مصطفى الدفعي
روحاً من عمرهم وهم في غفلة منه ويفاجؤون أنهم بلغوا المحطة الأخيرة من العطاء
العملي أي أنهم بلغوا أحد الأجلين في حياتهم بين إكمال سنين الخدمة المقرة قانوناً
أو أطفؤوا الشمعة الستين من عمرهم ويقررون معها أن يطفئوا كل
حياتهم..
أو قد يتصورون أن الحياة
هي التي أغلقت أنوارها أمامهم، فأصبحوا وحدهم.
هؤلاء هم آباؤنا الذي أعطى لهم
القانون شاهدة راحة أو تقاعد بعد رحلة عمل وكفاح بعد بلوغ الستين ..
فأصبحوا على
المعاش.
هؤلاء هم بعض من آبائنا الذين أعطوا لأنفسهم شهادة وفاة وهم أحياء وإذا
سألتهم عن سر تشاؤمهم قالوا لك نحن خلاص متقاعدين لا أحد يحتاجنا.
هؤلاء هم
آباؤنا الذين إذا نظرنا في عيون الكثيرين منهم نتألم في قلوبنا..
لا ..
لأنهم
مثار شفقة ، ولكن لأنه من الصعب أن ترى أعز من تحب يقرر أسدال الستائر وإنزال كلمة
النهاية، وبدلاً من أن تسمع صوت التصفيق والسعادة للأسف..
هؤلاء هم آباؤنا الذين
عاشوا حياتهم أسرى الوظيفة والعمل والتربية للأبناء وهموم جميع المال لتأمين مستقبل
الأسرة والذين يشعرون بانتهاء الدور العظيم في الحياة بمجرد أن يتزوج الأبناء ويذهب
كل منهم إلى حال سبيله، وليس بعيداً أن نسمع على ألسنة بعضهم العبارة القاسية
الشهيرة "خلاص..
نحن بقينا عاطلين زي الخيل الذي يكبر ويطلقوا عليه النار ما
أبشعه من موقف ونحن نسمع ذلك منهم وما أبشعها من عبارة..
إن مسؤوليتنا كبيرة
تجاه هؤلاء حكومة وأبناء ..
علينا رد الجميل لهم بأجمل والعمل على توفير كل
الضمانات لهم لإراحتهم في السنين الباقية من عمرهم ، رغم أن ذلك لا يعوض سنين عمرهم
التي أضاعوها من أجلنا.
لقد مر الإنسان بتجارب عديدة خلال مختلف المراحل
التاريخية هذه التجارب أكسبته خبرة لمعرفة الكثير من الأمور منها معرفته بوجود
ونقيضين من صنوف البشر، أحدهما بناء والآخر هدام أحدهما يمضي في ركاب غرائز التدمير
والموت والآخر يسعى في مواكب الحياة ويكرس جهده لازدهارها وتقدمها ، وأن الذي لم
يكل من إشعال الحروب والغش والانتشاء بالموت - موت الآخرين بالطبع - لا يمكن أن
يستوي مع الذي لم يكل من غرس الأرض الموات لتدب فيها الحياة والاخضرار لتزدهر بكل
الحيوات التي تتداعى عطشاً إلى مناهل هذه الحياة ، والله من وراء
القصد..