الجفري
القرون الماضية لم يألف الفن الحديث بسهولة بل وقف التقليديون موقف العداء من رواد
الفن الحديث ودارت معركة عنيفة بلا هوادة فيها بين رجال الأكاديمية الفنية الفرنسية
والفنانين الأكاديميين من جهة وجماعة الفن الحديث من جهة أخرى بل أن الأمور ازدادت
سوءاً عندما تدخلت أمور السياسة وقتها في أمور الثورة الفرنسية والتطلعات
المستقبلية في شؤون الفكر والإبداع
فمن المعلوم أنه في عام 1871م قامت في باريس حكومة تعرف باسم الكومون على أثر توقيع
الصلح مع ألمانيا غير أن المحافظين قد تمكنوا بعد قليل من حصار باريس ثم غزوها
ففتكوا بأنصار الحكومة الجديدة فتكاً ذريعاً ولكن الشعب الفرنسي وقف في وجه
المحافظين وأقام حكومة الجمهوريين الأحرار لحكم البلاد وانقشعت الغمامة رويداً
رويدا وبعدها أقبل الجمهور الفرنسي على تذوق لوحات الفن الحديث وسادت نزعة الفن
الحديث بين كثير من فناني العالم.
وكان الفنان ديجا أول من فاز بالشهرة بين
جماعة الفن الحديث وقد ابتدع أسلوباً خاصا في استخدام الألوان المنكسرة التي يزحف
بعضها على بعض كزحف الأمواج وقد اكسب هذا الأسلوب الفريد لوحاته شعشعة تألقاً
وشفافية مذهلة ولاغرو أن يعجب بأسلوبه هذا كثير من الفنانين الكبار من أمثال
الفنانة الأمريكية ماري كاسات وهي فنانة مشهورة عاشت فترة من حياتها في باريس
مشدودة إلى هؤلاء الفنانين المجددين في عاصمة الفن باريس وقد حملت ماري كاسات على
عاتقها إقناع الأمريكيين بقيمة لوحات الفنان ديجا لشرائها علما بأن والدها من أصحاب
البنوك الكبار في أمريكا وعاشت في باريس فيما بين عامي 1868 و1874م وهي فترة
الغليان الثوري وشدة المعارك بين جماعة الفن الحديث ومناهضيهم.