التويتي
مفاده أن مدن الصين تشكو قلة الأيدي العاملة وهو ما حدا بأرباب الأعمال إلى البحث
عن اليد العاملة في الأرياف لسد الاحتياج.
ولا يكاد المرء يصدق أن بلداً كالصين
تحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث عدد السكان تعاني من نقص الأيدي العاملة
بمعنى أن هذه الدولة النامية تمكنت من توفير فرص العمل لهذا العدد المهول من السكان الذي يشكل
ثلث سكان المعمورة.
وفي المقابل أشارت دراسة حكومية يمنية حديثة أعدتها
وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى أن سوق العمل في اليمن يشهد صعوبات وتحديات
قائمة بين جانبي العرض والطلب بسبب ارتفاع النمو السكاني والذي يقابله ارتفاع في
نسبة القوى العاملة، وهو ما يؤكد أن نسبة البطالة في اليمن أصبحت من أعلى المعدلات
في العالم والتي ستؤثر نتائجها بصورة سلبية على الاقتصاد والتنمية في اليمن.
كما
أشارت الدراسة إلى أن عدد العاملين الجدد الداخلين لسوق العمل سنوياً يقدر بنحو 200
ألف شخص مما يتطلب توفير 200 ألف فرصة عمل سنوياً علاوة على 24 ألف وظيفة سنوياً
فإن هناك حاجة ملحة تستدعي من الحكومة العمل والوقوف الجاد للتعاطي مع هذه الأرقام
المخيفة والابتعاد عن الإسقاطات والتبريرات وإلقاء المسؤولية على
الآخرين.
فالحكومات في أي بلد هي المعنية أولاً وأخيراً في توفير وخلق فرص العمل
بالتعاون الجاد والمثمر مع القطاع الخاص عن طريق توفير المناخات الملائمة
للاستثمار، مع ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى الناجحة في هذا الجانب ولتكن
الصين إحدى النماذج الناجحة في هذا المجال باعتبارها أولاً واحدة من الدول النامية
التي تنتمي إلى نفس تصنيف بلادنا وثانياً كونها دولة تحولت مؤخراً من النظام
الاشتراكي إلى اقتصاد السوق الحر.
والشاهد هنا أن مبررات تفشي البطالة في اليمن
ترجحها الحكومة إلى هذين السببين وتبرر دوماً بأن قلة الموارد واندماج اقتصاديين
متباينين كما وكيفا اسهم في زيادة الأعباء على الدولة في استيعاب القوى العاملة
بينما لم نلمس أي خطوات جادة وحقيقة لمعالجة المشكلة في مراحلها الأولى بل أصرت
الحكومة على السير بطريقة النعامة وإغفال واجباتها ودورها المفترض بحجة الانتقال
إلى اقتصاد السوق الحر والخضوع لعمليتي العرض والطلب وهو ما زاد المشكلة تفاقما حتى
وصلت البطالة إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه.
فمنذ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية
دخلت مشكلة البطالة وهي في مراحلها الأولى في متاهات تحول الأنظمة وفوضى الفترة
الانتقالية إلى جانب حرب الانفصال وتدخل البنك الدولي الذي بدوره قام بوضع خطة
للإصلاح الاقتصادي القائم على الخصخصة، و هو ما أسفر عن مضاعفات سيئة لقضية البطالة
حيث توقف دور الدولة عن إيجاد فرص للعاطلين غياب الاصلاحات الحقيقية واستشراء
الفساد وسيطرة فئة من رجال الأعمال على النشاط الاقتصادي برمته.
يضاف إلى ذلك
غياب التخطيط الاستراتيجي المنظم الذي يقوم على دراسة معطيات الواقع والاستفادة من
التجارب الناجحة على المستوى العربي والإقليمي والدولي في معالجة المشكلات قبل
تفاقمها، وما أفرزته سياسة الاصلاحات مالية وإدارية قد أنذر بكارثة حقيقية وبدلاً
من استغلال تلك الأموال في الاستثمار في رأس المال البشري الذي هو أساس كل اقتصاد
تم استغلالها من قبل ثلة من المنتفعين الذين اثروا على حساب أقوات الفقراء.
أن
الفشل في معالجة المشكلات يرجع لغياب الإدارة والتخطيط السليم لا لنقص في الموارد
أو ضعف في الإمكانيات ويجب أن تعترف الحكومة بذلك إذا كان لديها الاستعداد للتعامل
مع هذه القضايا الكبيرة ، وكثير من البلدان العربية ومنها سورياً والأردن وتونس
كثيرة السكان وقليلة الموارد حافلة بالنماذج الناجحة التي غالباً ما افتقرت إليها
حكومات اليمن على مدى عشرين عاماً من عمر الوحدة اليمنية.
وما أنجزته حكوماتنا
على أرض الواقع لا يعدوا مجرد شعارات ووعود وأولويات للمتنافسين على الانتخابات
ولعل البرنامج الانتخابي للرئيس علي عبدالله صالح الذي نال بموجبه ثقة الشباب
اليمني العاطل عن العمل قد وضع مشكلة البطالة والفقر على رأس تلك الأولويات ، ومن
جانبها ترجمت الحكومة تلك الأولويات بطريقتها الخاصة من خلال عقد الندوات
والمؤتمرات وورش العمل والاجتماعات واللقاءات والمحاضرات التي تتغنى جميعها
بالبرنامج الانتخابي وتزف البشرى لليمنيين بيمن جديد ومستقبل أفضل ، ولكن الواقع
الأمر ما تذكره التقارير الرسمية هو حقيقة واقعنا الذي لا يستطيع أحد
إنكاره.
ومن هنا نقول للجميع كفانا شعارات زائفة ومخادعة، نحن بحاجة إلى برامج
تنفيذية يلمسها المواطن لا المسؤول ، كما إننا لم نعد بحاجة إلى مزيد من التحليل
والتشخيص والبحث عن الإحصائيات، و على الحكومة أن تركز على الإجراءات الفعلية التي
تترجم فيما بعد أي أرقام،وليس على البيانات والشعارات والوعود والآمال، فهل تستطيع
الحكومة تنفيذ برنامج الرئيس وتقلل الفجوة بين الشعارات والواقع؟ نعم تستطيع متى ما
تحملت مسؤوليتها وأدركت أن البطالة قضية مرتبطة بمعالجات اقتصادية واجتماعية
وسياسية وتعليمية،ولذلك تحتاج إلى خطوات إجرائية ترتبط بكافة هذه
المحاور.
والواجب يحتم علينا الاعتماد على أنفسنا في التشخيص والعلاج حتى نتمكن
من حل مشكلاتنا بأنفسنا بدلاً من تصديرها إلى الخارج ونشر غسلينا في المؤتمرات
الدولية على الملأ والاعتراف بأننا دولة في طريقها إلى الفشل، مع أن العلاج بأيدينا
فقط لو أخلصنا لهذا الوطن..
ولتكن الصين نموذجاً.