينة يُسوَّق في صورة "تنازل" مؤلم يجب أن تنظر إليه
الدول العربيّة على أنّه إنجاز عظيم يُسرّع بالتطبيع الكامل والشامل.
و"هيلاري"
ما تنفكّ تذكّر العرب بضرورة التخلّي عن حلم "القدس" وتعويضها ببعض الأحياء العتيقة
التي يعبق منها سحر التاريخ.
وهي تؤكّد، في كلّ مناسبة، أنّ صوت صواريخ
المقاومة، تقليديّة الصنع، تُشوّش نوم المستوطنين والإسرائيليين الآمنين؛ لكنّ خرق
الطائرات الإسرائيليّة للمجال الجوّي اللبناني أو السّوري يدخل في باب مقاومة
الإرهاب وضمان الأمن في الشرق الأوسط!! "هيلاري" قاومت، بعزيمة رجال أشاوس، "تقرير
غولدستون"، وهدّدت علانية وخفية مَنْ يتجرّأ على تحدّي الولايات المتّحدة، وإلحاق
الضرر بمصالحها.
كما أنّها مارست ضغوطا على دول أوروبيّة حليفة حتّى يقع وأد
المقترح النرويجي بالضغط على "إسرائيل".
اختارت أمريكا "كلينتون وبوش" تأنيث
خارجيتها لتعلن أنّ النساء قادرات على لفّ العنف في ورق "السيلوفان" وتقديمه هديّة
ملغّمة في أعياد الميلاد أواخر كلّ سنة.
فوراء ابتسامة وزيرة الخارجيّة الناعمة
سموم من الحقد الخفيّ تؤكّد صدقيّة بيت المتنبّي- وإن حُرِّفَ-: "إذا رأيتَ نيوب
"اللَّيْدي" بارزة/ فلا تظنّن أنّ "اللَّيْدي"
تبتسم".
momjaied@alarab.co.u
الرئيس "بيل كلينتون" الذي اختار "مادلين أولبرايت" على رأس الدبلوماسيّة
الأمريكيّة.
وقد اندهش كلّ مَنْ تعامل مع هذه السيّدة القصيرة القامة، والطويلة
اللسان واليد، مِنْ تصلّبها، وقدرتها على فرض رأيها، وتوجيه كلّ المحادثات التي
تخوضها إلى ما يخدم أفكارها وينسجم معها.
وقد كان لهذه الوزيرة حضور كبير أنسى
العالم صلابة "مارغريت تاتشر" رئيسة
الوزراء البريطانيّة التي عرفت بالمرأة الحديديّة.
وقد مات الزعيم الفلسطينيّ
"ياسر عرفات" وفي قلبه شيء من "أولبرايت" التي مارست عليه ضغوطا، وحاولت جرّه في
"واي ريفر" إلى مطبّ كان يمكن أن يعصف بتاريخه السياسيّ...
وقد اختار "بوش
الابن" في مدّته الرئاسيّة الثانية أن يواصل سياسة "تأنيث" الخارجيّة الأمريكيّة
عملا بقاعدة ضرورة المحافظة على العادات الطيّبة، فجاءت الآنسة "كونداليزا"
السّمراء بعد أن شعر سلفها الأسمر"كولن باول" بأنّه سوّق لأكبر كذبة في العالم لم
يستطع أن يتحمّل عراءها، وتداعياتها.
لذلك ترك منصبه ساخطا على نهايته السياسيّة
التي لوّثت سجلّه العسكريّ.
و"كولن باول" هذا هو الذي أشرف على إعداد عمليّة
"ثعلب الصحراء" عسكريّا، وهو الذّي مهّد للصّدمة والرّعب دبلوماسيا.
فهو آخر رجل
يقود الدبلوماسية الأمريكيّة؛ إذ تأنثت الخارجيّة الأمريكيّة بعده.
وعرف العالم
كيف تتجسّد القوّة وراء النعومة، وكيف تزداد "أمريكا" شراسة وقوّة كلّما جاءت
تهديداتها العسكريّة على لسان امرأة.
وتلقّت دول عربيّة، وإفريقيّة، وآسيويّة
كثيرة صفعات من الآنسة "كوندا" أقوى من تلك التي كان يسدّدها "كولن باول" ومَنْ
سبقه..
اسألوا بعض وزراء الخارجيّة العرب الذين حوّلتهم إلى كتّاب وموظّفين
تابعين لوزارتها؟ ألم تصرخ في وجوههم، وتدعوهم إلى اجتماع مضيّق حدّدت فيه الخطوط
العريضة لقمّة عربيّة طارئة!!؟..
لقد تحوّلت المنطقة العربيّة في زمن "الآنسة"
وزيرة الخارجيّة إلى مجال حيويّ، وحديقة خلفيّة تتحرّك فيها بحرية، وتدعو من خلالها
إلى اجتماعات تختار جدول أعمالها وتاريخ انعقادها.
الآنسة "كوندا" تحدّت كلّ
العرب، معتدلين وممانعين، وأعلنت دعمها لليفني وزيرة الخارجيّة الإسرائيليّة، وسخرت
مِنْ كلّ مَنْ كان يريد إثناءها عن دعم "إسرائيل" بلا حدود، بل كانت تردّ على
مقترحاتهم ببرود، وبضحكة صفراء سرعان ما تتحوّل إلى تكشيرة تتلوّن تهديدا
ووعيدا.
وببركاتها أعان"شارون" الربّ على التخلّص من "عرفات"!! ومن شدّة حضورها
في المشهدين الإعلاميّ والسياسيّ، طغت صورتها ونسي النّاس في أيامها رائعة
"ديفانشي" "الموناليزا" التي تزيّن متحف "اللوفر" بباريس وعوّضوها بكونداليزا
القادمة من بلاد "العمّ سام".
وقد أكّدت هذه الآنسة باستفزازاتها التي لا تنقطع،
وبتنقّلاتها التي لا تتوقّف، أنّ تأنيث الخارجيّة الأمريكيّة كان بغاية تحدّي آخر
بقايا "الرجولة" العربيّة، واجتثاثها لتُبعَثَ من جديد في شكل "اعتدال"، و"ضبط
نفس"، وأحيانا في صورة دعوة إلى المرونة وتقديم تنازلات مؤلمة!!.
ومن آنسة سمراء
اختارت أن تتزوّج الشّرق الأوسط الكبير والجديد، وأن تخصّص حياتها للنظر في كلّ ما
يهمّ الشأن العربيّ حتّى شاع خبر تعلّقها بحبيب عربيّ أصيل!! اختار "أوباما"-
إمعانا في التنويع اللونيّ الذي أصبح خصيصة أمريكيّة- أن يضع على رأس الدّبلوماسية
امرأة شقراء، هذه المرّة، كانت دخلت البيت الأبيض قبله، وعرفت أسراره باعتبارها
زوجة رئيس أمريكيّ سابق.
ومن الغريب أنّ هذه المرأة التي تعلو محيّاها ابتسامة
بيضاء غامضة لا لون لها ولا رائحة كانت غريمة "أوباما" ومنافسته في الانتخابات التي
جرت داخل الحزب الدموقراطيّ لاختيار مرشّح للرئاسة.
فلم يجد أفضل من مجازاتها
على حملتها الانتخابيّة المكلفة، وعلى أدائها الرائع فيها، إلاّ تعيينها وزيرة
لخارجيته!!.
هذه الوزيرة لم تعرف حيرة البدء بحكم خبرتها الطويلة التي اكتسبتها
من معاشرتها لأروقة البيت الأبيض، وشرعت تكشّر عن أنيابها وتفرض أسلوب عملها مقتدية
بمن سبقتها.
ولم تتردّد طويلا في تذكير العرب، فاقدي الذاكرة، بالثوابت
الأمريكيّة: لإسرائيل الحقّ في اقتطاع ما يحلو لها من الأراضي الفلسطينيّة.
وكلّ
شبر تتركه هذه الدولة المسكينة يُسوَّق في صورة "تنازل" مؤلم يجب أن تنظر إليه
الدول العربيّة على أنّه إنجاز عظيم يُسرّع بالتطبيع الكامل والشامل.
و"هيلاري"
ما تنفكّ تذكّر العرب بضرورة التخلّي عن حلم "القدس" وتعويضها ببعض الأحياء العتيقة
التي يعبق منها سحر التاريخ.
وهي تؤكّد، في كلّ مناسبة، أنّ صوت صواريخ
المقاومة، تقليديّة الصنع، تُشوّش نوم المستوطنين والإسرائيليين الآمنين؛ لكنّ خرق
الطائرات الإسرائيليّة للمجال الجوّي اللبناني أو السّوري يدخل في باب مقاومة
الإرهاب وضمان الأمن في الشرق الأوسط!! "هيلاري" قاومت، بعزيمة رجال أشاوس، "تقرير
غولدستون"، وهدّدت علانية وخفية مَنْ يتجرّأ على تحدّي الولايات المتّحدة، وإلحاق
الضرر بمصالحها.
كما أنّها مارست ضغوطا على دول أوروبيّة حليفة حتّى يقع وأد
المقترح النرويجي بالضغط على "إسرائيل".
اختارت أمريكا "كلينتون وبوش" تأنيث
خارجيتها لتعلن أنّ النساء قادرات على لفّ العنف في ورق "السيلوفان" وتقديمه هديّة
ملغّمة في أعياد الميلاد أواخر كلّ سنة.
فوراء ابتسامة وزيرة الخارجيّة الناعمة
سموم من الحقد الخفيّ تؤكّد صدقيّة بيت المتنبّي- وإن حُرِّفَ-: "إذا رأيتَ نيوب
"اللَّيْدي" بارزة/ فلا تظنّن أنّ "اللَّيْدي"
تبتسم".
momjaied@alarab.co.u