زيد بن عبد القوي
فلهم عند الزيدية المكانة العالية والدرجة الرفيعة ذكروها في بطون كتبهم بل إن إمام
الزيدية زيد بن علي رحمه الله مات وهو متمسك بحبهما كثير الثناء عليهما ، مطلقاً
على من يسبهما : اسم الرافضة ليكون هذا الاسم فضيحة في الدنيا والآخرة ولم يذكر
علماء الزيدية فضل الخلفاء الثلاثة
ومنزلتهم العالية مجاملة لأهل السنة فقد كانوا الحكام والأئمة وأصحاب الكلمة بل ذلك
فضل استحقوه عن جدارة بالنظر إلى ما قدموه في حياة نبي الأمة عليه أفضل الصلاة
والتسليم فكشفوا به عن الدعوة الإسلامية الغمة !! ونصروها حتى أصبحت في القمة
ونشروها حتى أصبحت أمتنا أقوى أمة مصداقا لقوله تعالى (كنتم خير أمة) فجزآهم الله
عز وجل الجنة وتلك حقيقة لا ينكرها إلا من أعم الهوى بصره أو استقى من أهل الرفض
دينه ومذهبه يقول الإمام المهدي أحمد بن الحسين - ت656 ه رحمه الله تعالى - مثنياً
عليهم : (قال تعالى "وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ" التوبة 41 ووصف
أمر المؤمنين بأنهم يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم والصحابة رضي الله عنهم
عملوا بهذه الوظيفة من المعونة ، قاسمت الأنصار المهاجرين في أموالهم ودورهم
وخيروهم بين القسمين ، وأعطوهم الأصلح من النصيبين ، وكان مع أبي بكر ثمانون ألفا
أنفقها في الجهاد ، وما بقي معه إلا عباءة كان إذا ركب خلها وإذا نزل أبعد خلائها ،
وعثمان جهز جيش العسرة بتسعمائة بعير وخمسين بعيرا ، وتمم الألف بخمسين فرساً كل
ذلك من صميم ماله ، ولما أقبل العسكر وقد مستهم الحاجة وعظمت بهم الفاقة ، لقاهم
مائة ناقة محمله مخطومة يجرونها ، وأكلوا أحمالها ، والقوم ما بذلوا هذه الأموال
إلا بطاعة الرحمن ، ومعرفتهم بما في القرآن) (الصحابة عند الزيدية ص106و 107) وقال
العلامة الزيدي محمد بن علي الزحيف - ت916ه رحمه الله تعالى - : (اعلم أن فضل
المشايخ الثلاثة لا يجهله إلا من أعمى الهوى بصره. . . . . . . . . . . ) (الإيضاح ص234) وقال
العلامة الزيدي محمد بن أحمد بن يحي بن مظفر - ت926ه رحمه الله تعالى - : (اعلم أن
فضل المشايخ الثلاثة لا يجهله إلا من أعمى الهوى بصيرته ، ولنا ممن سلف من أئمتنا
صلوات الله عليهم ، منذ علي عليه السلام إلى الآن أُسوة ، وأشرف قدوة. . . . . . )
(الصحابة عند الزيدية ص121) والأقوال في هذا كثيرة نكتفي بما سبق ليستفيد من سبق
إلى الحق وحلق.
حديث الغدير أما حديث الغدير (من كنت مولاه فعلي مولاه) والذي
يستدل به الحوثي على الإمامة والخلافة فقد رددت عليه بالتفصيل في بحث سابق لكني
أعيد هنا وباختصار ما يفيد وأذكر القصة لمن فاته البحث السابق فأقول : أرسل الرسول
صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه إلى اليمن قبل حجة الوداع على رأس جيش وقد
عاد علي رضي الله عنه من اليمن ليلحق الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة وترك نائباً
له على الجيش فقام هذا النائب بكسوة الجيش بحلل وعندما قدم الجيش إلى مكة لقيهم علي
رضي الله عنه وشاهد الحلل الجديدة فوقهم فغضب وطلب منهم خلعها قبل أن يلقاهم الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم فأثار ذلك حنقهم وغضبهم وبدأ القيل والقال في علي رضي الله
عنه وعندما كثر القيل والقال قال عليه الصلاة والسلام كلاما في غدير يسمى "خُم" -
يبعد عن مكة حوالي 260 كم - ومن هذا الكلام قوله "من كنت مولاه فعلي مولاه" معرفاً
لهم بفضل علي رضي الله عنه فسكت المنتقدون وانتهت القضية ولم يفهم علي رضي الله عنه
أو الصحابة بأن هذا دليل على الخلافة والإمامة.
لكن جاء الحوثيون فجعلوه عيداً
أفضل وأعظم من كل الأعياد وزادوا فقالوا إن صوم يوم الغدير يعدل مائة حجة ومائة
عمرة مبرورات متقبلات وهو عيد الله الأكبر !! بل جعلوه شعيرة من الشعائر المقدسة
وفريضة واجبة وجوب الحج والصوم - كما جاء في أحد منشوراتهم بظليمة - !!!!! بل في
الغدير يلعنون أصحاب البشير النذير صلى الله عليه وسلم !! ابن كثير يحكي قصة الغدير
الإمام الحافظ ابن كثير أورد روايات عديدة في كتابه "البداية والنهاية" عن قصة غدير
"خُم" ومنها ما جاء في 5/102 : (قال يونس عن محمد بن إسحاق حدثني يحي بن عبد الله
بن أبي عمر عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال إنما وجَدَ جيش علي بن أبي طالب
الذين كانوا معه باليمن لأنهم حين أقبلوا خلف عليهم رجلا وتعجل إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم : قال فعمد الرجل فكسى كل رجل حلة قلما دنوا خرج عليهم علي يستلقيهم
فإذا عليهم الحلل قال علي : ما هذا ؟ قالوا كسانا فلان.
قال : فما دعاك إلى هذا
قبل أن تردم على رسول الله فيصنع ما شاء فنزع الحلل منهم فلما قدموا على رسول الله
اشتكوه لذلك وكانوا قد صالحوا رسول الله وإنما بعث علياً إلى جزية موضوعة.
قلت
: هذا السياق أقرب من سياق البيهقي وذلك أن علياً سبقهم من اجل الحج وساق معه هدياً
وأهل بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يمكث حراماً وفي رواية البراء بن
عازب أنه قال له : إني سقت الهدي وقرنت : والمقصود أن عليا لما كثر فيه القيل
والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التي
أطلقها لهم نائبه.
وعلي معذور فيما فعل لكن اشتهر الكلام فيه في الحجيج فلذلك
والله أعلم لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجته وتفرغ من مناسكه ورجع إلى
المدينة فمر بغدير خُم قام في الناس خطيباً فبرأ ساحة علي ورفع من قدره ونبه على
فضله ليزيل ما وقر في نفوس كثير من الناس) أقول : الحديث له سبب وعلي والصحابة رضي
الله عنهم كانوا عرباً يفهمون الكلام وما فهم أي واحد منهم بما فيهم علي رضي الله
عنه بأن الحديث فيه أي نص على الإمامة أو الخلافة.
ما معنى كلمة (مولى) في اللغة
العربية ؟! يستدلون على إمامة علي رضي الله عنه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم في
الغدير "من كنت مولاه فعلي مولاه" فماذا تعني كلمة مولى عند العرب ؟ أقول : لهذه
الكلمة عند العرب عدة معان هي : - 1- الرب 2- المالك 3- العَصَبة 4- الحليف 5-
الناصر 6- المُعتَقُ 7- المُعتِق 7- الجار 8- الشريك 9- السيد 10- المحب 11-
المُنِعم 12- التابع 13- الصهير 14- المُنعَم عليه 15- ابن العم 16- العبد 17-
العقيد 18- الصاحب 19- ابن الأخت 20- العم 21- الأخ 22- الابن 23- العصبات كلهم 24-
كل من ولي أمرا أو قام به 25- النزيل.
والموالاة ضد المعاداة (لسان العرب مادة
: ولى والمعجم الوسيط ص1058 ومختار الصحاح مادة ولي) لذلك فهي من الألفاظ المشتركة
ذات المعاني المتعددة واللغة وحدها لا تحقق مرادهم ولا مطلبهم فبطل بذلك كل
كلامهم!! كلمة مولى في القرآن الكريم هل جاءت كلمة (مولى) في القرآن الكريم بمعنى
رئيس أو خليفة وإمام ؟! لنرجع إلى القرآن الكريم قال تعالى : (وَإِن تَوَلَّوْاْ
فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)
الأنفال40ويقول تعالى : (َيوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلَا
هُمْ يُنصَرُونَ) الدخان41 ويقول عز وجل : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى
الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ) محمد11 فهل تفسيرها
بأن الله عز وجل رئيس وخليفة على الذين آمنوا ؟! وأن الكافرين لا رئيس لهم ؟! ويقول
: (بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) آل عمران150 وقال تعالى :
(وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) التحريم2 ويقول تعالى :
(مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) الحديد15 (فَإِنَّ
اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) التحريم/4 فكل صالح
من المؤمنين يصبح حسب تفسيركم المعوج لكلمة مولى رئيسا وإماما وخليفة على الرسول
صلى الله عليه وسلم.
ثم هل يعقل أن ترد كلمة (مولى) في القرآن العظيم 18 مرة
ولا يكون من معانيها (الرئيس والإمام والخليفة صاحب السلطان) ولو مرة واحدة ؟ ثم
عندما يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (من كنت مولاه فعلي مولاه) لا تكون إلا
من كنت رئيسه فعلي رئيسه ؟! الكذب على المفسرين الحوثي كذب على الله سبحانه وتعالى
وكذب على رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكذب على الصحابة وأهل البيت رضي الله
عنهم وكذب على الأحياء والأموات !! ومن أكاذيبه المشهورة كذبه على المفسرين في
ملزمته "دروس من سورة المائدة - الدرس الثالث والعشرون ص15" حيث يقول : (يأتي
المفسرون يمرون بسرعة من على هذه الآية : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا
أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) (المائة من الآية : 67) يعني دينه (وَإِن لَّمْ
تَفْعَلْ) وإن لم تبلغ دينه (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) أي : يمنعك (إِنَّ
اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) ودخل في الآية الثانية !!هنا يقدم
القضية هذه لأهميتها ، ما هو الذي يجعلهم يمرون من عليها بسرعة ؟ أليس لأن أبو بكر
فوق جنبه ؟ إذا أبو بكر فوق جنبك ، وعمر فوق الجنب الثاني ، لن تبصر القرآن ، حقيقة
، تصل عند قضايا هامة جداً مثل آية الولاية السابقة ومثل هذه الآية) !!!! وحتى
يستبين الحق من الباطل ونكشف كم هو كاذب أنقل بعض أقوال المفسرين في هذه الآية (يَا
أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ
تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ
اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة67.
لنرى هل يمرون عليها
بسرعة ؟ وهل فعلاً : (يأتي المفسرون يمرون بسرعة من على هذه الآية : "يَا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ" (المائة من الآية : 67)
يعني دينه "وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ" وإن لم تبلغ دينه "وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
النَّاسِ" أي : يمنعك "إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" ودخل في
الآية الثانية !!) كما يهرف الحوثي أم أنه كذاب أشر ؟!! تفسير ابن كثير يقول
العلامة الإمام ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسيره 2/73-74 : (يقول تعالى
مخاطباً عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم باسم الرسالة وآمرًا له بإبلاغ جميع
ما أرسله الله به ، وقد امتثل صلوات الله وسلامه عليه ذلك ، وقام به أتمّ
القيام.
قال البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ،
عن إسماعيل ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : من حَدّثَك أن محمدًا صلى
الله عليه وسلم كتم شيئًا مما أُنزل عليه فقد كذب ، الله يقول : (يَا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) الآية هكذا رواه ههنا
مختصراً ، وقد أخرجه في مواضع من صحيحه مطولا.
وكذا رواه مسلم في "كتاب الإيمان"
، والترمذي والنسائي في "كتاب التفسير" من سننهما من طرق ، عن عامر الشعبي ، عن
مسروق بن الأجدع ، عنها رضي الله عنها.
وفي الصحيحين عنها أيضا أنها قالت : لو
كان محمد صلى الله عليه وسلم كاتما من القرآن شيئًا لكتم هذه الآية : (وَتُخْفِي
فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ
تَخْشَاهُ).
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا سعيد بن
سليمان ، حدثنا عباد ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه قال : كنت عند ابن عباس فجاء
رجل فقال له : إن ناسًا يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئًا لم يبده رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم للناس.
فقال : ألم تعلم أن الله تعالى قال : (يَا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) والله ما ورثنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم سوداءَ في بيضاء. وهذا إسناد جيد ، وهكذا في صحيح البخاري من
رواية أبي جُحيفة وهب بن عبد الله السّوائي قال : قلت لعلي بن أبي طالب ، رضي الله
عنه : هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن ؟ فقال : لا والذي فلق الحبة وبرأ
النسمة ، إلا فَهْمًا يعطيه الله رجلا في القرآن ، وما في هذه الصحيفة.
قلت :
وما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل ، وفَكَاك الأسير ، وألا يقتل مسلم بكافر. وقال
البخاري : قال الزهري : من الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا
التسليم.
وقد شهدت له أمته ببلاغ الرسالة وأداء الأمانة ، واستنطقهم بذلك في
أعظم المحافل ، في خطبته يوم حجة الوداع ، وقد كان هناك من ألصحابه نحو من أربعين
ألفًا كما ثبت في صحيح مسلم ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال في خطبته يومئذ : "أيها الناس ، إنكم مسئولون عني ، فما أنتم قائلون ؟"
قالوا : نشهد أنك قد بَلّغت وأدّيتَ ونصحت.
فجعل يرفع إصبعه إلى السماء ويَقلبها
إليهم ويقول : "اللهم هل بَلَّغْتُ ، اللهم هل بلغت".
وقال الإمام أحمد : حدثنا
ابن نُمير ، حدثنا فضيل - يعني ابن غَزوان - عن عِكْرمَة ، عن ابن عباس قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : "يأيها الناس ، أيّ يوم هذا ؟" قالوا
: يوم حرام.
قال : "أيّ بلد هذا ؟" قالوا : بلد حرام.
قال : "فأيّ شهر هذا ؟"
قالوا : شهر حرام.
قال : "فإن أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة
يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا".
ثم أعادها مرارًا.
ثم رفع إصبعه
إلى السماء فقال : "اللهم هل بلغت!" مرارًا - قال : يقول ابن عباس : والله
لَوصِيَّةٌ إلى ربه عز وجل - ثم قال : "ألا فليبلغ الشاهدُ الغائِبَ ، لا ترجعوا
بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض".
وقد روى البخاري عن علي بن المديني ، عن يحيى
بن سعيد عن فضيل بن غزوان ، به نحوه.
وقوله : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا
بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) يعني : وإن لم تُؤد إلى الناس ما أرسلتك به (فَمَا
بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) أي : وقد عَلِم ما يترتب على ذلك لو وقع.
وقال علي بن
أبي طلحة ، عن ابن عباس : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) يعني
: إن كتمت آية مما أنزل إليك من ربك لم تبلغ رسالته. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي
: حدثنا قُبَيْصة بن عُقْبَةَ حدثنا سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد قال : لما نزلت :
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) قال : "يا رب
، كيف أصنع وأنا وحدي ؟ يجتمعون عليَّ".
فنزلت (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا
بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) ورواه ابن جرير ، من طريق سفيان - وهو الثوري - به. وقوله :
(وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) أي بلغ أنت رسالتي وأنا حافظك وناصرك ومؤيدك
على أعدائك ومظفرك بهم فلا تخف ولا تحزن فلن يصل أحد منهم إليك بسوء يؤذيك وقد كان
النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذه الآية يحرس).
تفسير الزيدية يقول الإمام
العلامة الزيدي محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله تعالى - في "فتح القدير" 2/59-60
: (العموم الكائن في ما أنزل يفيد أنه يجب عليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلغ
جميع ما أنزله الله إليه لا يكتم منه شيئا.
وفيه دليل على أنه لم يسر إلى أحد
مما يتعلق بما أنزله الله إليه شيئا ، ولهذا ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله
عنها أنها قالت : من زعم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كتم شيئا من الوحي فقد
كذب.
وفي صحيح البخاري من حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال : قلت
لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن ؟ فقال :
لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن وما في هذه
الصحيفة ، قلت : وما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل ، وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل
مسلم بكافر (فإن لم تفعل) ما أمرت به من تبليغ الجميع بل كتمت ولو بعضا من ذلك (فما
بلغت رسالاته).
قرأ أبو عمرو وأهل الكوفة إلا شعبة "رسالته" على التوحيد
.
وقرأ أهل المدينة وأهل الشام "رسالاته" "على الجمع ، قال النحاس : والجمع أبين
لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ينزل عليه الوحي شيئا فشيئا ، ثم يبينه
انتهى.
وفيه نظر ، فإن نفى التبليغ عن الرسالة الواحدة أبلغ من نفيه عن
الرسالات ، كما ذكره علماء البيان على خلاف في ذلك ، وقد بلغ رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم لأمته ما أنزل إليهم ، وقال لهم في عير موطن : هل بلغت ؟ فيشهدون له
بالبيان ، فجزاه الله عن أمته خيرا ، ثم إن الله سبحانه وعده بالعصمة من الناس دفعا
لما يظن أنه حامل على كتم البيان ، وهو خوف لحوق الضرر من الناس ، وقد كان ذلك بحمد
الله فإنه بين لعباد الله ما أنزل إليهم على وجه التمام ، ثم حمل من أبى من الدخول
في الدين على الدخول فيه طوعا أو كرها وقتل صناديد الشرك وفرق جموعهم وبدد شملهم ،
وكانت كلمة الله هي العليا ، فأسلم كل من نازعه ممن لم يسبق فيه السيف الذل حتى قال
يوم الفتح لصناديد قريش وأكابرهم : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ فقالوا : أخ كريم وابن
أخ كريم فقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ، وهكذا من سبقت له العناية من علماء هذه
الأمة يعصمه الله من الناس ، إن قام ببيان حجج الله وإيضاح براهينه ، وصرخ بين
ظهراني من ضاد الله وعانده ولم يمتثل لشرعه كطوائف المبتدعة ، وقد رأينا من هذا في
أنفسنا وسمعنا منه في غيرنا ما يزيد المؤمن إيمانا وصلابة في دين الله وشدة شكيمة
في القيام بحجة الله ، وكل ما يظنه متزلزلو الأقدام ومضطربو القلوب من نزول الضرر
بهم وحصول المحن عليهم فهم خيالات مختلة وتوهمات باطلة ، فإن كل محنة في الظاهر هي
منحة في الحقيقة ، لأنها لا تأتي إلا بخير في الأولى والأخرى - إن في ذلك لذكرى لمن
كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد -.
قوله (إن الله لا يهدي القوم الكافرين)
جملة متضمنة لتعليل ما سبق من العصمة : أي إن الله لا يجعل لهم سبيلا إلى الإضرار
بك فلا تخف وبلغ ما أمرت بتبليغه).