شهاب عبدالجليل الحمادي
ساس الأمر أي عالجه وأصلحه وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام "كان بنو إسرائيل تسوسهم أنبياؤهم" أي يتولون أمورهم رعاية وتدبيراً فكلمة سياسة عربية صحيحة حتى أن هند بنت النعمان بن المنذر قالت بعد زوال ملكهم:
فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا* إذا نحن فيهم سوقة نتنصف
فأف لدنيا لا يدوم نعيمها * تقلب تارات بنا وتصرف
والسياسة قد تكون مطلقة أو أنواع كسياسة بدنية وسياسة نفسية وسياسة مدنية وسياسة شرعية وهي موضوع حديثنا فالسياسة الشرعية كما عرفها الكمال بن همام بأنها تغليظ العقوبة سواءً في الجرائم التي ورد في عقوبتها حد مقدر أو التي لم يرد في عقوبتها حد مقدر ووكل تقديرها لولي الأمر لدرء فساد ودفع ضرر بعد النظر في الجريمة وأحوالها كشخص الفاعل ودافعه وظروف الجريمة وملابساتها وهو ما يعرف عند الفقهاء بالتعزير، وقد يبنى هذا التغليظ على نص أو على مصلحة مرسلة وكمثال على الحالة الأولى إضافة عقوبة التغريب على الجلد والحالة الثانية زيادة جلدات لمن سكر علانية وفي نهار "رمضان "لمن يقول بهذا الرأي".
وفي ذلك يقول الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز "تحدث للناس أقضية بحسب ما أحدثوا من الفجور". غير أن البعض من الفقهاء لا يقصرون السياسة الشرعية على هذا وإنما بمعنى أوسع وأرحب فأطلقوها في النظم المالية والأحوال الشخصية والإدارة والتنفيذ وغير ذلك.. ونسوق أمثلة : لهذا الرأي.
1. في السياسة المالية : ما فرضه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من ضريبة الخراج على الأرض الزراعية التي فتحت عنوة ولمن يقسمها طبعاً باجتهاد منه وبحسب فهمه مبني على المصلحة ووافقه الكثير من المهاجرين والانصار والصحابة ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام قسم الأرض في فتح خيبر ولم يقسمها في فتح مكة بحسب حالة المسلمين ومصلحتهم.
2. في السياسة القضائية : الأخذ بالقرائن التي تفيد الاقتناع بالحكم الذي يحقق العدل وكذا استخدام الحيل في استخراج الحق.
3. وفي التنفيذ : فعل علي بن أبي طالب والزبير رضي الله عنهما مع المرأة التي حملت كتاب حاطب بن أبي بلتعة ..
4. وإذا تحدثنا عن موضوع علم السياسة الشرعية فإننا نتحدث عن أفعال المكلفين وشؤونهم التي لم يرد بحكمها نص أو التي من شأنها التغير والتبديل من حيث ما يعرض لها من أحكام تدير بها شؤون الأمة وبما يحقق مصالحها ويتفق مع أحكام الشريعة وقواعدها العامة تعتبر من قبل السياسة الشرعية.