;

حوار يزدجر مع النعمان بن مقرن 1280

2010-02-20 04:35:12

يحيى
الرمادي


لقد دانت الجزيرة العربية بالإسلام،
وامتطى جند الله صهوات خيولهم يطرقون أبواب المدائن ودمشق والقدس بأيد مضرجة
بالدماء ونفوس متعطشة إلى وعد الله لهم في جنات الخلد وملك لا
يفنى.

وعندما صمم المسلمون على
فتح بلاد فارس انتدبوا سعد بن أبي وقاص لهذه المهمة وكانت هناك مفواضات ورسل بين
الجيشين ونسوق فيما يلي بعض ما حدث: أرسل سعد بن أبي وقاص طائفة من أصحاب إلى كسرى
يدعونه إلى الإسلام قبل أن تنشب الحرب بينهما، فاستأذنوا عليه فأذن لهم وخرج ، أهل
البلد ينظرون إلى أشكال الرسل وأريديتهم على عواتقهم وسياطهم بأيديهم. .
كما نظر
أهل البلد إلى خيول رسل سعد الضعيفة وجعلوا يتعجبون منها غاية العجب ويتساءلون: كيف
يتحدى هؤلاء كسرى مع كثرة عدد جيشه وشدة بأسه؟ ولما أستأذن الرسل على الملك (يزدجر)
أذن لهم وأجلسهم بين يديه.
وكان متكبراً قليل الأدب، ثم جعل يسألهم عن ملابسهم
هذه ما أسمها أي عن النعال والسياط والثياب.
وكلما قال له شيئاً من ذلك تفاءل
فرد الله فأله على رأسه ثم قال لهم ما الذي أقدمكم هذه البلاد أظننتم أنا لما
تشاغلنا بأنفسنا اجترأتم علينا فقال النمن بن مقرن: إن الله رحمنا فأرسل إلينا
رسولاً يدلنا على الخير ويأمرنا به، ويعرفنا الشر وينهانا عنه ووعدنا على إجابته
خير الدنيا والآخرة فلم يدع ذلك قبيلة إلا صاروا فريقين فريق تقاربه وفريق يساعده،
ولا يدخل معه في دينه إلا الخواص فمكث كذلك ما شاء أني يمكث، ثم أمر أن ينهد إلى من
خالفه من العرب ويبدأ بهم ففعل فخلوا معه جميعاً على وجهين فكره عليه فاغتيط وطائع
إياه فإزداد.
فرفعنا جميعاً فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق
وأمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم الإنصاف.
فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو
دين الإسلام حسن الحسن وقبح القبح كله، فإن أبيتم فأمر من الشره هو أهون من أخر
شرمنه الزيه فإن أبيتم فالمناجزة.
وإن أجبتم إلى ديننا خلقنا فيكم كتاب الله
وأقمناكم عليه على أن تحموا بأحكامه ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم وإن أتيتمونا
بالجزية قبلنا ومنعناكم وإلا قاتلناكم قال فتكلم يزدجر فقال: إني لا أعلم في الأرض
أمة كانت أشقى ولا أقل عدداً ولا أسوأ ذات بين منكم قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي
ليكفونا كم، ولا تغرركم فارس ولا تطمعون أن تقوموا لهم.
فإن كان عددكم فلا
يغرنكم منا وإن كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتاً إلى خصبكم وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم
وملكنا عليكم ملكاً يرفق بكم فأسكت القوم فقام المغيرة بن شعبة فقال : أيها الملك
إن هؤلاء رؤوس العرب ووجوههم، وهم أشراف يسحثون من الأشراف، وإنما يكرم الاشراف
الاشراف ويعظم حقوق الأشراف الأشراف وليس كل ما أرسلوا له جمعوه لك، ولا كل ما
تكلمت به أجابوا عليه، ولا يحسن بمخلهم ذلك فجاوبني فأكون أنا الذي أبلغك ويشهدون
على ذلك.
إنك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالماً، فأنت ما ذكرت من سوء الحال فما
كان أسوأ حالاً منا، وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع، كنا نأكل الخنافس والجعلان
والعقاب والحيات، ونرى ذلك طعامنا، وأما المغازل فإنما هي ظهر الأرض ولا نلبس إلا
ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم ديينا أن يقتل بعضنا بعضاً وأن يبغي بعضنا
على بعض وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن نأكل من طعامه وكانت حالنا
قبل اليوم على ما ذكرت لك فبعث الله إلينا رجلاً معروفاً نعرف نسبه ونعرف وجهه
ومولده، فأرضه خير أرضنا وحسبه خير أحسابنا وبيته خير بيوتنا وقبيلته خير قبائلنا
وهو نفسه كان خيرنا في الحال التي كان فيه أصدقنا وأحلمنا فدعا إلى أمر فلم يجبه
أحد.
أول ترب كان له الخليفة من بعده فقال وقلنا وصدق وكذبنا وزاد ونقصنا فلم
يقل شيئاً إلا كان.
فقذف الله في قلوبنا التصديق له وأتباعه فصار فيما بيننا
وبين رب العالمين.
فما قال لنا فهو قول الله وأما أمرنا فهو أمر الله فقال لنا
أن ربكم يقول أنا الله وحدي لا شريك لي كنت إذا لم يكن شيء، وكل شيء هالك إلا وجهي،
أنا خلقت كل شيء وإلى يصير كل شيء، وإن رحمتي أدركتكم فبعث إليكم هذا الرجل لأدلكم
على السبيل التي أنجيتم بها بعد الموت من عذابي، ولأحلكم داري دار السلام: فتشهد
عليه أنه جاء بالحق من عند الحق، وقال من تابعكم على هذا فله من لكم وعليه ما عليكم
ومن أبى فأعرضوا عليه الجزية ثم أمنعوه مما تمتعون منه أنفسكم ومن أبي فقاتلوه فأنا
الحكم بينكم فمن قتل منكم أدخلته جنتي ومن بقي منكم اعقبته لنصر على من انأواه
فاختر إن شئت الجزية وأنت صاغر، وإن شئت فالسيف، أو تسلم فتنجي نفسك.
فقال يزدجر
أستقبلني بمثل هذا فقال - المغيرة ما استقبلت إلا من كلمتني، ولو كلمني غيرك لم
أستقبلك به فقال: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك، لا شيء لكم عندي.
وقال أتوني
بوقر من تراب فاحملوه على أشرف هؤلاء ثم سوقوه حتى يخرج من أبيات المدائن- ارجعوا
إلى صاحبكم فأعلموه أني مرسل إليه رستم حتى يدفنه وجنده في خندق القادسية وينكل به
وبكم من بعد ثم أورده بلادكم حتى أشغلكم في أنفسكم باشد مما نالكم من سابور.
ثم
قال من أشرفكم؟ فقال عاصم بن عمرو وافتات ليأخذ التراب أنا أشرفهم أنا سيد هؤلاء
فحملنيه فقال أكذلك.
قلوا: نعم عمله على عنقه فخرج به من الديون والدار حتى أتى
راحلته فحمله عليها ثم رنجذب في السير ليأتوا به سعد أو سبقهم عاصم فمر قديس قطواه
وقال بشروا الأجير بالظفر، ظفرنا إن شاء الله تعالى ثم مضى حتى جعل التراب في الحجر
ثم رجع فدخل على سعد فأخبره الخبر.
فقال: إبشروا فقد والله أعطانا الله أفاليد
ملكهم، وتفاءلوا بذلك أخذ بلادهم، ثم لم يزل أمر الصحابة يزداد في كل يوم علواً
وشرفاً ورفعة وينحط أمر الفرس ذلاً وسفلاً ووهناً.
ومن خلال حوار النعمان بن
مقرن والمغيرة بن شعبة من جهة ويزدجر من جهة ثانية تنكشف لنا العقلية التي يفكر بها
الفرس.
إنهم قساة بغاة يستخفون بغيرهم من الأمم.
فالعرب ليسوا أكثر من شعب
خلق لخدمة الفرس ويتحدث يزدجر قومه فيقول: ( قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي، ولا
تغزوكم فارس) من العار على أهل فارس أن يفكروا أو يجهزوا أنفسهم لغزو العرب فأهل
الضواحي ند للعرب ولا يستحقون أكثر من هذا الأعداد.
ويقو أيضاً ( ولا تطعمون أن
تقوموا لهم ) إن مجرد وقوف العربي أمام الفارس تعظيماً وتبجيلاً. .
هذا الوقوف
بحد ذاته تكريم للعربي- هكذا يرى يزدجر) أما الرسالة والرسول والوحي فهي أمور لا
تستحق من يزدجر التفكير وكل ما يراه أن العرب جياع عراة ومن الممكن أن يجود عليهم
بقليل من الطعام واللباس، بل إن يزدجر مستعد أن يكرمهم أكثر ويندب!! إن العرب عنده
لا يستحقون أن يختارهم لهم ملكاً يستعمرهم ويتحكم برقابهم وأموالهم
وأرضهم.
وعندما رفض رسل سعد بن أبي وقاص عروض يزدجر أوكل لقائده رستم مهمة دفن
المسلمين في خندق القادسية وهذه هي العقلية التي يفكر بها الفرس: افتراءات
المستشرقين أمام انتصار المسلمين.
يقف أعداء الإسلام من المستشرقين والمستغربين
أمام الانتصار الذي حققه المسلمون على الفرس وقفة استغراب ودهشة ، ويجهدون أنفسهم
في البحث عن تعليل يفقد هذا الانتصار روعته، وبعد طول تفكير قالوا: كانت بلاد فارس
قد دب فيها الهرم وتفشت فيها أمراض الشيخوخة عند ظهور الإسلام، ومن سنن التاريخ أن
تنقلب الدولة الفتية القوية الناشئة على الدولة الهرمة الضعيفة
المنهارة.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد