مصطفى الدفعي
والمؤمنين جميعاً بالقول الصادق الذي يراد به الوصول إلى الحق والصواب "يا أيها
الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً"، وقد أناطه سبحانه وتعالى بالتقوى
فتكون النتيجة ما أوضحته الآية التالية "يصلح لكم أعمالكم" ويوجه القرآن الكريم
المؤمنين في أكثر من آية إلى تسديد القول وأحكامه والتدقيق فيه ومعرفة هدفه واتجاهه
، على أن التقوى والقول السديد المحكم أياً كانت منزلتهما..
فإنه لابد وأن يعود
إليه سديد القول.
هذا الأساس هو
الالتزام الذي هو بمعنى آخر الإيمان بالله وبرسالته وذلك ما أشارت إليه الآية
المعجزة "وإنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال.."، والأمانة هي الصفات
التي ميز الله سبحانه وتعالى بها الإنسان عن غيره، وكانت منشأ تكليفه بالطاعات،
التكليف المستند إلى العقل البشري المفكر المنتج ، وحرية الإرادة ، هذه الهبة التي
وهبها الله للإنسان لتكون مناط الاختيار والالتزام وبالتالي التكليف والمسؤولية، في
حين أبت السماوات والأرض والجبال أن تلتزم لأنها لا تملك العقل وبالتالي لا تملك
الاختيار فهي تعرف بآرائها وتهتدي إلى ناموسية وتطيع وتجري وفق هذا الناموس وتؤدي
وظيفتها بحكم خلقتها وطبيعتها غير شاعرة ولا مختارة أما الإنسان فقد أقدم على قبول
هذه الأمانة لأنه يعرف الله خالقها وشعوره ، ويهتدي إلى نواميسه بتدبره وبصره ويعمل
بمحاولته وجهده ..
ويطيع الله بإرادته وهو في كل خطوة من هذه الخطوات: يريد
..
يدرك ..
يختار طريقة وهو يدري إلى أين يؤدي هذا الطريق، إنها أمانة ضخمة
حملها هذا المخلوق الصغير الحجم القليل القوة الضعيف الحول، المحدود العمر وأنها
لمخاطرة عظيمة أن يأخذ على عاتقه هذه التبعة الثقيلة فهو ظلوم لأنه من شأنه أن يكون
عادلاً ولم يعدل وهو جهول لأنه من شأنه أن يكون عالماً ولم يعلم فأما حين ينهض
بالتبعة فيعرف ويهتدي ويطيع ويؤدي حين يصل إلى هذه الدرجة وهو واع مدرك ، مريد فإنه
يصل حقاً إلى مقام كريم ومكان بين خلق فريد...إنها الإرادة والإدراك والمحاولة وحمل
التبعة، هي ميزة هذا الإنسان على كثير من خلق الله وهي مناط التكريم الذي أعلنه
الله في الملأ الأعلى وهو يُسجد الملائكة لآدم وأعلنه في قرآنه الباقي وهو يقول
"ولقد كرمنا بني آدم" ليعرف الإنسان مناط تكريمه عند الله ولينهض بالأمانة التي
اختارها ، ولا ينسى العهد فيكون العذاب والعقاب لكثيرين حين يظهر نفاق المنافق وشرك
المشرك..
" ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات، ويتوب الله
على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً" والنفاق، هذه النقيصة الخلقية
يتشكل الإنسان المتصف بها وفق الجو الذي يعيش فيه موارياً الخبث الداخلي الذي لا
يخالطه نور الإيمان.
ولا يقل عن المنافق خبثاً وشراً ذلك الذي يخون الأمانة
جهراً ،وأمام هاتين الفئتين الضعيفتين من الناس يبرز إيمان المؤمن سامقاً سموق
الأمانة التي التزم بها صادقاً صدق المبدأ الذي آمن به، ووقف عنده، وأمام هذه
الفئات الثلاث في الحياة الإنسانية يقف الإنسان المستنير ليختار بين نفاق جبان أو
شرك فاجر أو إيمان سام راسخ ..
وماذا بعد الحق إلا الكفر ...؟ والله من وراء
القصد.