محمد أحمد
الهوني#
الهوني#
قلنا في مقال سابق لنا إن الاتفاق
الذي تم بين السلطة المركزية في صنعاء وبين جماعة الحوثيين هو خطوة صغيرة على طريق
الحل، وإن الحل ما يزال بعيدا. . وقناعتنا هذه تتأسس على اعتبار أن الأزمة في اليمن
ليست سياسية ولا أمنية، إنها ابعد من ذلك بكثير، وحتى دعوات الانفصال الباحثة عن
تكوين كانتونات قزمية صغيرة فهي تعبّر عن ظاهر الأزمة وبعض نتائجها، فالحل لن يتحقق بانفصال
الجنوب ولا بإقامة إمارة صغيرة للحوثيين تكون مركزا للعب الاستخبارات الإيرانية على
حدود السعودية لتتولى زعزعة دول الخليج العربي، كما زعزعت العراق وتزعزع
اليمن. .
ببساطة شديدة؛ الأزمة في اليمن أزمة تنمية، وفقر، وبطالة، وتعليم
عاجز عن توفير خريجين في مستويات التعليم المختلفة مرتبطين بسوق العمل المحلي
والإقليمي، وقلنا إن الحل الذي يتصدى لمن رفعوا السلاح في وجه الدولة لن يكون حلا
عسكريا ولا أمنيا فقط، فالحرب لا رابح فيها أبدا، والخاسر هو اليمن الذي يفقد
أعدادا من شبابه في معارك عبثية القاتل فيها والمقتول في النار استنادا إلى الحديث
الشريف الذي يُحرّم القتال بين المسلمين أيا كانت الخلافات والأسباب، وهو حديث ينزع
الشرعية عن "العبث النضالي" الذي نراه في أمتنا والذي تنهض به مجموعات تزعم أنها
وحدها الفرقة المؤمنة والناجية التي تمتلك مفاتيح الجنة وتمتلك حق التكفير وتشريع
القتل والانتحار وقتل الأبرياء مسلمين وغير مسلمين مع أن الدين الحنيف يحرّم ذلك
بنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، ويترك الحوار البوابة الوحيدة أمام العرب
والمسلمين لحل ما يطرأ بينهم من خلافات في الرؤى والمواقف.
لأجل هذا كنّا نطالب
دائما في دار العرب للصحافة والنشر عبر مطبوعاتنا ومواقعنا الإلكترونية المختلفة
بتدخل عربي ودولي لدعم اليمن في معاركه ضد "القاعدة" و"الحراك الجنوبي" والحوثيين،
والدعم هنا لم نقصد به الدعم العسكري والاستخباري أو المشاركة الميدانية في المعارك
كما تريده الولايات المتحدة التي لا ترى في اليمن غير واجهة من الواجهات التي
تفتحها في حربها على الإرهاب، وإنما الدعم الاقتصادي سواء ما تعلق بالاستثمارات ذات
الثقل، أو ما تعلق بالدعم المالي المباشر لإعانة الدولة على النهوض بالأعباء
المباشرة ذات الأولوية القصوى مثل رواتب موظفيها، والاعتمادات التي توجّه للجيش
والأمن ليقدر على الصمود في وجه الانفصاليين، وليس لسحقهم وتقتيل أبرياء وفقراء
ومهمشين انخدعوا بالشعارات فدخلوا مواجهة مع الدولة التي لم تقدر على تعليمهم ولا
توفير الخبز والمسكن والعمل لهم. .
والأمر ليس متعلقا باليمن وحده، فالحل في
الصومال أو السودان هو حل اقتصادي أولا وأخيرا، والحمد لله أن دولا عربية كثيرة
تمتلك المال وقادرة على الاستثمار بما يكفي لحل أزمات اليمن والسودان والصومال
وغيرها، ونود أن نشير إلى أن المال العربي قادر لوحده على سحب البساط من تحت أقدام
التدخل الخارجي في الدول المذكورة، فالقوى الاستعمارية تتقن اللعب على الأوضاع
المتردية وتوظّف ميراث الخلافات الطائفية والقومية والدينية لتشعل بها الحروب
الأهلية وتُغدق على خططها الكثير من المال، ورأينا أن الدخول الجدي لأطراف عربية
مختلفة "ليبيا، قطر. . " على ملف دارفور كيف وصل به إلى حل يمتلك مقومات النجاح
والدوام.
اليمن يحتاج إلى الاستثمارات الخليجية على وجه الخصوص، والسودان كذلك
خاصة وهو سلة غذاء افتراضية تقدر على حل مشاكل العالم كله وليس المنطقة، والصومال
تقول كل المؤشرات إن حربه ليست مع "الإرهاب" وإنما مع القاعدة الاقتصادية التي
تُثبّت بها الدولة وجودها وتكسب بها احترام شعبها قبل تعاطفه وتضامنه
معها.
ويبدو أن دول الخليج بدأت تقتنع أخيرا بوجهة نظرنا، وفهمت جديا أن ترك
اليمن يواجه قدره وحيدا سينتهي إلى نهايات معاكسة لمصالحها وأنها ستتورط عاجلا أم
آجل في أزمات اليمن، وها أن السعودية الدولة المصنفة ثانيا من حيث وزنها الإقليمي
والعربي تتورط عسكريا في حرب مع الحوثيين وضعتها في الزاوية، فقد فشلت في الحسم
العسكري فشلا تاما، كما تورط طيرانها "عن حسن نية" في قتل مدنيين أبرياء ذنبهم أنهم
كانوا في مناطق الحرب، واضطرت الرياض إلى التفاوض وطلب الوساطات لاسترداد أسراها
وجثث جنودها. .
المؤتمر الثاني للمانحين الذي انعقد في الرياض أواخر فبراير كان
حاسما في مواقفه فقد دعا الدول المانحة، وبالطبع المقصود هنا هم دول الخليج، إلى
تنفيذ تعهداتها السابقة والحالية تجاه اليمن وحث القطاع الخاص على التوجه إلى البلد
الجار بقوة والاستثمار فيه بجدية بمنطق أن إنقاذ اليمن هو إنقاذ للسعودية وبقية
الدول الخليجية التي يتهددها عنف القاعدة واللعب السري الإيراني من خلال توظيف
المجموعات المذهبية الشيعية في الخليج، لكنه، أيضا، حل حقيقي لأوروبا التي نالها من
التفجيرات الإرهابية الكثير بفعل تمترسها وراء واشنطن في "الحرب على
الإرهاب".
أصبحت دول الخليج تعرف أن اليمن يعاني من أزمة تنمية وقع ضحيتها جراء
التغيرات السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية، وأصبحت تعرف أيضا أن إنقاذ
اليمن من أزماته يتم بالانفتاح عليه واستثمار إمكانياته البشرية والطبيعية الكبيرة
بما يعود بالنفع على الجميع.
ولقد مرت دول الخليج مسنودة بجهود أوروبا إلى خطوات
عملية فعلية، ويتنزل هنا الخبر الخاص بنية إحدى الشركات القطرية بالتعاون مع شركة
بريطانية مختصة تمويل جهود تكوين وتأهيل 100 ألف من شباب اليمن في المجالات المهنية
والتقنية للعمل في السوق الخليجية، وهو خبر يكشف عن تحول حقيقي في أزمة اليمن لأنه
سيسمح بمحاربة أم الأزمات هناك وهي البطالة التي هي الحاضنة الأولى للتشدد
والانغلاق والإرهاب، فضلا عن كونه سيغيّر مجرى التعليم باليمن من تعليم يقوم على
فائض النظريات والحفظ والترديد والشرح إلى تعليم يقوم على الحياة ويرتبط بالقوت
ويفتح عينيه على ما يجري في الدنيا حوله من تطور تكنولوجي هائل لا سبيل لأي دولة أن
تعيش خارجه أو تتأخر عنه يوما. .
ونود هنا أن نشير إلى أن دعواتنا المتواصلة
ل"تعريب" العمالة التي تستوردها دول الخليج بدل التركيز على جلبها من جنوب شرق
آسيا كانت نابعة من قناعة قوية تأسست عليها "العرب" ومختلف منشوراتها وهي أن للعرب
مصيرا واحدا حتى وإنْ حاول بعضهم التمسك بخصوصيته القطرية وبحث في التاريخ عما يبرر
تمركزه حول ذاته، وقد وصلنا إلى لحظة تاريخية أصبحت تفرض علينا أن نعود إلى الرابطة
الجامعة، ونعني العروبة.
ففي العراق، ورغم أن زعماء عربا كثيرين أغمضوا أعينهم
عن غزوه، وبعضهم شارك فعليا، فإن إفرازات سبع سنوات من الاحتلال أصبحت تهدد أمن دول
الخليج فعليا، ليس فقط لأنها قوت التيارات المتشددة، وإنما لأنها وضعت طهران في
موقف أقوى وأعطتها الكثير من الأوراق ما يسمح لها بتهديد حقيقي لأمن العرب القريبين
منها والبعيدين، فضلا عما هو أكبر خطرا ونعني أن دول الخليج ومصالحهم الاستراتيجية
أصبحت بين كماشة أمريكية أحاطتهم بالقواعد العسكرية ومئات الآلاف من الجنود، وهي
تريد أن تجد من أزمات اليمن الاقتصادية وحاجته للدعم مبررا آخر لتزيد حجم العسكرة
في المنطقة.
بعض الدول التي تمسكت بهويتها القطرية وضخمتها لتجعل منها بديلا عن
عمقها العربي وجدت نفسها في وضع التابع رغم أنفه لأحلاف دولية تتعارض مصالحها مع
مصلحة أي بلد عربي، ففي خضم هروب مصر باتجاه السلام، وهو هروب كان هدفه الخفي إثبات
أن مصر أكبر من أن تنتظر الدعم المشروط من دول الخليج بعد مخلفات الصراعات الكلامية
لحقبة الستينات، وجدت نفسها تحت رحمة الدعم المشروط الآتي من واشنطن، ومع تلويح
اللوبي الصهيوني سنويا بحجب المساعدات أو تقليصها تهتز الأرض تحت أقدام الساسة
المصريين لأنه بدون هذه المساعدة لا يقدرون على توفير الرغيف لثمانين مليون
فم.
وبالنسبة لدول الخليج التي كابرت وأدارت بالظهر للعمالة العربية كردة فعل
على المزايدات والشعارات الآتية من دول عربية أخرى التي تتهمها بأوصاف كثيرة مثل
الرجعية، والغرق في الاقتصاد الريعي، والارتهان لحلف النيتو، فإنها وجدت بلدانها
خليطا من اللغات واللهجات والأديان بالإضافة إلى أغلبية غير عربية وعمالة لا تتمتع
بشروط عمل مهنية ولا قانونية أو أخلاقية، وتحولت إلى ورقة ضغط بيد دول ومنظمات
دولية تترصد للعرب الأخطاء لتشن عليهم الحملات.
وها أن الأصوات بدأت ترتفع من
داخل دول الخليج لإنقاذ أبنائه من الغزو الثقافي الآتي من جنوب شرقي اسيا، وهو غزو
شوّه ثقافة الأبناء وسرّب إليهم أنواعا عديدة من الجرائم تتناقض مع طبيعة مجتمعاتهم
العربية الإسلامية، وتتوسع دائرة الدعوة إلى الانفتاح على العمالة العربية من جديد
للحفاظ على الهوية العربية الإسلامية لهذه الدول.
وهكذا، فاستنجاد الخليجيين
بالعمالة اليمنية لا يحل أزمة اليمن وحده، بل يساعد على تطويق أزمات الدول الست
الجارة التي أفاقت على الخطر متأخرا، وهذا معطى إضافي يؤكد أن وحدة المصير بين
أطراف الأمة والتي يرفعها الكثير من المثقفين العروبيين ليست شعارا بهلوانيا بل هي
حاجة اجتماعية أولا.
ونعود لنؤكد، أيضا، أن انفتاح دول الخليج وحماسها للاستثمار
في اليمن لن يعفي اليمنيين من خطوات داخلية عديدة سبق أن ذكرناها وأبرزها القطع مع
خيار الحرب والانفصال بالنسبة إلى مختلف الفرقاء والإيمان بأن الحوار هو البوابة
الوحيدة للاستقرار وحفظ كيان الدولة الجامعة لمختلف ألوان الطيف اليمني.
رئيس
تحرير العرب أونلاين
الذي تم بين السلطة المركزية في صنعاء وبين جماعة الحوثيين هو خطوة صغيرة على طريق
الحل، وإن الحل ما يزال بعيدا. . وقناعتنا هذه تتأسس على اعتبار أن الأزمة في اليمن
ليست سياسية ولا أمنية، إنها ابعد من ذلك بكثير، وحتى دعوات الانفصال الباحثة عن
تكوين كانتونات قزمية صغيرة فهي تعبّر عن ظاهر الأزمة وبعض نتائجها، فالحل لن يتحقق بانفصال
الجنوب ولا بإقامة إمارة صغيرة للحوثيين تكون مركزا للعب الاستخبارات الإيرانية على
حدود السعودية لتتولى زعزعة دول الخليج العربي، كما زعزعت العراق وتزعزع
اليمن. .
ببساطة شديدة؛ الأزمة في اليمن أزمة تنمية، وفقر، وبطالة، وتعليم
عاجز عن توفير خريجين في مستويات التعليم المختلفة مرتبطين بسوق العمل المحلي
والإقليمي، وقلنا إن الحل الذي يتصدى لمن رفعوا السلاح في وجه الدولة لن يكون حلا
عسكريا ولا أمنيا فقط، فالحرب لا رابح فيها أبدا، والخاسر هو اليمن الذي يفقد
أعدادا من شبابه في معارك عبثية القاتل فيها والمقتول في النار استنادا إلى الحديث
الشريف الذي يُحرّم القتال بين المسلمين أيا كانت الخلافات والأسباب، وهو حديث ينزع
الشرعية عن "العبث النضالي" الذي نراه في أمتنا والذي تنهض به مجموعات تزعم أنها
وحدها الفرقة المؤمنة والناجية التي تمتلك مفاتيح الجنة وتمتلك حق التكفير وتشريع
القتل والانتحار وقتل الأبرياء مسلمين وغير مسلمين مع أن الدين الحنيف يحرّم ذلك
بنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، ويترك الحوار البوابة الوحيدة أمام العرب
والمسلمين لحل ما يطرأ بينهم من خلافات في الرؤى والمواقف.
لأجل هذا كنّا نطالب
دائما في دار العرب للصحافة والنشر عبر مطبوعاتنا ومواقعنا الإلكترونية المختلفة
بتدخل عربي ودولي لدعم اليمن في معاركه ضد "القاعدة" و"الحراك الجنوبي" والحوثيين،
والدعم هنا لم نقصد به الدعم العسكري والاستخباري أو المشاركة الميدانية في المعارك
كما تريده الولايات المتحدة التي لا ترى في اليمن غير واجهة من الواجهات التي
تفتحها في حربها على الإرهاب، وإنما الدعم الاقتصادي سواء ما تعلق بالاستثمارات ذات
الثقل، أو ما تعلق بالدعم المالي المباشر لإعانة الدولة على النهوض بالأعباء
المباشرة ذات الأولوية القصوى مثل رواتب موظفيها، والاعتمادات التي توجّه للجيش
والأمن ليقدر على الصمود في وجه الانفصاليين، وليس لسحقهم وتقتيل أبرياء وفقراء
ومهمشين انخدعوا بالشعارات فدخلوا مواجهة مع الدولة التي لم تقدر على تعليمهم ولا
توفير الخبز والمسكن والعمل لهم. .
والأمر ليس متعلقا باليمن وحده، فالحل في
الصومال أو السودان هو حل اقتصادي أولا وأخيرا، والحمد لله أن دولا عربية كثيرة
تمتلك المال وقادرة على الاستثمار بما يكفي لحل أزمات اليمن والسودان والصومال
وغيرها، ونود أن نشير إلى أن المال العربي قادر لوحده على سحب البساط من تحت أقدام
التدخل الخارجي في الدول المذكورة، فالقوى الاستعمارية تتقن اللعب على الأوضاع
المتردية وتوظّف ميراث الخلافات الطائفية والقومية والدينية لتشعل بها الحروب
الأهلية وتُغدق على خططها الكثير من المال، ورأينا أن الدخول الجدي لأطراف عربية
مختلفة "ليبيا، قطر. . " على ملف دارفور كيف وصل به إلى حل يمتلك مقومات النجاح
والدوام.
اليمن يحتاج إلى الاستثمارات الخليجية على وجه الخصوص، والسودان كذلك
خاصة وهو سلة غذاء افتراضية تقدر على حل مشاكل العالم كله وليس المنطقة، والصومال
تقول كل المؤشرات إن حربه ليست مع "الإرهاب" وإنما مع القاعدة الاقتصادية التي
تُثبّت بها الدولة وجودها وتكسب بها احترام شعبها قبل تعاطفه وتضامنه
معها.
ويبدو أن دول الخليج بدأت تقتنع أخيرا بوجهة نظرنا، وفهمت جديا أن ترك
اليمن يواجه قدره وحيدا سينتهي إلى نهايات معاكسة لمصالحها وأنها ستتورط عاجلا أم
آجل في أزمات اليمن، وها أن السعودية الدولة المصنفة ثانيا من حيث وزنها الإقليمي
والعربي تتورط عسكريا في حرب مع الحوثيين وضعتها في الزاوية، فقد فشلت في الحسم
العسكري فشلا تاما، كما تورط طيرانها "عن حسن نية" في قتل مدنيين أبرياء ذنبهم أنهم
كانوا في مناطق الحرب، واضطرت الرياض إلى التفاوض وطلب الوساطات لاسترداد أسراها
وجثث جنودها. .
المؤتمر الثاني للمانحين الذي انعقد في الرياض أواخر فبراير كان
حاسما في مواقفه فقد دعا الدول المانحة، وبالطبع المقصود هنا هم دول الخليج، إلى
تنفيذ تعهداتها السابقة والحالية تجاه اليمن وحث القطاع الخاص على التوجه إلى البلد
الجار بقوة والاستثمار فيه بجدية بمنطق أن إنقاذ اليمن هو إنقاذ للسعودية وبقية
الدول الخليجية التي يتهددها عنف القاعدة واللعب السري الإيراني من خلال توظيف
المجموعات المذهبية الشيعية في الخليج، لكنه، أيضا، حل حقيقي لأوروبا التي نالها من
التفجيرات الإرهابية الكثير بفعل تمترسها وراء واشنطن في "الحرب على
الإرهاب".
أصبحت دول الخليج تعرف أن اليمن يعاني من أزمة تنمية وقع ضحيتها جراء
التغيرات السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية، وأصبحت تعرف أيضا أن إنقاذ
اليمن من أزماته يتم بالانفتاح عليه واستثمار إمكانياته البشرية والطبيعية الكبيرة
بما يعود بالنفع على الجميع.
ولقد مرت دول الخليج مسنودة بجهود أوروبا إلى خطوات
عملية فعلية، ويتنزل هنا الخبر الخاص بنية إحدى الشركات القطرية بالتعاون مع شركة
بريطانية مختصة تمويل جهود تكوين وتأهيل 100 ألف من شباب اليمن في المجالات المهنية
والتقنية للعمل في السوق الخليجية، وهو خبر يكشف عن تحول حقيقي في أزمة اليمن لأنه
سيسمح بمحاربة أم الأزمات هناك وهي البطالة التي هي الحاضنة الأولى للتشدد
والانغلاق والإرهاب، فضلا عن كونه سيغيّر مجرى التعليم باليمن من تعليم يقوم على
فائض النظريات والحفظ والترديد والشرح إلى تعليم يقوم على الحياة ويرتبط بالقوت
ويفتح عينيه على ما يجري في الدنيا حوله من تطور تكنولوجي هائل لا سبيل لأي دولة أن
تعيش خارجه أو تتأخر عنه يوما. .
ونود هنا أن نشير إلى أن دعواتنا المتواصلة
ل"تعريب" العمالة التي تستوردها دول الخليج بدل التركيز على جلبها من جنوب شرق
آسيا كانت نابعة من قناعة قوية تأسست عليها "العرب" ومختلف منشوراتها وهي أن للعرب
مصيرا واحدا حتى وإنْ حاول بعضهم التمسك بخصوصيته القطرية وبحث في التاريخ عما يبرر
تمركزه حول ذاته، وقد وصلنا إلى لحظة تاريخية أصبحت تفرض علينا أن نعود إلى الرابطة
الجامعة، ونعني العروبة.
ففي العراق، ورغم أن زعماء عربا كثيرين أغمضوا أعينهم
عن غزوه، وبعضهم شارك فعليا، فإن إفرازات سبع سنوات من الاحتلال أصبحت تهدد أمن دول
الخليج فعليا، ليس فقط لأنها قوت التيارات المتشددة، وإنما لأنها وضعت طهران في
موقف أقوى وأعطتها الكثير من الأوراق ما يسمح لها بتهديد حقيقي لأمن العرب القريبين
منها والبعيدين، فضلا عما هو أكبر خطرا ونعني أن دول الخليج ومصالحهم الاستراتيجية
أصبحت بين كماشة أمريكية أحاطتهم بالقواعد العسكرية ومئات الآلاف من الجنود، وهي
تريد أن تجد من أزمات اليمن الاقتصادية وحاجته للدعم مبررا آخر لتزيد حجم العسكرة
في المنطقة.
بعض الدول التي تمسكت بهويتها القطرية وضخمتها لتجعل منها بديلا عن
عمقها العربي وجدت نفسها في وضع التابع رغم أنفه لأحلاف دولية تتعارض مصالحها مع
مصلحة أي بلد عربي، ففي خضم هروب مصر باتجاه السلام، وهو هروب كان هدفه الخفي إثبات
أن مصر أكبر من أن تنتظر الدعم المشروط من دول الخليج بعد مخلفات الصراعات الكلامية
لحقبة الستينات، وجدت نفسها تحت رحمة الدعم المشروط الآتي من واشنطن، ومع تلويح
اللوبي الصهيوني سنويا بحجب المساعدات أو تقليصها تهتز الأرض تحت أقدام الساسة
المصريين لأنه بدون هذه المساعدة لا يقدرون على توفير الرغيف لثمانين مليون
فم.
وبالنسبة لدول الخليج التي كابرت وأدارت بالظهر للعمالة العربية كردة فعل
على المزايدات والشعارات الآتية من دول عربية أخرى التي تتهمها بأوصاف كثيرة مثل
الرجعية، والغرق في الاقتصاد الريعي، والارتهان لحلف النيتو، فإنها وجدت بلدانها
خليطا من اللغات واللهجات والأديان بالإضافة إلى أغلبية غير عربية وعمالة لا تتمتع
بشروط عمل مهنية ولا قانونية أو أخلاقية، وتحولت إلى ورقة ضغط بيد دول ومنظمات
دولية تترصد للعرب الأخطاء لتشن عليهم الحملات.
وها أن الأصوات بدأت ترتفع من
داخل دول الخليج لإنقاذ أبنائه من الغزو الثقافي الآتي من جنوب شرقي اسيا، وهو غزو
شوّه ثقافة الأبناء وسرّب إليهم أنواعا عديدة من الجرائم تتناقض مع طبيعة مجتمعاتهم
العربية الإسلامية، وتتوسع دائرة الدعوة إلى الانفتاح على العمالة العربية من جديد
للحفاظ على الهوية العربية الإسلامية لهذه الدول.
وهكذا، فاستنجاد الخليجيين
بالعمالة اليمنية لا يحل أزمة اليمن وحده، بل يساعد على تطويق أزمات الدول الست
الجارة التي أفاقت على الخطر متأخرا، وهذا معطى إضافي يؤكد أن وحدة المصير بين
أطراف الأمة والتي يرفعها الكثير من المثقفين العروبيين ليست شعارا بهلوانيا بل هي
حاجة اجتماعية أولا.
ونعود لنؤكد، أيضا، أن انفتاح دول الخليج وحماسها للاستثمار
في اليمن لن يعفي اليمنيين من خطوات داخلية عديدة سبق أن ذكرناها وأبرزها القطع مع
خيار الحرب والانفصال بالنسبة إلى مختلف الفرقاء والإيمان بأن الحوار هو البوابة
الوحيدة للاستقرار وحفظ كيان الدولة الجامعة لمختلف ألوان الطيف اليمني.
رئيس
تحرير العرب أونلاين