نبيل هزاع
بعد يوم شاق من العمل المضني وصل
أمين إلى الشقة التي يسكنها مع رفاقه اليمنيين في المهجر.
وبإرهاق شديد فتح
الباب واتجه إلى حيث يربض سريره ليرمي عليه جسده المنهك لينام الساعات القليلة
المتبقية من الليل.
وما إن مرت لحظات من السكون حتى رن هاتف أمين الجوال ليرفعه
بضجر واضح راغباً في معرفة المتصل ليصل فإذابه أخيه حسان من القرية في اليمن وبعد دقائق
أقفل أمين الهاتف بوجه شاحب وهو يتمتم..فلوس ..فلوس ..فلوس هذا جنان ثم ينحني نحو
الدولاب الصغير جوار السرير ليفتحه ويعد رزمة الدولارات التي فيه ويعيدها فيه ويأخذ
التلفون مرة أخرى ليطلب رقم أخيه حسان ويتحدث إليه دون سلام وبنبرة صارمة قال: أسمع
يا حسان سأرسل لكم ألف دولار تدفعوا منها حق علاج الولد الذي ضربه هشام وتجيب لأبو
الولد مبلغ يتنازل فيه عن القضية وباقي الفلوس تديها لأهل البيت صرفه، وما تنسى
تستلم المعاش حقي وسلمت على مدير المدرسة وبلغه تحياتي.
ويا حسان اقتصدوا شوية
في المصروف لا جمعنا شوية فلوس نعمل لنا بها حاجة قد اسمها غربة..
تمام؟ مع
السلامة.
- انتهت المحادثة ورمى أمين الهاتف على السرير ومدد رجليه لعله ينام
فإذا بالهموم والأفكار والأماني تلتهم شطراً من الساعات الباقية ثم ينام ليصحو
باكراً ويصلي الفجر ويرغم جسده النحيل على النشاط متوجهاً نحو عمله كالمعتاد.
-
بعد مرور ثلاثة أيام من يوم اتصال حسان وبينما كان أمين عائداً من عمله يسير في
شارع ضيق وعلى الأضواء الخفيفة ظهر له ثلاثة رجال يحملون في أيديهم قضبان حديدية ثم
ينهالون عليه بالضرب، ليسقط مرمياً على الأرض والدماء تنزف من جسده ويفر الرجال بعد
أن فتشوا ملابسه وأخرجوا محصوله الأسبوعي من الدولارات وابتلعهم الظلام.
فتح
أمين عينيه والألم يعتصر جسده ليجد نفسه في غرفة بيضاء وعليه العديد من الأسلاك
الكهربائية ووجه رفيقه منصور يتهلل فرحاً صارخاً- أخير صحيت يا أمين - لك عشرين يوم
في غيبوبه الحمدلله على سلامتك.
ثم اتجه منصور نحو الباب ليخبر رفيقهما محسن بأن
أمين قد افاق من غيبوبته، دخل محسن واتجه نحو أمين وهو يخرج تلفونه من جيبه ويقول
له الحمدلله على سلامتك، اتصل للخبرة في اليمن أبشرهم لأنهم قلقين جداً عليك وأخوك
حسان شغلنا اتصالات يشتي يطمئن عليك.
لوح أمين لمحسن بيده أن لا يتصل لإحد ودخل
الجميع في حديث شرد خلاله أمين بذهنه متأملاً ماذا حدث له وتذكر زوجته وهي تودعه
يوم رحيله للعمل في الغربه وتبكي متوسله له العدول عن الرحيل، ولمن سيترك أفلاذ
أكباد الناس بلا تعليم وهم أمانه في رقبته وبأنها راضية بالعيش بالمرتب الذي يستلمه
من المدرسة والبحث عن حلول أخرى لترقيع الحالة المعيشية وبأن بقاءه بين أولاده
لتربيتهم أهم من الفلوس.
في تلك اللحظات وعلى سرير العودة إلى الحياة في
المستشفى أتخذ أمين قراراً لا رجعة فيه.
بعد أسبوع من إفاقة أمين من غيبوته خرج
من مشفاه وعاد إلى مسكنه، وما إن أمتد على سريره حتى نظر إلى سقف الغرفة محدثاً
نفسه: نعم يجب أن أرتاح.
ثم أخرج من دولابه مبلغاُ صغيراً من الدولارات وغادر
المسكن بعد يومين كان أمين يلملم أغراضه في حقيبته العتيقه مودعاً رفاق الغربة وهم
يحاولون ثنيه عن ترك العمل والعودة إلى حياة القرية والفقر.
لم يلتفت إلى
إغراءاتهم ليودعهم عائداً إلى أرض الوطن.
- وصل أمين إلى اليمن في المساء قضى ما
تبقى من الساعات القليله من الليل مع ضحكات أبنائه وبناته وزوجته وأخيه حسن
وولديه.
وفي الصباح الباكر وبرغم إرهاق السفر والسهر لجسده تأنق أمين بملابسه
وحمل حقيبته متوجهاً نحو المدرسة التي تضم في فصولها أفلاذ أكباده وأكباد الناس
الذين التموا حوله مصافحين ومسلمين عليه في طريق المدرسة.
في طابور الصباح وقف
الجميع بصمت مهيب وصوت الكاشف الصغير يهتف بكل اعتزاز والجميع يردد معه الله -
الوطن - الثورة - الوحدة تحيا الجمهورية اليمنية تحيا الجمهورية اليمنية تحيا
الجمهورية اليمنية ثم ينشد الجميع النشيد الوطني.
كان أمين واقفاً كتمثال من ثلج
لا شيئ يتحرك فيه سوى شفتيه بسكون وتنحدر من عينيه دمعتين ساخنتين وهو ينشد معهم
نشيد الوطن.
صعد أمين درجات سلم المدرسة ببطء، وما إن وصل إلى باب الفصل حتى فتح
الباب بهدوء ودخل وأقفل الباب تحت صمت الطلاب والواقفين احتراماً وتقديراً له فسلم
عليهم آذناً لهم بالجلوس.
سكون رهيب يخيم على الفصل يتخلله صفير الطباشير على
السبورة.
بخط واضح وجميل كتب الأستاذ أمين عنوان الدرس ثم التفت إلى الطلاب
ومخاطباً إياهم بصوت عذب طالما تمناه في غربته قائلاً: أبنائي الطلاب درسنا هذا
اليوم نتحدث فيه عن: ))الوطن هو الأمل))
أمين إلى الشقة التي يسكنها مع رفاقه اليمنيين في المهجر.
وبإرهاق شديد فتح
الباب واتجه إلى حيث يربض سريره ليرمي عليه جسده المنهك لينام الساعات القليلة
المتبقية من الليل.
وما إن مرت لحظات من السكون حتى رن هاتف أمين الجوال ليرفعه
بضجر واضح راغباً في معرفة المتصل ليصل فإذابه أخيه حسان من القرية في اليمن وبعد دقائق
أقفل أمين الهاتف بوجه شاحب وهو يتمتم..فلوس ..فلوس ..فلوس هذا جنان ثم ينحني نحو
الدولاب الصغير جوار السرير ليفتحه ويعد رزمة الدولارات التي فيه ويعيدها فيه ويأخذ
التلفون مرة أخرى ليطلب رقم أخيه حسان ويتحدث إليه دون سلام وبنبرة صارمة قال: أسمع
يا حسان سأرسل لكم ألف دولار تدفعوا منها حق علاج الولد الذي ضربه هشام وتجيب لأبو
الولد مبلغ يتنازل فيه عن القضية وباقي الفلوس تديها لأهل البيت صرفه، وما تنسى
تستلم المعاش حقي وسلمت على مدير المدرسة وبلغه تحياتي.
ويا حسان اقتصدوا شوية
في المصروف لا جمعنا شوية فلوس نعمل لنا بها حاجة قد اسمها غربة..
تمام؟ مع
السلامة.
- انتهت المحادثة ورمى أمين الهاتف على السرير ومدد رجليه لعله ينام
فإذا بالهموم والأفكار والأماني تلتهم شطراً من الساعات الباقية ثم ينام ليصحو
باكراً ويصلي الفجر ويرغم جسده النحيل على النشاط متوجهاً نحو عمله كالمعتاد.
-
بعد مرور ثلاثة أيام من يوم اتصال حسان وبينما كان أمين عائداً من عمله يسير في
شارع ضيق وعلى الأضواء الخفيفة ظهر له ثلاثة رجال يحملون في أيديهم قضبان حديدية ثم
ينهالون عليه بالضرب، ليسقط مرمياً على الأرض والدماء تنزف من جسده ويفر الرجال بعد
أن فتشوا ملابسه وأخرجوا محصوله الأسبوعي من الدولارات وابتلعهم الظلام.
فتح
أمين عينيه والألم يعتصر جسده ليجد نفسه في غرفة بيضاء وعليه العديد من الأسلاك
الكهربائية ووجه رفيقه منصور يتهلل فرحاً صارخاً- أخير صحيت يا أمين - لك عشرين يوم
في غيبوبه الحمدلله على سلامتك.
ثم اتجه منصور نحو الباب ليخبر رفيقهما محسن بأن
أمين قد افاق من غيبوبته، دخل محسن واتجه نحو أمين وهو يخرج تلفونه من جيبه ويقول
له الحمدلله على سلامتك، اتصل للخبرة في اليمن أبشرهم لأنهم قلقين جداً عليك وأخوك
حسان شغلنا اتصالات يشتي يطمئن عليك.
لوح أمين لمحسن بيده أن لا يتصل لإحد ودخل
الجميع في حديث شرد خلاله أمين بذهنه متأملاً ماذا حدث له وتذكر زوجته وهي تودعه
يوم رحيله للعمل في الغربه وتبكي متوسله له العدول عن الرحيل، ولمن سيترك أفلاذ
أكباد الناس بلا تعليم وهم أمانه في رقبته وبأنها راضية بالعيش بالمرتب الذي يستلمه
من المدرسة والبحث عن حلول أخرى لترقيع الحالة المعيشية وبأن بقاءه بين أولاده
لتربيتهم أهم من الفلوس.
في تلك اللحظات وعلى سرير العودة إلى الحياة في
المستشفى أتخذ أمين قراراً لا رجعة فيه.
بعد أسبوع من إفاقة أمين من غيبوته خرج
من مشفاه وعاد إلى مسكنه، وما إن أمتد على سريره حتى نظر إلى سقف الغرفة محدثاً
نفسه: نعم يجب أن أرتاح.
ثم أخرج من دولابه مبلغاُ صغيراً من الدولارات وغادر
المسكن بعد يومين كان أمين يلملم أغراضه في حقيبته العتيقه مودعاً رفاق الغربة وهم
يحاولون ثنيه عن ترك العمل والعودة إلى حياة القرية والفقر.
لم يلتفت إلى
إغراءاتهم ليودعهم عائداً إلى أرض الوطن.
- وصل أمين إلى اليمن في المساء قضى ما
تبقى من الساعات القليله من الليل مع ضحكات أبنائه وبناته وزوجته وأخيه حسن
وولديه.
وفي الصباح الباكر وبرغم إرهاق السفر والسهر لجسده تأنق أمين بملابسه
وحمل حقيبته متوجهاً نحو المدرسة التي تضم في فصولها أفلاذ أكباده وأكباد الناس
الذين التموا حوله مصافحين ومسلمين عليه في طريق المدرسة.
في طابور الصباح وقف
الجميع بصمت مهيب وصوت الكاشف الصغير يهتف بكل اعتزاز والجميع يردد معه الله -
الوطن - الثورة - الوحدة تحيا الجمهورية اليمنية تحيا الجمهورية اليمنية تحيا
الجمهورية اليمنية ثم ينشد الجميع النشيد الوطني.
كان أمين واقفاً كتمثال من ثلج
لا شيئ يتحرك فيه سوى شفتيه بسكون وتنحدر من عينيه دمعتين ساخنتين وهو ينشد معهم
نشيد الوطن.
صعد أمين درجات سلم المدرسة ببطء، وما إن وصل إلى باب الفصل حتى فتح
الباب بهدوء ودخل وأقفل الباب تحت صمت الطلاب والواقفين احتراماً وتقديراً له فسلم
عليهم آذناً لهم بالجلوس.
سكون رهيب يخيم على الفصل يتخلله صفير الطباشير على
السبورة.
بخط واضح وجميل كتب الأستاذ أمين عنوان الدرس ثم التفت إلى الطلاب
ومخاطباً إياهم بصوت عذب طالما تمناه في غربته قائلاً: أبنائي الطلاب درسنا هذا
اليوم نتحدث فيه عن: ))الوطن هو الأمل))