باصره
حضرموت خاصة ذلك الخبر الذي جاء مساء الجمعة الموافق 1/1/2010م بفاجعة الرحيل
المؤلم لأبرز الهامات الوطنية السياسية والاقتصادية والثقافية والخيرية بل والدعوية
التي ظلت على مدار العقود السابقة تنتج بصمت وإتقان ، إنها فاجعة فقيد الوطن
المهندس / فيصل عثمان بن شملان "أبو تمام" أحسب أنني أحد الذين كان وقع
الفاجعة عليهم أشد إيلاماً ذلك أنني
واحد ممن عرفوه عن قرب منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي عندما كنت أخضر مع أخي
الأكبر محمد بعض تمارينهم الرياضية في كرة السلة مساء كل خميس في النادي بالتواهي
وكنت حينها طالباً بالإعدادية وتعمقت المعرفة أكثر في انتخابات 1993م ثم
1997م.
لقد فقد الوطن برحيل أستاذنا هامة بل أقول مجدداً من مجددي ثقافة التغيير
بالوطن حيث أنه ختم حياته النضالية العملية بعمل جبار وهو أن يكون رأس حرية هذا
التغيير من خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية كمنافس وطني حصيف ومخلق بكل ما تعنيه
الكلمة من معاني النبل والصفات الحميدة فهو مخلق في خطاباته وتصريحاته وتعامله، لقد
كان يؤخذ على المشترك أنهم معارضة باردة حتى خرجت وثيقة الإصلاح السياسي ثم مورست
من خلال الانتخابات النيابية 2003م فكان يشجع على أن يخرج المشترك أكثر تلاحماً
وفعالية حتى جاء الاستحقاق الرئاسي 2006م وقد كلفت بأن أشاوره في بعض الأسماء
للترشح لهذا الاستحقاق وهو منهم فكان كعادته وبملاطفة يقول رحمه الله تعالى "هل
أصحابك جادين" فارد عليه نحن جادون فأشترط شروطاً أن يلتقي كافة قيادة المشترك
ويطرح عليهم بعض الشروط فقلت لك ذلك، إن أردتهم يخرجوا إليك إلى عدن فهم جاهزون،
قال متواضعاً: أنا سأرحل لهم إلى صنعاء أنا واحد وهم كثير.
لقد أستاذنا رحمه
الله تعالى صاحب همة عالية وإرادة قوية حتى أيام المرض، لقد كنت أتصل به وهو طريح
الفراش لأطمئن عليه وكان يرد ليطمئن علينا نحن ولا يحسسك بمرضه كأنه أمر هامشي، بل
كان يحضر بعض الأفراح والأتراح وينزل من عدن إلى حضرموت ساحلها وواديها لحضورها وهو
يكابد المرض وكان رحمه الله يحضر بعض الندوات والجلسات الافتتاحية لبعض المؤتمرات
سواء كانت لأحزاب أو منظمات أو نقابات ولا يكلف شيئاً لا تذاكر ولا سكن بل كان
ضيفاً خفيفاً ولطيفاً، لقد كان متابعاً لقضايا دائرته ومحافظته فكان يرسم لنا كل
أسبوع برنامجاً للقاء بالوزارات والصناديق ليتابع طريقاً أو حفر بئر أو بناء مدرسة
أو ترميم أو بناء وحدة صحية، لقد كان يصرف جل راتبه الذي يستلمه من شركة نمر
البترولية لتقارير المرضى ولمساعدة الشباب للزواج وللمشاريع المختلفة ولقد تكفل من
راتبه مصاريف الوفد الذي طلع من حضرموت ساحلها وواديها وصحرائها والذي ضم العلماء
والأكاديميين والسياسيين ووجهاء القبائل والشخصيات الاجتماعية ورؤساء المنظمات
والذي بلغ عددهم 250 شخصية لرفض تقسيم حضرموت في بداية 1998م والذي تكفل بالمواصلات
والسكن بالفنادق والتغذية والذي استمر قرابة الأسبوع وقابل رئيس الجمهورية ورئيس
مجلس النواب والوزراء والشورى.
لقد كان رحمه الله كريماً مضيفاً إلى حد الإسراف
ولقد جئنا إليه في بيته بالسويري ووفداً من أربعة نواب في ساعة ليست وقت فطور ولا
غداء ولا عشاء للسلام عليه فأصر إلا أن يضيفنا.
لقد كان صحاب رجاحة عقل وذاكرة
عجيبة وحكمة بارعة فعندما طلع السلاطين من حضرموت في 1967م كان من ترأس لجنة إدارة
حضرموت وهو في سن الثلاثين وهو لم ينتمي إلى الجبهة القومية أو جبهة التحرير، ولقد
كان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رحمه الله تعالى في المجلس السابق إذا احتدم
الصراع حول قضية وأصبح الأمر يتطلب رجاحة عقل فكان الشيخ عبدالله رحمه الله ينادي
باسم فيصل عثمان بن شملان ليقول كلمة الفصل فكان استاذنا رحمه الله يقول وبملاطفة
"شيخكم يريد مخرج".
لقد كان متابعاً ومتألماً لقضايا الأمة العربية والإسلامية
وحريصاً على مشاكلهم فكان ضد حصار العراق والسودان وكان مناهضاً للتطبيع مع إسرائيل
وكان يسعى لتشكيل لجنة للمناهضة وكان يراسل اللجان المناهضة بل كان يستقطع جزءاً من
راتبه للمقاومة الفلسطينية ويطرح المقترحات والآليات لدعم المقاوم ودعم الشعب
الفلسطيني المظلوم.
لقد كان الحزب الاشتراكي اليمني محقاً بأن حافظ عليه واستفاد
منه وبوأه مناصب مع غيره من الكوادر رغم أنهم لم يكونوا أعضاء بالحزب الاشتراكي
ومنهم د.
فرج بن غانم ، الشيخ / سالم باصريح، الأستاذ / محمد علي باصره والدكتور
محمود مدحج وغيرهم كثير لقدراتهم التي لا يستطيعوت تجاوزها .
تعجز الكلمات أن
تحصي صفات ومناقب هذه الشخصية الفذة والحديث يطول عن فقيدنا الأستاذ/ فيصل عثمان بن
شملان.
لقد مات الفقيد والموت حق "إنك ميت وإنهم ميتون" ولم يخلف درهماً ولا
ديناراًَ ولا ملايين ولا مليارات ولم يخلف مخططات أراضي ولا حتى قطع أراضي ، لم
يخلف فللاً ولا قصوراً شاهقة فوق سفوح الجبال، لم يخلف من فتات الدنيا شيئاً ، لم
يبدل جلدته ليحصل على ما سبق، لقد خلف لنا أستاذنا قيم الحرية والعدل والمواطنة
المتساوية، خلف لنا ثقافة التغيير ونصرة المظلوم كان من كان، فقيراً أو غنياً،
أسوداً أو أبيضاً، صاحب قبيلة أو صاحب حرفة، خلف ثقافة النضال السلمي لانتزاع
الحقوق والحريات وإنني أقول وكل من كان معنا محباً لفقيدنا رحمه الله تعالى نقول له
إننا سائرون على نفس القيم، سائرون على طريق النضال السلمي الحضاري وإن نضالنا
سيستمر حتى تنتزع كافة حقوق أهلنا السياسية والحقوقية ليعيشوا حياة آمنة
وكريمة.
ورحم الله الفقيد الرمز/ فيصل عثمان بن شملان رحمة الأبرار وأسكنه فسيح
جناته وتقبله مع الصديقين والشهداء والصالحين وصبرنا وصبر أهله ومحبيه أجمعين اللهم
آمين..