العزيز المقالح
موضوعية لا يختلف عليها اثنان، وهي حقيقة أن العرب أبناء أمة واحدة وأن مشكلاتهم
المتفاقمة لا تحل في وجود التجزئة ولن يستقيم لهم أمر إلا بوحدة تجمع شملهم وتوحد
مواقفهم تجاه كل القضايا التي يواجهونها داخلياً وخارجياً، وليس مهماً شكل الوحدة،
اندماجية أو اتحادية، يكفي وجود هذه الكيانات المتشظية في شكل الولايات المتحدة
الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي على أضعف الإيمان.
فحالة الانقسام السائدة لا تشجع الأعداء فحسب، وإنما تؤدي إلى
التفتيت الداخلي وانتصار مفهوم التجزئة وتوسيع الكيانات الصغيرة.
والصورة
الراهنة للوطن العربي نموذج صارخ وبائس لما يمكن أن يكون عليه الحال إذا ما استمرت
الأمور كما هي من دون تغير محسوس وملموس.
الوطن العربي المفتت أساساً، المنقسم
على نفسه، في طريقه إلى المزيد من التفتت والانقسام، والعقلاء والجهلاء من أبنائه
يدركون على حد سواء أن التفتت الحالي هو سبب معاناة هذه الأمة وسبب تزايد أطماع
الآخرين بها، لكن متى كانت المعرفة وحدها سبيلاً إلى مواجهة المخاطر والأطماع، إذا
لم تقترن بالعمل والإنجاز اليومي المتواصل والملاحظ، بل والسائد المشاع عن العرب
عموماً أنهم نجحوا في أداء دور النعامة التي تدفن رأسها في الرمال اعتقاداً منها
أنها بذلك الفعل الغبي قد نجت من مطاردة الأعداء وأصبحت في مأمن تام من مواجهة
المخاطر، هكذا هو شأن الفكرة السائدة عن عرب اليوم ومنذ نكبة فلسطين، وما تلاها من
نكبات داخلية وخارجية، ومن تهديدات جارحة للأمن والسيادة.
لقد توهمت بعض الأقطار
العربية إن لم تكن كلها- بعد تكوين الدويلات القطرية- أن كل شيء على ما يرام وأن كل
قطر قادر على التعامل مع دول العالم بندية وأن لا خوف يساور قطريتها التي كانت
سبيلاً إلى المزيد من الانعزال والتفتت الداخلي واتساع دائرة الانكماش داخل القطر
الواحد، مع ظهور تداعيات سلبية تجعل من التعايش داخل القطر المنكفئ على نفسه أمراً
مستحيلاً، لا سيما حين تتحول التداعيات المؤسفة إلى تحديات سياسية وطائفية كما يحدث
في كل الأقطار العربية من دون استثناء، وإن حاولت بعضها إخفاء ما تعانيه من دعوات
انقسامية، طائفية ومذهبية.
دعونا- إذن- نصارح أنفسنا بالحقائق المرة وننظر
بمصداقية إلى الحل الموضوعي الذي لا حل غيره من خلال رؤية كلية تقوم على بناء الأمة
العربية الديمقراطية القادرة على الوقوف في وجه كل الأعاصير والتحديات وحل مشكلاتها
بقدرتها الذاتية وبما تمتلكه من طاقات بشرية ومادية وما ينبض في صدور أبنائها من
أحلام وآمال.
ومن هنا فلا مكان في المدى القريب أو البعيد لأي حل إيجابي
للمشكلات السياسية والاقتصادية في الوطن العربي إلا بالوحدة التضامنية وفي قطع دابر
الخلافات التي كانت ولا تزال سبباً رئيساً في تأخر العرب وعجزهم عن مواجهة الأخطار
التي تحيط بهم من كل مكان، وأي بحث عن حلول خارج هذا المنطق الموضوعي ليس سوى سراب
خادع "يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا" صدق الله العظيم.