صفحه من
كتاب
كتاب
هنا يشير المؤلف إلى أنه مهما اتسع
نطاق المشاركة الشعبية فإنه لن يتعدى النطاق القومي، الأمر الذي يجعل الديمقراطية
مرتبطة لا محالة بفكرة القومية أو العنصرية. .
وحرياتها وحقوقها لا تتجاوز في
أفضل الحالات نطاق الشعب بل الطبقة المهيمنة.
إذاً لا عجب أن تجد أعرق
الديمقراطيات المعاصرة. . متوغلة في الوحشية والاستبداد بالشعوب الأخرى، ولإنها لا تستند إلى
قيمة مطلقة غير قيمة اللذة والسيطرة وحق الأقوى فإن حريتها لا تحدها غير
القوة.
أشرنا في الحلقة السابقة من هذا الكتاب إلى أن القانون الطبيعي
خرج إلى حد ما من حالة الغموض التي كان عليها والميتافيزيقيا التي كان عليها يوم أن
كان ثوباً فضفاضاً يمكن لأي رجل دين أو ملك ظالم أن يرتديه لإضفاء الشرعية على
أوامره ونواهيه. .
ولقد وجد القانون الدولي في فكرة القانون الطبيعي الأساسي
الصالح للدفاع عن وجوده على اعتبار علو قانون الطبيعة عن كل الخصوصيات الوطنية ولكن
ذلك زاد أنصار فكرة السيادة كمقوم أساسي للدولة حرجاً.
إذ أن الاعتراف بقانون
دولي يعني الاعتراف بسلطة خارج مجال الدولة تحد من سلطانها وتقيد إرادتها التشريعية
إذ تفرض عليها الخضوع لمقتضيات وقواعد القانون الدولي وذلك ما جعل أنصار السيادة
المطلقة للدولة يرفضون اعتبار أية صلاحية للقانون الدولي كسلطان يعلو سلطان الدولة،
ولكن الدولة من منطلق سيادتها يمكن لها الاعتراف بالقوانين الدولية كنوع من التحديد
الذاتي، ويمكنها أيضاً اعتبار سيادتها مطلقة في غير المجال الدولي، أي ما يخص
علاقتها بغيرها، فضلاً عن أن جهاز القانون الدولي لا يزال بسيطاً، إذ لا يملك في
أحيان كثيرة قوة التنفيذ ويحتاج في تنفيذ أحكامه، كما هو الحال في محكمة "لاهاي"
الدولية إلى تصديق المعنيين بالأمر قبول الاحتكام إليها.
ولكن أياً كان التبرير
أو منهاج التوفيق بين مبدأ السيادة وهو بوصلة الدولة الغربية وبين الاعتراف بمواثيق
لحقوق الإنسان وبقانون دولي ومؤسسات دوليه تعلو سلطان الدولة وتفرض عليها الانسجام
معها لدى ممارستها سيادتها، فمما لا ريب فيه أن ذلك قد فتح ثغرات من الشك من جدار
مبدأ السيادة المطلقة كمقوم أساسي للدولة الحديثة مما يترك المجال لإمكانية القبول
بسيادة محدودة وإن تباينت المذاهب في نوع ومصدر القيمة أو السلطة أو الجهة التي تحد
من تلك السيادة وتعلوها وتفرض عليها الانسجام معها والخضوع لمقتضياتها. .
هل هي
قانون الطبيعة؟ أم قانون الأخلاق أم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان أم القانون
الدولي أم سلطان الله المطلق الذي نطق به الوحي الثابت.
* التسلط رغبة غربية
قائمة: لعل الثابت أن مبدأي الشرعية أي خضوع الدولة للقانون ومبدأ السيادة الشعبية
واعتبار سلطان الدولة التشريعي أساساً لا يعلوه سلطان وعدم خضوعها لأي سلطة
خارجية واستمرار سلطانها من الشعب عن طريق الانتخاب العام.
إن هذين المبدأين
وهما جوهر الدولة الغربية، ولئن مثل الإقرار بهما خطوة هامة في تأكيد سلطة القانون
والشعب فوق سلطة شخص الحاكم وفي الإقرار للمواطن بحقوق ثابتة وتمكينه من أدوات
مقاربة الحوار، تبقى المشكلة السياسية بكل ثقلها المتمثلة في كيفية كبح جماح رغبة
الإنسان من التسلط على الآخرين، مستغلاً ضرورتهم إلى الاجتماع.
إن هذه المشكلة
لا تجد لها حلاً فرضياً في إطار مفهوم الدولة الغربية من خلال مفهوميه الأساسيين:
مبدأ الشرعية وسيادة الشعب.
أين النظام الديمقراطي. . ؟ إن تعريف الديمقراطية
بأنها حكم الشعب نفسه بنفسه يفترض اشتراك جميع أفراد المجتمع في شؤون الحكم
بالتساوي، وهو أمر متعذر ربما بسبب الاستحالة الواقعية لعدد كبير من المواطنين غير
الرشداء أو المحرومين من حقوقهم المدنية أن يشتركوا بل إنه حتى في نطاق الشعب
السياسي أي المتمتعون بحقوقهم السياسية، ليست هناك مقاييس ثابتة لتحديد هؤلاء، فلقد
كان عددهم في أثينا لا يزيد على 20 ألفاً بينما كان عدد السكان 320ألفاً ، فكان
الأرقاء والأجانب محجوبين عن المشاركة، ولم يكن يدعى للانتخاب من بريطانيا زمناً
طويلاً إلا الميسورين، وظلت المرأة محرومة من الانتخاب إلى سنة 1928 في بريطانيا
وفي فرسنا إلى عام 1945م وتأخرت المرأة السويسرية إلى سنة 1971م ، ولا تزال بعض
الولايات الأمريكية لا تساوي بين البيض والسود في الحقوق السياسية، ورغم أنه من
الناحية النظرية تتساوى قوة أصوات المالكين للاحتكارات الكبرى ومديري المشاريع
والنخب الفنية المسيرة وملاك الصحف وقنوات البث الإذاعي والتلفزي، والعاملين فيها
من المسيرين العاطلين عن العمل، أو العمال في الزراعة والصناعة وهم الذين يمثلون
غالبية الشعب السياسي.
فإن الواقع يشهد أن هؤلاء الآخرين يتبعون غالباً توجهات
الفئات الأولى على قلة عددها.
الأمر الذي جعل تعريف الديمقراطية بأنها حكم الشعب
بالشعب يعد رؤية مثالية لا يمكن تحقيقها.
ذهب بعض المنظرين المحدثين إلى تصحيح
النظرة إلى الحكم الديمقراطي فاعتبروه ليس حكم الشعب ولكنه الحكم المتعدد الأطراف
الذي تزاوله النخبة من المواطنين والقادة والسياسيين ويقوم في ظله حوار بين ممثلي
الجماعات والمصالح، ولكن تلك النخبة تزاول الحكم بإرادة جماهير الناخبين ، الأمر
الذي يجعل الديمقراطية العملية ليست إلا حكم النخبة باسم الشعب، ولكن خصوم النظرية
التقليدية في الديمقراطية مضوا أبعد من ذلك في نقدها فشككوا في مصداقية تلك الإنابة
إنابة الجماهير للنخبة. .
هل هي إنابة واعية حرة أم إنابة الجاهل المضلل الذليل
التي تشبه في جوهرها الإكراه أو الخداع؟.
الملكية الرأسمالية: لقد أقامت
الديمقراطيات الغربية المساواة السياسية وحذفت الامتيازات والارستقراطية ولكنها
ولدت بالتدرج اللا مساواة الاقتصادية التي تتجه إلى إيجاد أرستقراطية جديدة تقوم
على الملكية الرأسمالية والاحتكارات الكبرى التي تمارس نفوذاً واسعاً على الأحزاب
والصحافة والرأي العام. .
لكن هل يعني ذلك أن الوزراء والنواب ورؤساء الحكومات
والأحزاب والصحافة مجرد دمى في يد الرأسماليين كما يزعم التبسيط الدعائي الماركسي،
ويشاركه للأسف فريق من أصحاب التوجه الإسلامي. .
يجيب "دوفرجي" كبير الفقهاء
الدستوريين ذو التوجه الاشتراكي بالنفي ذلك أن هؤلاء يستطيعون الاعتماد على
الناخبين للصمود في وجه الضغوط الاقتصادية، رغم تأثر تلك الضغوط فيهم، مما يجعل
القرارات في الأخير لا يمليها طرف واحد بل هي تؤخذ في إطار قوى
متوازنة.
نطاق المشاركة الشعبية فإنه لن يتعدى النطاق القومي، الأمر الذي يجعل الديمقراطية
مرتبطة لا محالة بفكرة القومية أو العنصرية. .
وحرياتها وحقوقها لا تتجاوز في
أفضل الحالات نطاق الشعب بل الطبقة المهيمنة.
إذاً لا عجب أن تجد أعرق
الديمقراطيات المعاصرة. . متوغلة في الوحشية والاستبداد بالشعوب الأخرى، ولإنها لا تستند إلى
قيمة مطلقة غير قيمة اللذة والسيطرة وحق الأقوى فإن حريتها لا تحدها غير
القوة.
أشرنا في الحلقة السابقة من هذا الكتاب إلى أن القانون الطبيعي
خرج إلى حد ما من حالة الغموض التي كان عليها والميتافيزيقيا التي كان عليها يوم أن
كان ثوباً فضفاضاً يمكن لأي رجل دين أو ملك ظالم أن يرتديه لإضفاء الشرعية على
أوامره ونواهيه. .
ولقد وجد القانون الدولي في فكرة القانون الطبيعي الأساسي
الصالح للدفاع عن وجوده على اعتبار علو قانون الطبيعة عن كل الخصوصيات الوطنية ولكن
ذلك زاد أنصار فكرة السيادة كمقوم أساسي للدولة حرجاً.
إذ أن الاعتراف بقانون
دولي يعني الاعتراف بسلطة خارج مجال الدولة تحد من سلطانها وتقيد إرادتها التشريعية
إذ تفرض عليها الخضوع لمقتضيات وقواعد القانون الدولي وذلك ما جعل أنصار السيادة
المطلقة للدولة يرفضون اعتبار أية صلاحية للقانون الدولي كسلطان يعلو سلطان الدولة،
ولكن الدولة من منطلق سيادتها يمكن لها الاعتراف بالقوانين الدولية كنوع من التحديد
الذاتي، ويمكنها أيضاً اعتبار سيادتها مطلقة في غير المجال الدولي، أي ما يخص
علاقتها بغيرها، فضلاً عن أن جهاز القانون الدولي لا يزال بسيطاً، إذ لا يملك في
أحيان كثيرة قوة التنفيذ ويحتاج في تنفيذ أحكامه، كما هو الحال في محكمة "لاهاي"
الدولية إلى تصديق المعنيين بالأمر قبول الاحتكام إليها.
ولكن أياً كان التبرير
أو منهاج التوفيق بين مبدأ السيادة وهو بوصلة الدولة الغربية وبين الاعتراف بمواثيق
لحقوق الإنسان وبقانون دولي ومؤسسات دوليه تعلو سلطان الدولة وتفرض عليها الانسجام
معها لدى ممارستها سيادتها، فمما لا ريب فيه أن ذلك قد فتح ثغرات من الشك من جدار
مبدأ السيادة المطلقة كمقوم أساسي للدولة الحديثة مما يترك المجال لإمكانية القبول
بسيادة محدودة وإن تباينت المذاهب في نوع ومصدر القيمة أو السلطة أو الجهة التي تحد
من تلك السيادة وتعلوها وتفرض عليها الانسجام معها والخضوع لمقتضياتها. .
هل هي
قانون الطبيعة؟ أم قانون الأخلاق أم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان أم القانون
الدولي أم سلطان الله المطلق الذي نطق به الوحي الثابت.
* التسلط رغبة غربية
قائمة: لعل الثابت أن مبدأي الشرعية أي خضوع الدولة للقانون ومبدأ السيادة الشعبية
واعتبار سلطان الدولة التشريعي أساساً لا يعلوه سلطان وعدم خضوعها لأي سلطة
خارجية واستمرار سلطانها من الشعب عن طريق الانتخاب العام.
إن هذين المبدأين
وهما جوهر الدولة الغربية، ولئن مثل الإقرار بهما خطوة هامة في تأكيد سلطة القانون
والشعب فوق سلطة شخص الحاكم وفي الإقرار للمواطن بحقوق ثابتة وتمكينه من أدوات
مقاربة الحوار، تبقى المشكلة السياسية بكل ثقلها المتمثلة في كيفية كبح جماح رغبة
الإنسان من التسلط على الآخرين، مستغلاً ضرورتهم إلى الاجتماع.
إن هذه المشكلة
لا تجد لها حلاً فرضياً في إطار مفهوم الدولة الغربية من خلال مفهوميه الأساسيين:
مبدأ الشرعية وسيادة الشعب.
أين النظام الديمقراطي. . ؟ إن تعريف الديمقراطية
بأنها حكم الشعب نفسه بنفسه يفترض اشتراك جميع أفراد المجتمع في شؤون الحكم
بالتساوي، وهو أمر متعذر ربما بسبب الاستحالة الواقعية لعدد كبير من المواطنين غير
الرشداء أو المحرومين من حقوقهم المدنية أن يشتركوا بل إنه حتى في نطاق الشعب
السياسي أي المتمتعون بحقوقهم السياسية، ليست هناك مقاييس ثابتة لتحديد هؤلاء، فلقد
كان عددهم في أثينا لا يزيد على 20 ألفاً بينما كان عدد السكان 320ألفاً ، فكان
الأرقاء والأجانب محجوبين عن المشاركة، ولم يكن يدعى للانتخاب من بريطانيا زمناً
طويلاً إلا الميسورين، وظلت المرأة محرومة من الانتخاب إلى سنة 1928 في بريطانيا
وفي فرسنا إلى عام 1945م وتأخرت المرأة السويسرية إلى سنة 1971م ، ولا تزال بعض
الولايات الأمريكية لا تساوي بين البيض والسود في الحقوق السياسية، ورغم أنه من
الناحية النظرية تتساوى قوة أصوات المالكين للاحتكارات الكبرى ومديري المشاريع
والنخب الفنية المسيرة وملاك الصحف وقنوات البث الإذاعي والتلفزي، والعاملين فيها
من المسيرين العاطلين عن العمل، أو العمال في الزراعة والصناعة وهم الذين يمثلون
غالبية الشعب السياسي.
فإن الواقع يشهد أن هؤلاء الآخرين يتبعون غالباً توجهات
الفئات الأولى على قلة عددها.
الأمر الذي جعل تعريف الديمقراطية بأنها حكم الشعب
بالشعب يعد رؤية مثالية لا يمكن تحقيقها.
ذهب بعض المنظرين المحدثين إلى تصحيح
النظرة إلى الحكم الديمقراطي فاعتبروه ليس حكم الشعب ولكنه الحكم المتعدد الأطراف
الذي تزاوله النخبة من المواطنين والقادة والسياسيين ويقوم في ظله حوار بين ممثلي
الجماعات والمصالح، ولكن تلك النخبة تزاول الحكم بإرادة جماهير الناخبين ، الأمر
الذي يجعل الديمقراطية العملية ليست إلا حكم النخبة باسم الشعب، ولكن خصوم النظرية
التقليدية في الديمقراطية مضوا أبعد من ذلك في نقدها فشككوا في مصداقية تلك الإنابة
إنابة الجماهير للنخبة. .
هل هي إنابة واعية حرة أم إنابة الجاهل المضلل الذليل
التي تشبه في جوهرها الإكراه أو الخداع؟.
الملكية الرأسمالية: لقد أقامت
الديمقراطيات الغربية المساواة السياسية وحذفت الامتيازات والارستقراطية ولكنها
ولدت بالتدرج اللا مساواة الاقتصادية التي تتجه إلى إيجاد أرستقراطية جديدة تقوم
على الملكية الرأسمالية والاحتكارات الكبرى التي تمارس نفوذاً واسعاً على الأحزاب
والصحافة والرأي العام. .
لكن هل يعني ذلك أن الوزراء والنواب ورؤساء الحكومات
والأحزاب والصحافة مجرد دمى في يد الرأسماليين كما يزعم التبسيط الدعائي الماركسي،
ويشاركه للأسف فريق من أصحاب التوجه الإسلامي. .
يجيب "دوفرجي" كبير الفقهاء
الدستوريين ذو التوجه الاشتراكي بالنفي ذلك أن هؤلاء يستطيعون الاعتماد على
الناخبين للصمود في وجه الضغوط الاقتصادية، رغم تأثر تلك الضغوط فيهم، مما يجعل
القرارات في الأخير لا يمليها طرف واحد بل هي تؤخذ في إطار قوى
متوازنة.