محمد أحمد
الهوني*
الهوني*
الحمد لله أن الحرب في اليمن توقفت
في جانب منها، وأن المتمردين استجابوا أخيرا لدعوات التعقل والحكمة التي صدرت عن
جهات عربية عدة، وكانت صحيفة "العرب" من أول من قاد حملة لوقف شلال الدم إيمانا
منّا بأن الحرب لا تخلّف إلا منهزميْن، فما فائدة نصر يترك وراءه أعدادا من القتلى
والجرحى والمفقودين وملايين الدولارات ويُعيد جهود التنمية إلى نقطة
الصفر؟..
وإننا إذ نقدّر عاليا
الموقف الجريء الذي اتخذه الرئيس علي عبد الله صالح بوقف الحرب وفتح أبواب الحوار
والتفاوض مع المتمردين، ذلك أنه ليس أصعب على أي دولة من أن تقبل تفاوضا يساوي بين
المؤسسات الشرعية التي تمثّلها وبين مجموعات تشق عصا الطاعة في وجهها، فإننا ندعو
مختلف الأطراف إلى أن تبادر باغتنام الفرصة التي وفّرها الرئيس اليمني وأن تحقق
أرضية حوار حقيقي يقطع مع اللجوء إلى الحرب والعنف تماما، وهناك ثلاث جهات عليها
استخلاص العبرة سريعا: أولا: لعل أبرز الأطراف المعنية باستخلاص العبرة من هذه
الحرب هي الحكومة اليمنية نفسها، التي تحتاج إلى أن تفهم أن العنف في الشمال
والجنوب نابع في جزء منه من يأس الشباب في ظل استشراء ظواهر البطالة والفقر والأمية
والفساد الإداري والمالي ما يدفعهم إلى الانضمام إلى الحركات الناقمة على
الدولة..
ومسؤولية الحكومة لا تُلغي بالتأكيد مسؤولية المعارضة المدنية في
اليمن، وأساسا جماعة "المشترك"، هذه المعارضة التي فهمت أن دورها يكمن فقط في
الجلوس على الربوة ولعن السياسات الحكومية صباح مساء والمزايدة عليها بالشعارات،
وهو ما جعلها تبدو في صورة من يُبرر العنف المسلح الذي تقوده "القاعدة" والحوثيون
ضد الدولة، مع أن دورها المفروض كمعارضة مدنية هو أن تنحاز للمؤسسات الشرعية وتدافع
عنها حتى ولو اختلفت مع الحزب الحاكم الذي يُديرها، وإلا فما قيمة الديمقراطية وما
قيمة الاشتراك في الانتخابات وما قيمة حرية الرأي والتعبير والحق في تكوين الأحزاب؟
ثانيا: أما المتمردون الحوثيون فيحتاجون إلى أن يفهموا أن الرهان على الخارج
والاستقواء به خيار خاطئ ولن يوصل أبدا إلى شيء، وفشلهم في فرض "الواقع الجديد"
بقوة السلاح واستنهاض الانتماء المذهبي في المنطقة رسالة إلى شيعة السعودية والكويت
والبحرين والعراق وغيرهم مفادها أن التباكي على المظلومية وتوظيف الإرث الرمزي
للمحسوبين على آل البيت لا يستطيع أن يقودهم بأي شكل إلى تفتيت المنطقة وإقامة
دويلات قزمية ترتهن إلى إيران.
والحل الوحيد يكمن في أن يُعوّدوا أنفسهم على أن
يكونوا مواطنين داخل هذه الدول كغيرهم من المواطنين بقطع النظر عن مذهبهم
ومرجعياتهم، وإذا كانوا يشكّلون قوى ضغط حقيقية كما يقولون، فعليهم أن يختبروا
قوّتهم في الانتخابات التي هي البوابة العصرية الوحيدة للتأثير السياسي والاجتماعي
وتحقيق المكاسب لفائدة هذه الفئة أو تلك.
بقي أن نشير هنا إلى أن من حقهم على
الحكومة أن تهتم بمناطقهم وتوفّر لهم الحقوق التي توفّرها لغيرهم من أبناء المناطق
الأخرى من حيث مواطن العمل والبنية الأساسية.
أمّا إيران التي تأكد وقوفها
السياسي والإعلامي "وربما العسكري والمالي" وراء المجموعات الانفصالية فمن المهم أن
تفهم أن سياستها هذه أفقدتها الكثير من التعاطف العربي والإسلامي الواسع الذي تزامن
مع انتصار الثورة، وهي الآن تدفع العرب إلى أن يتحالفوا ضدّها دبلوماسيا وأمنيا
وعسكريا، وإذا استمر تعنتها وتدخلها في شؤون العرب وتواطؤها المفضوح، كما في
العراق، فستجد نفسها قريبا محاصرة من كل الاتجاهات وصيدا سهلا للقوى الاستعمارية
الكبرى.
ثالثا: أما الجهة الثالثة التي عليها استيعاب ما جرى واستخلاص العبر
منه، فهي الجهات المانحة التي شاركت في اجتماع لندن الأخير وتستعد لعقد مؤتمر خاص
باليمن في العاصمة السعودية، ولعل أبرز النتائج التي أفرزتها الحرب الأخيرة أن
الفقر والبطالة والأمية هي الظواهر التي صنعت الحوثيين و"القاعدة" وقد تصنع غيرهم
قريبا في اليمن وغيره من دول المنطقة.
وإذا كانت هذه الدول تريد فعلا أن تقضي
على وجود "القاعدة" والنزعات العنفية ذات البعد الطائفي والمذهبي في اليمن، فما
عليها إلا أن تضخّ الأموال وتُقيم المشاريع الحقيقية التي توفّر آلاف مواطن العمل
للشباب العاطل واليائس والناقم.
هذا الشباب إذا استمرت ظروفه قاسية وصعبة فنقمته
ستزداد على حكومته وعلى الأطراف الإقليمية والدولية التي تساعدها عسكريا وأمنيا
وتدفعها إلى خوض حروب تزيد البلاد فقرا وخرابا ودمارا، وبدل أن تذهب أموال الرياض
أو واشنطن أو لندن إلى الحرب وتزيد حجم النقمة والغضب عليها فالأولى أن تذهب إلى
البناء والتشييد وتُعطي الفرصة لليمن كي تحاور الغاضبين والناقمين وتعيد استقطابهم
ومن ثمة تحاصر المتطرفين وتقطع دابر التدخلات الخارجية.
وهكذا فالحرب توقفت، لكن
الحل ما يزال بعيدا إذا لم يبادر كل طرف من الأطراف الثلاثة إلى تحمّل مسؤولياته
كاملة.
___________________ •رئيس التحرير العرب أونلاين
في جانب منها، وأن المتمردين استجابوا أخيرا لدعوات التعقل والحكمة التي صدرت عن
جهات عربية عدة، وكانت صحيفة "العرب" من أول من قاد حملة لوقف شلال الدم إيمانا
منّا بأن الحرب لا تخلّف إلا منهزميْن، فما فائدة نصر يترك وراءه أعدادا من القتلى
والجرحى والمفقودين وملايين الدولارات ويُعيد جهود التنمية إلى نقطة
الصفر؟..
وإننا إذ نقدّر عاليا
الموقف الجريء الذي اتخذه الرئيس علي عبد الله صالح بوقف الحرب وفتح أبواب الحوار
والتفاوض مع المتمردين، ذلك أنه ليس أصعب على أي دولة من أن تقبل تفاوضا يساوي بين
المؤسسات الشرعية التي تمثّلها وبين مجموعات تشق عصا الطاعة في وجهها، فإننا ندعو
مختلف الأطراف إلى أن تبادر باغتنام الفرصة التي وفّرها الرئيس اليمني وأن تحقق
أرضية حوار حقيقي يقطع مع اللجوء إلى الحرب والعنف تماما، وهناك ثلاث جهات عليها
استخلاص العبرة سريعا: أولا: لعل أبرز الأطراف المعنية باستخلاص العبرة من هذه
الحرب هي الحكومة اليمنية نفسها، التي تحتاج إلى أن تفهم أن العنف في الشمال
والجنوب نابع في جزء منه من يأس الشباب في ظل استشراء ظواهر البطالة والفقر والأمية
والفساد الإداري والمالي ما يدفعهم إلى الانضمام إلى الحركات الناقمة على
الدولة..
ومسؤولية الحكومة لا تُلغي بالتأكيد مسؤولية المعارضة المدنية في
اليمن، وأساسا جماعة "المشترك"، هذه المعارضة التي فهمت أن دورها يكمن فقط في
الجلوس على الربوة ولعن السياسات الحكومية صباح مساء والمزايدة عليها بالشعارات،
وهو ما جعلها تبدو في صورة من يُبرر العنف المسلح الذي تقوده "القاعدة" والحوثيون
ضد الدولة، مع أن دورها المفروض كمعارضة مدنية هو أن تنحاز للمؤسسات الشرعية وتدافع
عنها حتى ولو اختلفت مع الحزب الحاكم الذي يُديرها، وإلا فما قيمة الديمقراطية وما
قيمة الاشتراك في الانتخابات وما قيمة حرية الرأي والتعبير والحق في تكوين الأحزاب؟
ثانيا: أما المتمردون الحوثيون فيحتاجون إلى أن يفهموا أن الرهان على الخارج
والاستقواء به خيار خاطئ ولن يوصل أبدا إلى شيء، وفشلهم في فرض "الواقع الجديد"
بقوة السلاح واستنهاض الانتماء المذهبي في المنطقة رسالة إلى شيعة السعودية والكويت
والبحرين والعراق وغيرهم مفادها أن التباكي على المظلومية وتوظيف الإرث الرمزي
للمحسوبين على آل البيت لا يستطيع أن يقودهم بأي شكل إلى تفتيت المنطقة وإقامة
دويلات قزمية ترتهن إلى إيران.
والحل الوحيد يكمن في أن يُعوّدوا أنفسهم على أن
يكونوا مواطنين داخل هذه الدول كغيرهم من المواطنين بقطع النظر عن مذهبهم
ومرجعياتهم، وإذا كانوا يشكّلون قوى ضغط حقيقية كما يقولون، فعليهم أن يختبروا
قوّتهم في الانتخابات التي هي البوابة العصرية الوحيدة للتأثير السياسي والاجتماعي
وتحقيق المكاسب لفائدة هذه الفئة أو تلك.
بقي أن نشير هنا إلى أن من حقهم على
الحكومة أن تهتم بمناطقهم وتوفّر لهم الحقوق التي توفّرها لغيرهم من أبناء المناطق
الأخرى من حيث مواطن العمل والبنية الأساسية.
أمّا إيران التي تأكد وقوفها
السياسي والإعلامي "وربما العسكري والمالي" وراء المجموعات الانفصالية فمن المهم أن
تفهم أن سياستها هذه أفقدتها الكثير من التعاطف العربي والإسلامي الواسع الذي تزامن
مع انتصار الثورة، وهي الآن تدفع العرب إلى أن يتحالفوا ضدّها دبلوماسيا وأمنيا
وعسكريا، وإذا استمر تعنتها وتدخلها في شؤون العرب وتواطؤها المفضوح، كما في
العراق، فستجد نفسها قريبا محاصرة من كل الاتجاهات وصيدا سهلا للقوى الاستعمارية
الكبرى.
ثالثا: أما الجهة الثالثة التي عليها استيعاب ما جرى واستخلاص العبر
منه، فهي الجهات المانحة التي شاركت في اجتماع لندن الأخير وتستعد لعقد مؤتمر خاص
باليمن في العاصمة السعودية، ولعل أبرز النتائج التي أفرزتها الحرب الأخيرة أن
الفقر والبطالة والأمية هي الظواهر التي صنعت الحوثيين و"القاعدة" وقد تصنع غيرهم
قريبا في اليمن وغيره من دول المنطقة.
وإذا كانت هذه الدول تريد فعلا أن تقضي
على وجود "القاعدة" والنزعات العنفية ذات البعد الطائفي والمذهبي في اليمن، فما
عليها إلا أن تضخّ الأموال وتُقيم المشاريع الحقيقية التي توفّر آلاف مواطن العمل
للشباب العاطل واليائس والناقم.
هذا الشباب إذا استمرت ظروفه قاسية وصعبة فنقمته
ستزداد على حكومته وعلى الأطراف الإقليمية والدولية التي تساعدها عسكريا وأمنيا
وتدفعها إلى خوض حروب تزيد البلاد فقرا وخرابا ودمارا، وبدل أن تذهب أموال الرياض
أو واشنطن أو لندن إلى الحرب وتزيد حجم النقمة والغضب عليها فالأولى أن تذهب إلى
البناء والتشييد وتُعطي الفرصة لليمن كي تحاور الغاضبين والناقمين وتعيد استقطابهم
ومن ثمة تحاصر المتطرفين وتقطع دابر التدخلات الخارجية.
وهكذا فالحرب توقفت، لكن
الحل ما يزال بعيدا إذا لم يبادر كل طرف من الأطراف الثلاثة إلى تحمّل مسؤولياته
كاملة.
___________________ •رئيس التحرير العرب أونلاين