;

"الإخوان"... والمرشد الثامن 1174

2010-01-30 04:05:33

خليل علي
حيدر


أعلن مرشد جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر
"المنتهية ولايته"، محمد مهدي عاكف، تعيين د.
محمد بديع مرشداً عاماً جديداً
للجماعة.
وقال عاكف إن اختيار خلفه، تم بموافقة "جميع أعضاء مجلس الشورى العام
وأعضاء مكتب الإرشاد وإخوان الخارج (مجلس الشورى العالمي)".
والمرشد الجديد
د.
محمد بديع عبدالمجيد سامي، من مواليد 1943/8/7، وهو أستاذ في الطب
البيطري.

وكان قد حكم عليه
بالإعدام وخُفف الحكم إلى المؤبد! وجاء في الصحف أنه ينتمي إلى "الجناح المحافظ"
الذي يسمى "جناح القطبيين"، نسبة إلى المفكر الإخواني البارز "سيد قطب" صاحب كتابي
المعالم وتفسير الظلال وكتب أخرى.
ويتولى المرشد الجديد منذ عام 1994 كما قيل،
"ملف التربية في الجماعة"، أي على الأرجح التعبئة الحزبية، وربما توليد العزلة
الفكرية والشعورية في عناصر التنظيم.
وربما يواصل الاحتفاظ لنفسه بهذا "الملف"
الذي يرى أن جماعة "الإخوان" لم تفه حقه، بتركيزها على العمل السياسي.
وهو إصرار
واهتمام لا يخلو من دلالة سياسية وربما يشير إلى المزيد من تعزيز السرية والحزبية
في "الإخوان"، إزاء من يطالب الجماعة، حتى من الداخل، بالشفافية السياسية.
لعبت
جماعة "الإخوان المسلمين" منذ تأسيسها في مصر عام 1928 دوراً خطيراً في الحياة
الدينية والاجتماعية والثقافية وبالطبع السياسية ثم الاقتصادية للعالم العربي،
وبخاصة في مصر وبلاد الشام والدول الخليجية.
وما لبث هذا التأثير بمختلف أبعاده
أن انتقل إلى العالم الإسلامي ثم إلى الأوساط الإسلامية في أوروبا والولايات
المتحدة.
وقد قام "الإخوان" بتسييس الدين، وأدلجة العقيدة، في سائر الدول التي
تواجدوا فيها، وصبغوا كل مجالات الحياة برؤيتهم الخاصة للدين، فضيقوا الخناق بذلك
على حرية الفكر والتحديث وتقدم المرأة والانفتاح بكل صوره، وحاصروا الأقليات
الدينية والمذهبية، وأنزلوا بالثقافة العربية ومحاولات تجديدها أضراراً لا حصر
لها.
وصف "الإخوان المسلمون" دعوتهم بصفات تعطيهم حرية واسعة في التحرك
والمناورة، فهم دعوة سلفية، لأنهم "يدعون إلى العودة إلى الإسلام"، وطريقتهم طريقة
سُنيَّة، "لأنهم يُحمِّلون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة"، وجوهر جماعتهم حقيقة
صوفية، "لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس ونقاء القلب"، ولكنهم كذلك هيئة
سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية وثقافية وشركة اقتصادية وفكرة
اجتماعية. . .
ومن المستحيل كما يشهد الواقع، الجمع بين كل هذه
المنطلقات.
ينبغي للأخ المسلم من "الإخوان" أن ينضج على نار هادئة! وهذا ما نراه
مفصلاً في كتبهم، وهو ما حرص عليه المرشد الجديد عندما خطط لتعميق الاهتمام بما
أسماه التربية.
من بين قواعد تربية الدعاة مثلاً، "التدرج في الخطوات"، كما
يسميها أحد مفكريهم- د.
توفيق الواعي- فكل دعوة يقول، لابد لها من مراحل
ثلاث.
مرحلة الدعاية والتعريف، ومرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود
وتعبئة الصفوف، ومرحلة التنفيذ.
ولا شك أن للتربية أهمية محورية في الحركة
الإسلامية، ولكن للإسلاميين عموماً والدعاة خصوصاً ملاحظات مريرة في هذا
المجال.
يقول الإسلامي التونسي صلاح الدين الجورشي: "الحركة الإسلامية من
التنظيمات القليلة التي تحيط بأعضائها وتحدث فيهم تغييرات جوهرية، وتدخلهم فعلاً في
عالم متميز وحالم.
ولكنها بعد أن تصنع ذلك وتنجح فيه، تبرز للوجود شخصية أخرى من
أهمها: نظرة ثنائية للعالم، لا ترى فيه إلا خيراً وشراً، إيماناً وكفراً، إسلاماً
وجاهلية، أنصاراً وخصوماً.
وتتجه هذه النظرة بقوة إلى تنزيه الذات وتدنيس الآخر
(الخصم - المجتمع - الحاكم - الدولة - بقية العالم)، فيفقد بذلك الفرد القدرة على
التحليل والتفكير".
ومن سلبيات الحركة الإسلامية في هذا المجال، يضيف، "السعي
للتماثل وتطابق الشخصيات، وذلك بتضخيمهم مبدأ القدوة وتقليص الفردانية.
والتخطيط
المحكم لتحقيق وحدة التفكير، إلى درجة تنظيم مطالعات الفرد وعدم السماح له بحرية
الاحتكاك بمصادر الفكر المختلفة، خوفاً عليه من التأثر والانحراف! وتكون النتيجة
ضعف المستوى العام للأفراد في المجالات النظرية".
(الحركة الإسلامية: أوراق في
النقد الذاتي، تحرير د.
عبدالله النفيس، ص134).
ويضيف "الجورشي" أن مثل هذه
التربية الحزبية لا أصل لها في السيرة النبوية، والكيفية التي ربى بها صاحب الدعوة
الصحابة: "إن عمر يختلف عن أبي بكر، وعثمان يختلف عن علي، وبلال مغاير بشكل واضح عن
أبي ذر، ونادراً ما تجد صحابياً احتك مباشرة وعن قرب بالنبي تتطابق شخصيته مع آخر
عاش معه نفس الظروف، وذلك بالرغم من وجود القدوة التي هي النموذج الأعلى".
ومن
منتقدي التعصب الحزبي لدى الإخوان د.
عبدالله أبوعزة الذي التحق بحركة "الإخوان"
وعمل معها عشرين سنة 1952-1972، ثم استقال لاختلافه مع الفكر، الذي كان سائداً في
الحركة خاصة بالنسبة لمبدأ الشورى وإلزاميتها، واعتراضه على فكرة تكفير المجتمع
ونقده لكتاب "معالم في الطريق" لسيد قطب.
ويعترض د.
أبوعزة كذلك على إلزام
الأعضاء بفكر قادة الحركة، فالإسلاميون، يقول، "يتقيدون بتراث مؤسسي الحركة وفكرهم
والأنماط التنظيمية والحركية التي اختاروها، وبذلك يحرمون أنفسهم من القدرة على
التكيف مع المتغيرات".
ويعترض د.
أبوعزة كذلك على تصور الإسلاميين المثالي،
فهم "يعشقون التجريد، الإسلام المجرد.
وهكذا تصبح قضايا المجتمع والوطن،
ومشكلاته خارجة عن الموضوع. .
وينتج عن هذا النهج الإسراع في تكفير الناس
والحكام، بل والمجتمعات بكاملها.
وعلى الرغم من أن قيادات الإخوان وقسما كبيرا
من منتسبي الحركة رفضوا فكرة التكفير، إلا أن الفكرة شاعت في أقوال ومصطلح كثير من
أتباعهم الذين ظلوا على ولائهم للجماعة.
هذا عدا عن الذين انشقوا على أساس فكرة
التكفير، مثل جماعة التكفير والهجرة ومثل حركة الجهاد الإسلامي المصرية".
(نفس
المرجع، 184).
ومن مشاكل التربية الحزبية في صفوف الإخوان، وغيرهم تناقض فكر
قادة ومؤسسي وأعلام الجماعة، وهو فكر لم يقم الإخوان حتى الآن بمناقشته على نحو
تحليلي شامل بعد ثمانين عاماً من ظهور الحركة.
ولهذا لا تزال اتجاهات التشدد
والواقعية، والمسالمة والإرهاب تتعايش في كتبهم المتداولة وكراساتهم الحزبية حتى
اليوم رغم كل ادعاءات الوسطية والاعتدال.
لقد تبنت جماعة "الإخوان" على امتداد
سنوات ظهورها أفكاراً واجتهادات كثيرة مستقاة من بيئات ومدارس متعددة لعل أبرزها
باكستان.
ودخلت جماعاتها وأحزابها العربية في سياسات وأحياناً مغامرات عسكرية
وثورية.
وسارعوا إلى تأييد تجارب إسلامية فجَّة.
ومهدت جماعات الإخوان
بمؤلفاتها "القطبية" ومؤلفات أبوالأعلى المودودي وتراث العنف و"التنظيم السري"،
البيئة الخصبة لفكر جماعات الجهاد الإسلامي وتنظيم القاعدة والتكفير والهجرة فيما
بعد.
ورغم انتقال بعض أحزاب الإخوان في هذه الدولة العربية أو تلك إلى مرحلة
"الانفتاح والمشاركة وقبول التعددية والتداول السلمي للسلطة والاحتكام إلى الشعب"،
كما يدعون، فإننا في الواقع لن نرى حتى الآن تراثاً ثقافياً جديداً ل"الإخوان"
يتسع تداوله في هذا المجال.
يبقى ختاماً أن نسأل المرشد الجديد ل"الإخوان"،
الذي قيل عنه بأنه محافظ وحزبي ومناصر للتربية والسرية على حساب الجماهيرية
والانفتاح، كيف سيربي عناصر التيار للمرحلة القادمة، وهل مصر والعالم العربي اليوم،
نفس تلك الدول التي شهدت عام 1928 ظهور حركة "الإخوان"؟ الكثيرون يراقبون الخطوات
المقبلة! الإتحاد الاماراتية

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد