يكون سفير القلب عندما يريد أن يفي ولو حتى بجزء بسيط لعظماء الرجال ومعالم
الأمة.
وتتبدل الأزمنة وتتقلب النفوس لكن العظماء لا تتبدل ولا تتغير وما يبقى
حياً في الذاكرة يبقى حياً في القلوب والأرواح معاً وكل ما يتسرب من بين أصابعنا لا
أهمية له سوى العمر أو الحياة فإنها أغلى الأشياء التي يمكن الحرص عليها.
لكن الذي لفت أنظاري أكثر هو ذاك
الرجل المقدام الضرغام اللواء الركن/ محمد بن عبدالله القوسي الذي يشغل منصب وكيل
أول وزارة الداخلية وقائد شرطة النجدة، وهو أهل لذلك القيادي الشاب الذي جعل من
نفسه وهمه الوفاء والتضحية لهذا الوطن المعطاء فهو في ميدان علمنا دروس في الإقدام
وهو في ساحة القيادة قيادي محنك فهو الأب والأخ لأفراده، قريب من القلوب تحبه
القلوب وتثني عليه وتدعو له فكان محل نظر إعجاب.
أتيت يوماً أسأل عنه لأمر ما
فكنت أتوقع أن يكون في الغرف البهية وفي الأماكن المحصنة وعندما بحثت عنه أخبرني
أحد المقاتلين أنه في المترس وعندما حاولت الوصول إليه كنت أمشي بخطوات سريعة مطئطئ
الرأس منحني القامة وذلك لخطورة المكان الذي تنهال عليه الرصاص من كل جانب وما أن
وصلت إلى المكان حتى رأيت ذلكم الضرغام قابضاً على زناد بندقيته يوجهها على صدور
أولئك الخونة ولم يكن بجانبه سوى اثنين فقط من رفاقه والشمس على رؤوسهم فقلت له
متوسلاً ليس هذا بالمكان الذي ينبغي أن تكون فيه، نحن سنكفيك هذا المكان خوفاً منا
عليه فتوسلت إليه ورجوت منه ذلك إلا أنه أجاب في فصيح العبارة: الوطن غالي على
قلوبنا ولابد أن نقدم لهذا الوطن من دمائنا وأرواحنا حتى يسعد أبناء شعبنا ووطننا
الحبيب فقلت في نفسي إيه إيه، لله در أبوك يا له من مسعر حرب ، لو كان يريد أن يعيش
عيش الأمراء لفعل ولكنه يحمل بين جوانحه نفساً ذات ضمير حي تتألق وتتسامى.
إلا
أن الذي ألمني ويحز في نفسي أولئك الحثالة من الناس أراذل القوم الذين تطاولوا على
كرام القوم هذه قطرة من فيض من أخلاقيات العظماء أمثال القائد أبو رائد الذي
تناولته الألسن المسلوقة والقلوب الحاقدة والنفوس المريضة والأقلام المسمومة لكن يا
أبو رائد واصل المسيرة ودع القافلة تسير ما دامت الكلاب تنبح ولله در الشاعر حيث
قال: أما ترى البحر تعلو فوقه جيف وتستقر بأقصى قعره الدرر وفي السماء نجوم لا عداد
لها وهل يكسف إلا الشمس والقمر فليس غريباً فهو الذي يصول ويجول وينتقد ويتابع
مجريات الأمور في جبهة القتال وقد تعرض مراراً وتكراراً للقنص المباشر في كل مترس
وفي ساحة القتال دون خوف أو تراجع وكانت عناية الله تحيطمه.
علماً أنه فارق
الأهل والأحباب والأولاد والدور لأشهر ويكفيك فخراً يا أبو رائد أن القلوب تحبك
وتدعو لك وليخسأ الخاسئون.