أونلاين
الأميركية على الإرهاب"، إلا أن يصاب بالدهشة من الإجراءات الجديدة التي اتخذتها
السلطات الأميركية بحق المسافرين القادمين إلى الولايات المتحدة من ضمن الأربع عشرة
دولة التي صنفتها واشنطن دولا "راعية للإرهاب" وأن رعاياها موضوعون تحت "مسجل خطر"
يمكن أن يتسرب مع أي من هؤلاء "إرهاب ما"، قد يعيد سيناريو هجمات 11
سبتمبر.
وما يثير الاستغراب حقا،
هو أنه في الوقت الذي تقول فيه الإدراة الأميركية إن حربها على الإرهاب بلغت نتائج
ايجابية وحققت نسبا مئوية عالية في القضاء على الجماعات الإرهابية عبر العالم، نجد
أن هذه الإدارة ذاتها، ومن خلال سياساتها الاستعدائية لا تريد لهذه الحرب أن تنتهي،
ولا تريد أيضا لأسبابها أن تزول، بل واقع الحال يؤكد أن الولايات المتحدة ماضية في
هذه الحرب، وهي تتكفل بايجاد الذرائع لها لتطول أكثر، وتوفر لها من الوقود ما
يجعلها أطول حرب.
وليس هناك من تبرير لقائمة الممنوعات التي سلمتها السلطات
الأميركية إلى هيئة الطيران المدني السعودية والخطوط الجوية السعودية، الخاصة
بالإجراءات ضد المسافرين السعوديين بالذات، إلا أن يصب في ما سبق ذكره، فالقراءة
المتملية لجملة الممنوعات والمسموحات، لا يمكن أن تكون إجراءات تضمن السلامة
والأمن، بقدر ما هي دافع كبير لشرائح واسعة من المستهدفين للانتقام ورد الفعل،
وربما بطرق أشد ايلاما وقوة من تلك التي شهدها العالم حتى الآن، كما لا نبالغ عندما
نقول إن تنظيم القاعدة، ومن والاه من التنظيمات التي تدور في فلكه، أنها استعادت
شبابها مجددا بالإعلان عن هذه الإجراءات، أما عندما يتم تنفيذ لائحة التفتيش وتبدأ
أصوات الاستنكار والاشمئزاز قادمة من المطارات الأميركية، فإن الصدى سنسمعه في
مناطق عديدة من العالم الإسلامي، وخصوصا في الدول التي هي الآن مسرح المواجهة بين
واشنطن و"الإرهابيين".
أغلب ما ورد في اللائحة المستهدفة للرعايا السعوديين
والمغادرين لمطاراتها على سبيل، يتجاوز كونه تراتيب أمنية احتياطية، بقدر ما هي
انتهاكات مبيتة، لا يقبلها المنطق والعرف والدين، فهذه ممارسات لا تنفذ حتى مع عتاة
المجرمين، أما إذا كانت مع مدنيين رجالا ونساء فإن أقل ما توصف به هو أن إجراءات
استفزازية، لا تحترم كرامة الكائن البشري، ولا تضع وزنا لأي خصوصية أو حرمة، فما
الذي يعني أن يمنع المسافرون من مطارات السعودية إلى الولايات المتحدة من دخول
دورات المياه قبل ساعة من وصول الطائرة إلى المطار الأميركي، كما يمنعون من تغطية
أجسامهم بالبطانيات ويحرم عليهم معرفة موقع الطائرة أو القبلة، كما يخضعون للتفتيش
اليدوي الذي يشمل مؤخرة الراكب والمناطق الحساسة، ويتساوى في ذلك الرجال والنساء،
والشبان والشيوخ.
من الطبيعي جدا أن تعلن الحكومة السعودية رفضها هذه الإجراءات،
وتعتبرها مساسا بكرامتها قبل كرامته مواطنيها، والأمر نفسه ينطبق على الدول الأخرى
المستهدفة بهذه الانتهاكات المبيتة والممارسات المشينة، وفي تقديرنا أن بوادر
الأزمة الدبلوماسية التي بدأت بين واشنطن والرياض، ستمتد لتضم عواصم أخرى، وهي
وضعية لن تساعد بكل الأحوال إحلال الأمن والسلام في العالم، وستنسف الجهود التي
تدعي الإدارة الأميركية أنها تقوم بها لتحسين صورتها بين المسلمين.
لا نعرف،
بالضبط، إن كانت هذه هي الصورة الحسنة التي وعد بها الرئيس الأميركي باراك أوباما
في خطابه إلى العالم الإسلامي من منبر جامعة القاهرة في الرابع من حزيران الماضي،
هي هذه، أي معاملة المسلمين القادمين إلى الأراضي الأميركية، على أنهم كائنات أحط
من الحيوانات، يقادون من مخفر إلى مخفر، ومن ماسحة ضوئية إلى أخرى، مع ما يستتبع
ذلك من تفتيش بالأيدي والأصابع في عورات المسلمين والمسلمات، بحجة البحث عن قنابل
لاصقة ربما يخبئها أحدهم لتفجير طائرة أو مطار، وبالتالي تهديد أمن بلاد العم
سام.
هذه الإجراءات التعسفية لن تجلب الأمن لأميركا بل ستجعلها في كابوس دائم،
وعوض أن تحسن صورتها كما وعد أوباما وتعهد، هاهي تكرس صورة القوة المتغطرسة المهينة
لكرامة شعوب الأرض، والمسلمين والعرب على الخصوص، وسجلها حافل بالانتهكات من أبو
غريب العراقي إلى غوانتانامو بخليج كوبا مرورا بفضائح السجون السرية، ويبدو أن كل
ذلك لم يشبع "الطغمة" المتغطرسة في واشنطن، ويدفعها لتجعل من كل مطار من مطاراتها
غوانتانامو أو أبو غريب مخصص على المقاس للقادمين من الدول "الراعية
للإرهاب".
ربما تنسى أميركا أن الدول العربية والإسلامية وبالذات الواردة في
قائمتها، هي أكثر الدول اكتواء بنار الإرهاب، والكثير منها دفع عشرات الآلاف من
أبنائه ثمنا لتصديه للجماعات المتطرفة، وإذا كانت هناك دول تتسرع إلى القضاء على
الإرهاب وهي الدول التي أصبح رعاياها مستهدفين أميركيا.
الكثير من الحكماء أعطوا
وصفات تخلص العالم من الآفة، من ذلك رفع الإهانة عن الشعوب العربية والإسلامية،
وتمكينها من حقوقها، وفي الرسالة الأخيرة التي نشرت لزعيم تنظيم القاعدة أمس، جدد
تهديده للولايات المتحدة، وقال لازمة دأب على تكرارها وهي أن "الولايات المتحدة لن
تحلم بالأمن حتى نعيشه واقعاً في فلسطين"، وإذا كانت أميركا لا تعلم، فعليها أن
تعلم ما يعيشه الشعب الفلسطيني من ظلم تاريخي، يعد أكبر شاحن ل "الجماعات
الجهادية" في مختلف العالم الإسلامي، وطالما لم تحل هذه القضية ولم ينصف شعبها، فإن
ما تعتبره أميركا "إرهابا" سيتواصل والأمن الذي تحلم به لن تنعم به.
ما نطلبه من
العقلاء في أميركا، إن كان فيها عقلاء، أن يعيدوا النظر في جميع سياسيات الولايات
المتحدة تجاه العالم الإسلامي، وقضاياه، وعلى الرئيس أوباما، إن كان ما زال يمتلك
بعضا من المصداقية، أن يتحرك الآن لوقف هذه المهازل، أما إذا أراد أن يصب مزيدا من
الزيت على النار، فلن يجلب لبلده والعالم غير الخراب، وهذا ما لا نريده لأحد بما
فيها أميركا.