البصري
وهي في الحالة العراقية الراهنة و بسبب المواقف المتطرفة و المفرطة في تطرفها تحولت
لمهزلة حقيقية في بلد يعيش على حزام ناري خطر من الأزمات التي لا تنتهي فصولها،
فالشعب العراقي و منذ إنهيار النظام الملكي الليبرالي في إنقلاب 14 تموز/ يوليو
1958 يعيش صراعات دموية شرسة و تصفيات و إنقلابات و إضطرابات إنعكست face=Arial color=#000000 size=4>على مستويات التنمية و التقدم وعلى طبيعة التفكير
العام و تصاعدت مؤثراتها السلبية مع تمكن الفاشية البعثية الصدامية البائدة من حفر
مواقعها عميقا في الوجدان العراقي حتى بات الشعب كل الشعب بحاجة لعلاج نفسي جدي و
ضروري قبل المباشرة بأية عمليات ديمقراطية أو إنفتاحية، فالإحتلال العسكري الأمريكي
المباشر للعراق كان نقلة نوعية حقيقية في إنهاء مرحلة رهيبة من القمع و الحروب و
الحصار و التجويع و سياسة الحزب الواحد و القائد الواحد أي المرحلة الفاشية بكل
تجلياتها المرعبة، وكان حالة مفاجئة لم يتحسب لها الشعب العراقي كما فوجئت بها حتى
المعارضة العراقية التي كانت تعيش حالة أشبه بحالة الموت السريري المعلن قبل أن
تتكفل حماقات نظام صدام حسين بتوفي بعض الحقن و المقويات لتلك المعارضة التي تهالكت
و أفلست بالكامل وضاعت في ( الطوشة ) كما يقولون، لذلك و تحديدا منذ بداية
التسعينيات كانت حملات الهرب و اللجوء السياسي للغرب هو ديدن جميع الأحزاب الدينية
و الطائفية التي إنتهت مهمتها مع نهاية الحرب العراقية / الإيرانية عام 1988 بعدم
إمكان إسقاط النظام الصدامي و إقامة البديل الإسلامي على النمط الإيراني كما كان
مؤملا من نتيجة تلك الحرب النهائية!! ووفقا للبيانات و الوعود الإيرانية التي أصرت
على أنه لا وقف للحرب مع العراق حتى محاكمة المعتدي و إسقاطه و إقامة الجمهورية
الإسلامية في العراق!! طبعا تبخرت تلك الشعارات الحماسية و أتخذت الأمور شكلا آخر،
وحزب الدعوة تحول ( لدعوات ) متعددة بسبب الإنشقاقات العديدة التي دمرت بنيته
العامة، وجماعة المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق إنكفأ نشاطها و خف بريقها
و تحول قادتها للعمل التجاري في تصريف العملات أو بيع الذهب في أسواق دمشق أو أمور
أخرى، أما الشيوعيون فقد شعروا باليتم الحقيقي بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي و توقف
المنح و الدورات الدراسية القادمة من هناك و عاشوا على ( هامش السيرة ) و بحثوا عن
اللجوء في الغرب الرأسمالي المتوحش بعد إنهيار جنة الإشتراكية في الشرق!! ولكن بعد
عاصفة الصحراء و قيام النظام الدولي الجديد وقتذاك و تبدل المعادلات الدولية
والإقليمية و إنقلاب التحالفات و تحول نظام صدام حسين حليف الغرب الأول الذي زوده
خلال حربه الإيرانية بكل التسهيلات الإستخبارية و بجميع الأسلحة الفتاكة و
الستراتيجية كطائرة السوبر أيتندارد و خدمات الأواكس و الصواريخ الموجهة بحريا (
إكزوست ) و بقية التشكيلات و الأصناف من الأسلحة الشرقية و السكوت الإعلامي الدولي
عن فظائعه و جرائمه لشيطان رجيم، نفخ قليلا في روح المعارضة الميتة، وبرز المؤتمر
الوطني في بداية التسعينيات بقيادة أحمد الجلبي في التحرك الحذر ثم تبعه الرفيق
إياد علاوي و الذين وقف منهم الإسلاميون العراقيون موقف الشك و الريبة بسبب التنافر
مع العلمانيين و بسبب عدم معرفة الرأي الإيراني بالتجمعات الجديدة، وطبعا الطائفية
لم تكن بغائبة عن التشكيلات الجديدة فأحمد الجلبي مثلا وهو خريج معهد ما سوشيتس أي
أرقى الجامعات المتخصصة في الرياضيات لا يرى بأسا من إرتداء دشداشة سوداء و ممارسة
اللطم لأبعد مدى!! وهو الأمر الذي لم يفعله للأمانة الدكتور إياد علاوي الذي لم
نشاهده ( يلطم ) أبدا!! أي أنه لم يمارس النفاق الواسع بشكل جلي و مثير للسخرية،
وقبيل إحتلال العراق أمريكيا كانت الأحزاب الدينية وعلى رأسها الدعوة ضد الإحتلال
قبل أن تنقلب الأمور و التحالفات بعد إشارات واضحة مع طهران بضرورة قبول الإحتلال و
التعامل معه بهدف مصلحي وهو الإمساك بزمام السلطة، وطبعا العقلية السياسية
الإيرانية البراغماتية متقدمة بكثير على عقلية أبنائها من الأحزاب الدينية العراقية
المتخلفة الفكر و السلوك و التكتيك، فالإيرانيون كما أثبتت التجارب على إستعداد تام
للتعامل مع الشيطان نفسه إن كان يحقق لهم أغراضهم!، فهم مثلا رغم عداوتهم ومرارتهم
من نظام صدام حسين إلا أنهم بعد وفاة الإمام الخميني عام 1989 أقاموا علاقات عمل
واسعة مع صدام حسين و كانت الزيارات الرسمية قائمة، كما كانت العلاقات التجارية
الواسعة بين أولاد الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وأولاد صدام حسين ( سمن على عسل
)!! إلى الدرجة التي دفعت نظام صدام في واحدة من أكبر الألغاز في تاريخ العلاقات
العراقية / الإيرانية إلى إرسال نائب صدام عزة الدوري بعد إحتلال الكويت للطلب من
إيران حماية و إستضافة الطائرات العسكرية العراقية في مطاراتها خلال حرب عاصفة
الصحراء!! ولم ترفض إيران بل رحبت ثم غدرت بتعهداتها لنظام صدام بعد أن خرج مشرشحا
مهزوما و مهانا من تلك الحرب ( لتبتلع ) تلك الطائرات العسكرية و المدنية بل لتنفي
وجودها أصلا أو معرفتها بها من الأساس!! و كان خازوقا تاريخيا إيرانيا حقق للنظام
الإيراني بالمكر و الحيلة ما عجز عن تحقيقه بالتحدي و القوة و لتعلن فيما بعد بأنها
صادرت تلك الطائرات و أعتبرتها كتعويض عن خسائر حربها الطويلة المكلفة مع العراق!!
و أبتلع صدام الإهانة و لم يكن يمتلك أي خيار آخر بعد أن أضحى همه الوحيد الحفاظ
على عرشه في بغداد و عاش مرحلة الإذلال التي إستمرت 12 عام حتى حسم الأمريكيون موقف
( الرجل المريض ) ووجهوا له رصاصة الرحمة و حصل ما حصل كما نعلم جميعا، و أختفى
النظام و تلاشى حزب البعث دون أن يتلاشى البعثيون الذين تقدر أعدادهم بالملايين و
كان الفراغ السياسي و الإداري و العسكري العراقي رهيبا للغاية، فالأمريكان قوة
إحتلال و ليست قوة إدارة مدنية أو سياسية، و كوادر حزب البعث تفرقت وهربت لولاءاتها
الدينية أو الطائفية و العشائرية و قامت الأحزاب الدينية و الطائفية العراقية
المسلحة إيرانيا بعمليات إغتيال لبعض البعثيين و لكن ليس جميعهم فالبعث في كل بيت
عراقي! لأن إجتثاث البعثيين معناه إجتثاث العراقيين لأنه حزب السلطة الوحيد لأكثر
من 35 عام بالتمام و الكمال أي أن أجيال عراقية عديدة قد نشأت دون أن تعرف من
الدنيا شيئا سوى حزب البعث!!، و بعد تجربة مجلس الحكم السريعة و المسلوقة لسد
الفراغ القاتل بدأت الحروب الطائفية و التكفيرية و الإرهابية و تحول العراق لمسرح
عبثي كبير جدا و س الدستور بطريقة سريعة و أجريت إنتخابات لتشكيل حكومة بأي ثمن و
لم يتحدث أحد عن إجتثاث للبعث و البعثيين لأنهم قد أصبحوا في حكم العدم، فما الذي
جعل القوم يرتعبون من عودة البعث إن كانت مسيرتهم السياسية و إنجازاتهم الشعبية
حافلة فلماذا يخافون بعد ذلك من الأموات؟ نعم للبعث وجود و لكنه لم يكن ليكون لولا
فشل الأحزاب الدينية و الطائفية المريع و إرتهانها للقرار الإيراني بل و تحول
العراق بفضل تلكم الأحزاب لساحة عمل إيرانية واسعة النطاق، فالأموال تأتي عبر
الحدود و الصفقات تعقد جهارا نهارا و عملية بيع العراق جارية على قدم و ساق و
اللوبيات الإيرانية رسخت أقدامها في العراق و عصابات القتل و الخطف و التفخيخ
الإيرانية تطورت هذا غير زرع العراق بعملاء إيرانيين من نمط خاص و خاص جدا باتوا
يتحكمون في القرار العراقي لا بل أن حاملي الجنسية الإيرانية باتوا أرقاما صعبة في
السياسة العراقية!! وذلك أمر فوق الإحتمال؟ نقول نعم و ألف نعم لإجتثاث البعث و
أهله و من يلوذ بهم من الجذور و لكن ينبغي أن يكون ذلك مترافقا مع إجتثاث أهل
النفوذ الإيراني من العراق أي إجتثاث الأحزاب و التجمعات و الأشخاص التي و الذين
أسستهم وزرعتهم إيران ليكونوا حصان طروادة في الجسد العراقي المثخن بالجراح و
الأمراض الخطيرة!..
فهل سنجد البديل الثالث الذي يجتث البعثيين و الإيرانيين؟ أم
أننا سندور في حلقة مفرغة ووفق نظرية( دوخيني ياليمونة )؟..
العراق بفضل حماقات
و تقلبات السياسة الأمريكية قد تحول فعلا لمزرعة إيرانية حقيقية وذلك حينما يصرح
عملاء إيران علنا بضرورة إجتثاث قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال
ديفيد بترايوس كما هدده علي فيصل اللامي المنسق العام لإجتثاث البعث؟ تصوروا حجم
الإهانة الكبرى التي تتلقاها الولايات المتحدة من أطراف مرتبطة بالمشروع
الإيراني!!..
إنها المهزلة و قد تحولت لمأساة إغريقية...
فمن يمتلك الجرأة و
المقدرة على إجتثاث النفوذ الإيراني من العراق؟..
تلك هي المسألة و التحدي
الستراتيجي الحقيقي؟ أما الولايات المتحدة فلا نقول لها بالفارسية سوى ( أحوال
شما..
خوبي )!! لقد إنتصر النظام الإيراني بدماء المارينز، أما الأحزاب الدينية
و الطائفية العراقية فهي تائهة كالضباع تماما لا تعلم بأي أرض تعيش..؟