كتاب
إلى أن أهم واجبات المواطن التي تنبعث من هذا الواجب تتمثل في عدة أمور منها: طاعة
قوانين الأمة ودفع الضرائب والخدمة في القوات المسلحة وللمواطن امتيازات أولهما
أهليته إذا وصل إلى سن الرشد الذي تحدده الدولة للمساهمة في عملية اتخاذ القرارات
التي تحدد سياسة الدولة وذلك عن طريق بعض الوسائل مثل التصويت وحق تولي الوظائف
وثانيها حقه في أن تقوم الدولة في الداخل والخارج في حماية نفسه
وملكه. .
العلم والإدراك: من
الشروط الواجب توفرها في أعضاء الهيئة التشريعية: العلم المفضي لا إلى الاجتهاد بل
ضرورة إدراك عموميات الإسلام ومبادئه، أي ما هو معلوم من الدين بالضرورة كالحلال
والحرام وقواعد الإسلام وحبذا لو يصل هذا العلم لدى البعض إلى مستوى الاجتهاد ولكن
ليس ذلك لازماً وهذا العلم الضروري يكشف عنه العمل ويؤكده حسن السلوك والسمعة، مما
يعرف بالمصطلح الفقهي "العدالة" والعلم المطلوب العلم بأحوال الناس وشؤون معاشهم
ومشاغلهم واتجاهاتهم وعاداتهم ومواريثهم، هذا العلم بثقافة الشعب وأحواله والالتزام
بمبادئ الأخلاق وحسن الأحدوثة لا غنى عنه لرجل السياسة نائب الشعب في الحكم
الإسلامي أو على الأصح جزء منه.
ومن الشروط: أن ينال رضاء الناس فيكون في قومه
مطاعاً مسموع الكلمة سواء كان قبيلة أم قرية أم نقابة أم حزباً أم طائفة وإذا كانت
القبيلة في أوضاع العصر الإسلامي الأولى هي الوحدة الاجتماعية ثم ما لبثت أن حلت
محلها أو بجوارها التجمعات الجديدة.
فكان إقرار الزعماء أهل الحل والعقد يتم
بشكل آلي فليس في الإسلام ما يمنع أية طريق تؤدي إلى إفرازهم مثل
الانتخاب. .
خاصة وفي مقاصد الشريعة ومأثورات النبوة العطرة دلائل كثيرة، فعندما
طلب النبي "صلى الله عليه وسلم" من طائفتي الأوس والخزرج أن تفرز نقباءهما. .
تم
انتخاب اثني عشر نقيباً بحسب عدد كل من الطائفتين. .
ولقد أصل "محمد عبده" مبدأ
عدم جواز تصرف الواحد في المجموع.
وإذن فشرط النواب أن يكونوا منتخبين من الشعب
ويمكن الهيئة المنتخبة أن تتدارك نقصها في بعض مجالات الاختصاص باختيار عدد من رجال
الاختصاص يكونون أعضاءً في المجلس أو مشيرين عليه.
والخلاصة: أن الوظيفة
التشريعية التكميلية أو الاستنباطية في الدولة الإسلامية إنما هي للشعب أو للأمة
تنهض بها في صورة من الصور الثلاث الآتية: بشكل مباشر: عن طريق الاستفتاء أو
الانتخاب العام وذلك في المسائل الحيوية ذات الخطورة المصيرية كالأحلاف والمعاهدات
والتوجهات الكبرى للسياسات العامة للدولة والبيعة العامة، ففي مثل هذه المسائل لا
سبيل لإقصاء الشعب عن ممارسة وظيفته في الإجماع العام أو السياسي. .
خاصة وأنه في
سوابق سيرة النبي "صلى الله عليه وسلم" والخلفاء أمثلة وشواهد كثيرة من هذه الشورى
المباشرة وهي الأصل لأنها التطبيق الحرفي لتعليمات القرآن في وجوب اشتراك
الجميع في الأمر العام أو السياسة العامة حتى تتحول الشورى إلى نهج حياة للمسلمين
في علاقتهم وتقرير شؤونهم في المؤسسة الاقتصادية والمزرعة والقرية والإدارة
والبلدية والأسرة وسائر مستويات الاجتماع البشري.
عن طريق الإنابة: إنابة أهل
الحل والعقد. .
فتتكون منهم هيئة شوروية تضم الزعامات الشعبية ذات السيرة الحسنة
الناصعة ممن عرفت بإخلاصها لله ورسوله والمؤمنين وخيرتها وتفانيها في خدمة
الشعب. .
ويقع إفراز هذه الهيئة في القرى والمدن والأحزاب والنقابات عن طريق
الانتخاب ويمكن في حالة وجود أقلية غير مسلمة تمثيلها في المجلس ويمكن إثراء الهيئة
برجال اختصاص وتقوم هذه الهيئة بوظيفة الرقابة والتوجيه للحكومة والشعب "ولتكن منكم
أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، كما تقوم برسم السياسات
وسن القوانين في إطار الشريعة الإسلامية.
ووظيفة الهيئة الشوروية لا تحتمل إلا
وجود هيئة من كبار علماء الشريعة والقانون قد عرفوا بالرسوخ في العلم والتقوى
والجهاد ليتولوا مهمة الرقابة على مجلس الشورى ضماناً لعدم خروج المجلس على
المشروعية العليا في بعض الدول.
الشورى لا تمزق الأمة: وينبغي في كل الصور أن
يكون الهدف لا مجرد التقرير ولو بأغلبية بسيطة وإنما الإجماع أو قريباً منه لأن
الشورى لا تستهدف تمزيق الأمة وتكريس التعدد في صلبها وإنما تحقيق إجماعها ووحدتها
إذ الشورى ليست إلا الصورة التطبيقية للإجماع في شكل من أشكاله ولكن الوحدة وهي
مطلب عزة لا يمكن الوصول إليها وتثبيتها إلا من خلال الاعتراف بالتعدد واحترامه
وتنظيم أساليب الحوار والإقناع والتفاوض منهجاً لحسم الصراعات وللوصول إليها أما
إلغاء الرأي الآخر بحجة المحافظة على الوحدة فسبيل إلى التدخل الأجنبي وتوفير الفرص
للتمزق والتشتت.
البعد السياسي للشورى: 1 الشورى ونشأة الدولة الإسلامية: أهم
النظريات التي سادت في الفكر السياسي الحديث حول نشأة الدولة تدور حول مبدأ القوة
متجسدة في زعيم أو ملك يغلب من حوله ويفرض عليهم الخضوع لإرادته فنشأت بذلك الدولة
وفعلاً فإن كثيراً من الدول قد قامت على أساس الغزو. .
فيتحول زعيم القبيلة أو
الأمير إلى رئيس دولة.
والنظرية الثانية التي اكتسحتها هي نظرية التعاقد وذلك
بافتراض أن الإنسان كان يعيش قبل مرحلة الدولة حياة طبيعية اختلف وصفها بين
القائلين بهذه النظرية بين السعادة والشقاء وإن اتفقوا على الدخول في مجتمع منظم
والاستعاضة من الحرية الطبيعية بحرية مدينة وهذا الاتفاق والتعاقد هو الذي أنشأ
الدولة فالدولة إنما أنشأت لخدمة الأفراد وضمان حرياتهم والحاكم ليس إلا خادماً
للشعب ويعبر عن إرادته.
ورغم ما تعرضت له نظرية العقد الاجتماعي من نقد شديد فلا
تزال أشهر النظريات في نشأة الدولة ولعل شهرتها ومحاولتها تأصيل فكرة الديمقراطية
والشورى من حيث أن الشعب هو الذي أوجد الدولة فهو صاحب السيادة وهي مدعوة أبداً إلى
خدمته والمسارعة والاجتهاد لاكتساب مرضاته والتنحي عن السلطة إذا فقدت السند
الشعبي، لعل ذلك مما ساهم في إغراء معظم المفكرين الإسلاميين بمد خيوط الاتصال
والتقارب بينها وبين النظرية الإسلامية رغم أن هذا التيار في رد نشأة الدولة
الإسلامية إلى التعاقد قد غدا يمثل الخط العريض في النظرية السياسية الإسلامية
المعارضة ويجد قبولاً عاماً من الدارسين بسبب تساويه مع الفكر الحديث السائد
وشواهده الكثيرة من النصوص وتجربة الحكم الإسلامي فضلاً عما يقدمه من سلاح ماضٍ
للنضال ضد حكومات الاستبداد في البلاد الإسلامية وبقايا الإقطاع الديني والسياسي
وهو في الوقت نفسه سلاح دفاعي جيد في المعركة ضد الغزو الفكري صعد الحكم الإسلامي
فقد ظلت المشروعية واضحة لدى عامة المسلمين فضلاً عن حاجتهم بأنها إنما تستمد من
الخضوع للدستور ومن الشورى ولذلك حافظ ملوك الاستبداد على صورة الخلافة بعد أن كادت
حقيقتها تضمحل ومن تلك الشكليات البيعة الصورية. .
تأكيداً ولو شكلياً لمعنى
سياسي عقائدي استقر في ضمير الأمة وهو أن الإمام إنما يستمد مشروعية حكمه من رضا
الناس وتمثيله إرادتهن عن طريق مبايعة جماعة أهل الحل والعقد له والنتيجة من كل ذلك
أن الإمامة عقد بين الأمة والحاكم يلتزم فيه الحاكم بإنفاذ الشريعة والنصح للأمة
ومشاورتها وتلتزم له أن وفى بذلك السمع والطاعة. .
وينتج من ذلك أن الأمة هي مصدر
كل سلطاته وأن له عليها السيادة كل ذلك في إطار الدستور.
التيار الشيعي: وقد
تعاظم شأن هذا التيار في أثر الانتصار الباهر الذي حققته الثورة الإسلامية في بعض
الدول ضد النظام البهلوي، كان الخطاب الثوري الحامل أنات المستضعفين وآلام القرون
وأشواق الاستشهاد من خلال كتابات عدد من المجاهدين الرواد الذين نظروا إلى الفكر
الشيعي وحاولوا نفض غبار القرون.