تعتبر المظاهرات الأخيرة التي حدثت في طهران
بمناسبة ذكرى عاشوراء محطة هامة في طريق الصراع بين السلطة الحاكمة في طهران
والمعارضة التي تبلورت حديثًا بعد ظهور نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة معربة عن
فوز أحمدي نجاد.
ومما يجعل تلك
المظاهرات أو الاحتجاجات ذات دلالة خاصة، أنها جاءت في مناسبة دينية يعتبرها الشيعة
الاثنا العشرية مقدسة، كما أن المناسبة نفسها تلقي بظلالها التاريخية، فالحديث
الدائم في تلك المناسبة ينصب حول المظلومية التي تعرض لها الإمام الحسين رضي الله
عنه، والدماء الطاهرة التي سكبت في ذلك اليوم، ما يعني أن المواجهات التي حدثت وسقط
فيها عدد من أفراد المعارضة الإيرانية تعيد إلى الأذهان نفس حالة الاضطهاد، وتضع
السلطة الإيرانية في موقف لا تحسد عليه.
ما زاد أيضًا من أثر تلك المظاهرات أنها
أعقبت وفاة آية الله منتظري، أشد معارضي نظام ولاية الفقيه.
وإن كان من دلالات
في تلك المظاهرات: فإنها أولاً قد أظهرت قدرة الزعماء الإصلاحيين على المبادرة، فلم
تعد المظاهرات مجرد ردود أفعال كما حدثت في أول مرة عقب إعلان نتيجة الانتخابات بل
أصبحت تتحين الفرص والمناسبات حتى تعبر عن نفسها.
الدلالة الأخرى استمرار الحركة
الاحتجاجية، فقد أمضى نجاد عشرة أشهر في الرئاسة وما زالت المظاهرات تتحين كل فرصة
للتعبير عن نفسها بالخروج في المظاهرات، وهذا يؤشر إلى أن هناك حركة معارضة آخذة في
التبلور حول أجندة وأهداف معينة وليس فقط مجرد احتجاج على عملية تزوير قد شابت
انتخابات رئاسة الجمهورية.
ومما يدل على ذلك تطور الشعارات، التي أصبحت تهاجم
مبدأ ولاية الفقيه علانية، وتطالب بتغيير ذلك المبدأ صراحة، وهذا يدل أن الحركة
الإصلاحية تبلورت لديها عدد من الأهداف السياسية وليس فقط مجرد احتجاجات على
الانتخابات.
الدلالة الثالثة: إفلاس النظام الإيراني في مواجهة تلك المظاهرات
والاحتجاجات إلا عن طريق القوة والقمع، وتلك الشراسة في مواجهة التيار الإصلاحي
وإيكال ذلك الملف للجهات الأمنية والعسكرية في السلطة، سيؤدي إلى ازدياد وتيرة
الصراع وليس القضاء عليه، خاصة أن الشعب الإيراني جرب الخروج في المظاهرات من أجل
إجبار السلطات على النزول على رأيه أو إزاحتها من طريقه، والحركة الإصلاحية تعي ذلك
تمامًا، يدل عن ذلك بعض الشعارات التي ترفعها مثل: "لا إصلاح بلا دماء".
ما يؤشر
أيضًا أن المستقبل يحمل مزيدًا من الصدام، هي العلاقات المتوترة بين المرشد خامئني
ورفسنجاني، وهو الشخصية التي كان من الممكن أن تعلب دور الوسيط بين الطرفين وإبعاد
رفسنجاني عن الدائرة المحيطة بخامئني تعني أن الأمور في طريقها لمزيد من التأزم
والصدام، والذي لن يكون في أي حال من الأحوال في مصلحة النظام
القائم.
فالمظاهرات الشعبية في الوعي الإيراني الجمعي والرسمي لها تأثيرها
القوي؛ لأن الثورة نفسها بدأت بنفس تلك الخطوات.
ولهذا لا نعجب أن نرى قوات
الأمن الإيرانية وهي تقمع المتظاهرين بكل قسوة وعنف.
فمنظر هذه الاحتجاجات يعيد
إلى الأذهان صورة نظام الشاة وسلطته أثناء قمعها للمظاهرات التي قام بها
الخميني.
ما يزيد من صعوبة الأمر على السلطة ويدل على أنها في مأزق حقيقي أن
قادة الحركة الاحتجاجية هم من تلاميذ الخميني ومن قادة الثورة الذين أسسوا لها
وعملوا على تثبيت أركانها، مما يَصْعُب معه وصفهم بأعداء الثورة أو العمالة
والخيانة؛ لأن تاريخهم لا يشهد لهم بذلك.
ومهما كانت قوة الأجهزة الأمنية أو
العسكرية فلن تستطيع الوقوف في وجه المعارضة الشعبية، فلقد كان الشاة يمتلك أكبر
جهاز شرطة سرية ( الساواك ) فضلاً عن جيشه الذي كان يوصف بأنه رابع جيش في العالم،
ومع ذلك فشل في القضاء على الاحتجاجات ضده.
لقد سعى نظام الملالي طوال العقود
الثلاثة لقمع كل صوت إلا صوته، حتى إذا انتهى من معارضيه بدأ يأكل بعضه
بعضًا.
وهذه حتمية تاريخية فكل أنظمة القمع الشمولية أعمارها قصيرة، فقد كانت
ثلاثة عقود من عمر الثورة الإيرانية كافية للبدء في منحى السقوط، وهي فترة في عمر
الشعوب لا تساوي شيئًا.
والنتيجة التي يخلص لها العديد من المراقبين هي أن كرة
الثلج بدأت في التدحرج وأن المعارضة الإيرانية تزداد كل يوم قوة.
فرغم كثير
الزعر الذي ينتاب كثير من الدول من التمدد الشيعي الإيراني، الذي تغزيه الهالة
الإعلامية حول ملفها النووي، وانتشاء الأقليات الشيعية في العديد من الدول العربية
إلا أن الحقيقة أن النظام الإيراني أضحى في أشد حالته ضعفًا.
فهو أولا محاصر
شرقًا وغربًا، بجانب أنه يعاني من أزمة داخلية طاحنة سواء سياسية أو
اقتصادية.
وما تدخلاته التي يصيح بها هنا وهناك ما هي إلا محاولات لفك الحصار
عنه، فتدخله في المسألة الحوثية على سبيل المثال هي محاولة منه لجذب ورقة في صالحه
قد تصلح للمساومة عليه في ظل حالة الحصار الشديدة التي يتعرض لها.
المسألة أيضًا
الجديرة بالاهتمام هو أن الغرب رغم ما يشار عن تعاونه الخفي مع النظام الإيراني
والذي لولاه باعتراف أقطاب النظام نفسه ما استطاع الغرب غزو إيران أو
أفغانستان، لن يدعم هذا النظام إذا بدأت شمسه في الزوال.
والخلاصة هو أن النظام
الإيراني ما هو إلا قط يحاول انتشاء تقليد صولة الأسد، لكن رضوخ من حوله وخشيته منه
جعلته يصدق نفسه أن فعلاً قوي وبيده أوراق اللعب في المنطقة، في حين أنه في حالة لا
تسمح له أن يسمك بأوراقه السياسية الداخلية.
مفكرة الإسلام
بمناسبة ذكرى عاشوراء محطة هامة في طريق الصراع بين السلطة الحاكمة في طهران
والمعارضة التي تبلورت حديثًا بعد ظهور نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة معربة عن
فوز أحمدي نجاد.
ومما يجعل تلك
المظاهرات أو الاحتجاجات ذات دلالة خاصة، أنها جاءت في مناسبة دينية يعتبرها الشيعة
الاثنا العشرية مقدسة، كما أن المناسبة نفسها تلقي بظلالها التاريخية، فالحديث
الدائم في تلك المناسبة ينصب حول المظلومية التي تعرض لها الإمام الحسين رضي الله
عنه، والدماء الطاهرة التي سكبت في ذلك اليوم، ما يعني أن المواجهات التي حدثت وسقط
فيها عدد من أفراد المعارضة الإيرانية تعيد إلى الأذهان نفس حالة الاضطهاد، وتضع
السلطة الإيرانية في موقف لا تحسد عليه.
ما زاد أيضًا من أثر تلك المظاهرات أنها
أعقبت وفاة آية الله منتظري، أشد معارضي نظام ولاية الفقيه.
وإن كان من دلالات
في تلك المظاهرات: فإنها أولاً قد أظهرت قدرة الزعماء الإصلاحيين على المبادرة، فلم
تعد المظاهرات مجرد ردود أفعال كما حدثت في أول مرة عقب إعلان نتيجة الانتخابات بل
أصبحت تتحين الفرص والمناسبات حتى تعبر عن نفسها.
الدلالة الأخرى استمرار الحركة
الاحتجاجية، فقد أمضى نجاد عشرة أشهر في الرئاسة وما زالت المظاهرات تتحين كل فرصة
للتعبير عن نفسها بالخروج في المظاهرات، وهذا يؤشر إلى أن هناك حركة معارضة آخذة في
التبلور حول أجندة وأهداف معينة وليس فقط مجرد احتجاج على عملية تزوير قد شابت
انتخابات رئاسة الجمهورية.
ومما يدل على ذلك تطور الشعارات، التي أصبحت تهاجم
مبدأ ولاية الفقيه علانية، وتطالب بتغيير ذلك المبدأ صراحة، وهذا يدل أن الحركة
الإصلاحية تبلورت لديها عدد من الأهداف السياسية وليس فقط مجرد احتجاجات على
الانتخابات.
الدلالة الثالثة: إفلاس النظام الإيراني في مواجهة تلك المظاهرات
والاحتجاجات إلا عن طريق القوة والقمع، وتلك الشراسة في مواجهة التيار الإصلاحي
وإيكال ذلك الملف للجهات الأمنية والعسكرية في السلطة، سيؤدي إلى ازدياد وتيرة
الصراع وليس القضاء عليه، خاصة أن الشعب الإيراني جرب الخروج في المظاهرات من أجل
إجبار السلطات على النزول على رأيه أو إزاحتها من طريقه، والحركة الإصلاحية تعي ذلك
تمامًا، يدل عن ذلك بعض الشعارات التي ترفعها مثل: "لا إصلاح بلا دماء".
ما يؤشر
أيضًا أن المستقبل يحمل مزيدًا من الصدام، هي العلاقات المتوترة بين المرشد خامئني
ورفسنجاني، وهو الشخصية التي كان من الممكن أن تعلب دور الوسيط بين الطرفين وإبعاد
رفسنجاني عن الدائرة المحيطة بخامئني تعني أن الأمور في طريقها لمزيد من التأزم
والصدام، والذي لن يكون في أي حال من الأحوال في مصلحة النظام
القائم.
فالمظاهرات الشعبية في الوعي الإيراني الجمعي والرسمي لها تأثيرها
القوي؛ لأن الثورة نفسها بدأت بنفس تلك الخطوات.
ولهذا لا نعجب أن نرى قوات
الأمن الإيرانية وهي تقمع المتظاهرين بكل قسوة وعنف.
فمنظر هذه الاحتجاجات يعيد
إلى الأذهان صورة نظام الشاة وسلطته أثناء قمعها للمظاهرات التي قام بها
الخميني.
ما يزيد من صعوبة الأمر على السلطة ويدل على أنها في مأزق حقيقي أن
قادة الحركة الاحتجاجية هم من تلاميذ الخميني ومن قادة الثورة الذين أسسوا لها
وعملوا على تثبيت أركانها، مما يَصْعُب معه وصفهم بأعداء الثورة أو العمالة
والخيانة؛ لأن تاريخهم لا يشهد لهم بذلك.
ومهما كانت قوة الأجهزة الأمنية أو
العسكرية فلن تستطيع الوقوف في وجه المعارضة الشعبية، فلقد كان الشاة يمتلك أكبر
جهاز شرطة سرية ( الساواك ) فضلاً عن جيشه الذي كان يوصف بأنه رابع جيش في العالم،
ومع ذلك فشل في القضاء على الاحتجاجات ضده.
لقد سعى نظام الملالي طوال العقود
الثلاثة لقمع كل صوت إلا صوته، حتى إذا انتهى من معارضيه بدأ يأكل بعضه
بعضًا.
وهذه حتمية تاريخية فكل أنظمة القمع الشمولية أعمارها قصيرة، فقد كانت
ثلاثة عقود من عمر الثورة الإيرانية كافية للبدء في منحى السقوط، وهي فترة في عمر
الشعوب لا تساوي شيئًا.
والنتيجة التي يخلص لها العديد من المراقبين هي أن كرة
الثلج بدأت في التدحرج وأن المعارضة الإيرانية تزداد كل يوم قوة.
فرغم كثير
الزعر الذي ينتاب كثير من الدول من التمدد الشيعي الإيراني، الذي تغزيه الهالة
الإعلامية حول ملفها النووي، وانتشاء الأقليات الشيعية في العديد من الدول العربية
إلا أن الحقيقة أن النظام الإيراني أضحى في أشد حالته ضعفًا.
فهو أولا محاصر
شرقًا وغربًا، بجانب أنه يعاني من أزمة داخلية طاحنة سواء سياسية أو
اقتصادية.
وما تدخلاته التي يصيح بها هنا وهناك ما هي إلا محاولات لفك الحصار
عنه، فتدخله في المسألة الحوثية على سبيل المثال هي محاولة منه لجذب ورقة في صالحه
قد تصلح للمساومة عليه في ظل حالة الحصار الشديدة التي يتعرض لها.
المسألة أيضًا
الجديرة بالاهتمام هو أن الغرب رغم ما يشار عن تعاونه الخفي مع النظام الإيراني
والذي لولاه باعتراف أقطاب النظام نفسه ما استطاع الغرب غزو إيران أو
أفغانستان، لن يدعم هذا النظام إذا بدأت شمسه في الزوال.
والخلاصة هو أن النظام
الإيراني ما هو إلا قط يحاول انتشاء تقليد صولة الأسد، لكن رضوخ من حوله وخشيته منه
جعلته يصدق نفسه أن فعلاً قوي وبيده أوراق اللعب في المنطقة، في حين أنه في حالة لا
تسمح له أن يسمك بأوراقه السياسية الداخلية.
مفكرة الإسلام