;

البعث في التصور الأمريكي لمستقبل العراق 1025

2010-01-27 04:07:16

السفيرد.عبدالله الأشعل


من الواضح أن النخبة السياسية في العراق التي ظهرت
في ظل الاحتلال الأمريكي مصرة علي استبعاد الخصوم السياسيين من المشاركة في بناء
النظام السياسي بالتفاهم مع الاحتلال.
فقد قررت لجنة الانتخابات بالعراق أن
تستبعد من الترشيح كل من له علاقة سابقة بالبعث العراقي.
ولا يمكن فهم مدلول هذا
الموقف إلا بالرجوع إلي تصور الولايات المتحدة لعراق بلا بعث، وقد استغلت في

ذلك عدداً من الاعتبارات بحيث بدا
الموقف الأمريكي الذي التزمت به النخب السياسية وكأنه موقف الشعب العراقي.
فمن
الواضح أن الولايات المتحدة تعاملت مع العراق من منظورين، الأول والأهم وهو أن
العراق يحسب علي أنه الجناح الشرقي للأمة العربية بقطع النظر عن إساءة استخدام هذا
العنوان لظروف معينة.
أما المنظور الثاني فهو العلاقات الاقليمية في الخليج
وخاصة إيران.
فمن المعلوم أن الولايات المتحدة قد تصورت المنطقة العربية علي شكل
يناسب إسرائيل وقدرت أن مصر والعراق هما أكبر خطرين علي إسرائيل، كما قدرت أن هوية
المنطقة تقوم علي العروبة والإسلام ولذلك قررت ضرب مصادر الهوية في المنطقة، ولذلك
لا يمكن فهم السياسات الأمريكية في المنطقة بعيداً عن هذا السياق.
وفي هذا
الإطار فإن تخطيط الولايات المتحدة لغزو العراق لم يكن ممكناً إلا بضرب العروبة
والمشروع القومي عام 1967 ثم باتفاقية السلام عام 1979، وتبع ذلك ضرب الإسلام في
أحداث 11 سبتمبر خاصة وأنه صار مؤكداً أن واشنطن كانت قد أعدت قبل 11 سبتمبر مخططاً
لما بعده يشمل غزو العراق أولاً، ولكن الذرائع لم تكن كافية فتقرر غزو أفغانستان
أولاً.
ولعل المراقبين قد لاحظوا أن واشنطن اعتبرت غزو العراق ضربة للعروبة
والإسلام في وقت واحد، ولذلك أجهدت نفسها لكي تجعل من افتراض وجود القاعدة في
العراق من مبررات الغزو.
ولا أظن أننا بحاجة إلي تفصيل الخطوات التي ضربت بها
العروبة من عام 1967 حتي غزو العراق عام 2003، كما لا يتسع المقام لتفصيل الجهود
الكثيفة التي بذلت لضرب الإسلام وربطه بالإرهاب، فقد فصلنا هذين المحورين في دراسات
متخصصة.
يكفي أن نشير تطبيقاً لذلك إلي أن بول بريمر الحاكم المدني للعراق
المحتل بدأ عهده بحل الجيش العراقي ومطاردة البعث والبعثيين، ثم استصدار قانون
اجتثاث البعث، كما أورد في عدد من قررات مجلس الأمن أحكاماً تعتبر أعضاء البعث
والنظام السابق مجرمين يتوجب ملاحقتهم قضائياً، وعلي رأسهم الرئيس صدام
حسين.
وقد استندت واشنطن في ملاحقة البعث إلي أنه بنفس إجرام القاعدة، وكلاهما:
البعث والقاعدة محل تجريم من حيث المبدأ.
استفادت واشنطن من مغامرات صدام حسين
مع إيران وغزوه للكويت، وكلها فصول ساهمت الولايات المتحدة في صنعها حتي تجهز الملف
للحظة الفارقة.
وبذلك أصبحت ملاحقة البعث تعني التمسك الأعمي أو استغلال العروبة
للقيام بهذه المغامرات لجلب الخطر علي سلام المنطقة، تماماً كما فعلت واشنطن مع
النازية والنازيين في ألمانيا وطبقت برنامج اجتثاث النازية DENAZIFINATION، ولذلك
فإن تجربة ألمانيا النازية كانت حاضرة في ذهن المخططين الأمريكيين في تعاملهم مع
ملف البعث بحيث تصبح لعنة البعث غير قاصرة علي ضرب البعث العراقي الحاكم، وإنما
تمتد إلي البعث السوري وكل فكر بعثي أو قومي عربي، لأن العروبة في نظر واشنطن هي
العنصر الموحد للعرب للحفاظ علي الجسد العربي ضد إسرائيل، ولكن العروبة للأسف
استخدمت من جانب صدام حسين لضرب العروبة ما دام احتلال الكويت قد تم باسم العروبة
والإسلام.
في هذا السياق لابد لأن ننبه إلي أن حزب البعث كان يضم كل أطياف
العراقيين السياسية، وأنه الحزب الحاكم الذي أجبر الناس علي الانضمام إليه إما
بالقوة أو بإغراء المزايا كما يحدث عادة في دول الحزب الواحد أو القاهر.
معني
ذلك أن البعث كان يرمز إلي سياسات العروبة، وسياسات العدوان علي الكويت، وسياسات
تهديد المصالح الأمريكية ولو بطريقة شكلية أو متوهمة، باعتبار أن الاستراتيجية
الأمريكية قد استفادت تماماً من مغامرات صدام حسين، كما يعني البعث أخيراً الهجوم
علي إيران.
ولذلك فإن ملاحقة البعث تهم إيران ودول الخليج التي تضررت من هذه
السياسات، والغرب وإسرائيل والعراقيين الفارين من بطش النظام البعثي في العراق،
والأكراد المناهضين لعروبة العراق.
معني ذلك أيضاً أن الولايات المتحدة تريد أن
يكون العراق الجديد من العناصر التي تناهض البعث كنظام وكرمز عربي.
ولما كانت
المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي تضم البعث أساساً، كما أن الدعايا الأمريكية
ضد المقاومة ووصفها بالإرهاب واعتبار قمعها جزءاً من الشرعية الدولية، فإن العراق
الجديد يراد له أن يتشكل من المتعاونين مع الاحتلال والأبرياء من دم القوات
المحتلة.
وفي نفس الوقت فإن تذمر الدول العربية من استبعاد العنصر العروبي من
العراق الجديد تحت ستار البعث يحرج هذه الدول، وهو ما انعكس في تعبيرات مبهمة غاضبة
من بعض الدول العربية خاصة وأنها لا تستطيع لأسباب كثيرة أن تجاهر بأن ذلك التيار
هو رفع للشيعة والأكراد علي حساب السنة.
فكيف يمكن أن يعثر العرب علي خطاب سياسي
وجهد جماعي يجهض هذا الاتجاه الخطير داخل العراق، والذي ينسجم مع الرغبة الدفينة
لواشنطن في القضاء علي عروبة العراق في الدستور الدائم الذي وضعته للعراق وفي
سياساتها العملية علي الأقل منذ عام 1991.
وأخيراً، يجب أن ننبه إلي أن البعث قد
ارتبط ببعض السياسات المرفوضة، ولكنه من تيارات القومية العربية، ولكن واشنطن سوت
بين البعث والنازية، فمن ينهي هذا التعميم الأعمي الذي ينطوي أصلاً علي ضرب
العروبة.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

محمد المياحي

2024-09-21 22:40:48

عن سبتمبر

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد