الزريبي
شرفاء العالم، كلاهما سيان في هذا العصر، بل قل إن من الهيّن محاكمة الشرفاء ومن
المستعصى محاكمة الطغاة، وكأنه في نظر حكام العصر لا فرق بين المحاكمات الضالة
والمحاكمات العادلة "إن وجدت".
فقد تغلب على المجتمعات نزعة الشر ويسود
الاستبداد فتطال المشانق أشراف الناس
وأعزاء القوم، وتغفو العيون عن أشرار الطغاة..
وفي التاريخ أبطال وعظماء نالتهم
يد الشر بكل معنى للإساءة والإدانة والإطاحة، فقِيدوا إلى المقاصل وجزت رؤوسهم بأيد
استعمارية حاقدة، مثلما حدث لعمر المختار وصدام حسين وأمثالهما الكثير..
ففي هذه
الحال تتفشى نزعة الشر التي ينقلب بموجبها كل مفهوم للعدالة البشرية، فالظالم يصبح
مظلوما، والمعتدي يجعل من قوة عدوانه التي دفعته معتدى عليه، والإرهابي الذي يبث
الرعب والفزع بين الجماهير يفسر ذلك بأنه إعلان حرب على الإرهاب.
وهكذا بدل أن
يساق الطاغية إلى المقصلة قصاصا من شره وطغيانه يسوق هو، بأمره وبحكم جبروته،
الأبرياء إلى قفص الاتهام كي يحلوا محله، وكي تبدو في النهاية المعادلة العكسية في
نظر قصيري النظر هي الصحيحة والطريق الأمثل لصون الكرامة..
ولذلك تبدو إدانة
الطاغية عند هؤلاء من الصعب بمكان..
لكن لو فعلا بصبرهم وحكمتهم تمكنت يد
العدالة بتوفيق من الله من وضع حبل المشنقة هذه المرة في محله، ولم تخطئ في شخص
الجاني فإن هذه تعتبر سابقة تاريخية لا مثيل لها على مدى قرنين من الزمن، وتحسب لهم
سابقة تاريخية..
وإن وجدوا سبيلا إلى ذلك، فتلك علامة على أن عصر الظلمات قد بدأ
يشيح بوجهه ويولي ظهره وأن نيرانه قد بدأت تخبو؛ وهذا ما تتطلع إليه الهمم الثابتة
في هذا الأوان.
إن محاكمة بوش اليوم أكثر من منطقية وأكثر من مصداقية لعدالة
الأرض والسماء.
وإذا كان الحافز على ارتكاب جرائم بوش وزبانيته هو امتلاك القوة
العظمى في الكون، فإن من يمتلك القوة العظمى في الكون فيصرفها في إفناء البشر وقهر
البشر هو أضعف من دَبّ على بساط هذا الكون لأنه لا يملك قوة العدالة وقوة المنطق
والحجة السليمة وقوة الفكر الإنساني، فهو أقرب إلى مجانين الأرض وصعاليكهم.
ومن
العدل والمنطق والإنصاف أن تنزع منه هذه القوة الغاشمة التي جعلته يخبط خبط عشواء
في تهوره..
وإذا كان من غير الجائز ومن غير الممكن أن تنزع قوة من جبروت ملكها
في ظروف مظلمة وغامضة واستغلها لغايات باطلة هدامة، ووقف بالمرصاد لكل من تحدثه
نفسه بمماثلته من صنف المغلوب على أمرهم، فما تستوجبه الأوضاع والحالة تلك أن يتسلح
المنادون بالعدالة والمتمسكون بمبادئهم الشرعية والمؤمنون بقولة "الحق يعلو ولا
يعلى عليه"، بنصيب وافر من الشجاعة في قولة الحق بكل ثبات ورأس شامخ يرنو إلى العزة
والعلا متحلين بالصبر في كل معاناتهم وطول النفس، لأن صخرة هذا الظلم الجاثم على
صدور الأبرياء لا تتزحزح إلا بتقديم التضحيات الجسام، من أنفس وثمرات، مع حذف سياسة
المداهنة والمهادنة من قاموس الأمة لأن الخنوع علامة اليأس والفشل ولا يزيدها صاحبه
إلا ذبولا وخيبة.