كتاب
التوازن بحيث يكون الحكم قوياً والتوازن متوفراً بين مقتضيات الشورى "الحرية"
ومقتضيات النظام هي وسيلة الانتخاب ، فاشتراط القرشية مسألة سياسية وليست قضية
دينية مؤبدة.
فالسياسة التي تنتجه
إلى تحقيق وحدة الأمة سبيلها قوة النظام السياسي والطريق إليه إستناد الحكم إلى
تكتل شعبي قوي يحد من نزوات التشقق والتفتت ويقتصد في استعمال القوة ويوفر المنعة
والاستقرار للأمة ويحقق الإجماع الضروري.
تركزت خطة الاستعمار الغربي وحلفائه
على تدمير تلك البنية من أجل السيطرة الكاملة على المجتمع وإنهاكه ومنع تمرده فكانت
مصادرة مؤسسات الأوقاف والمعاهد الدينية والقضاء الشرعي.
لا شرعية للإنقلابيين:
إذاً لا شرعية في نظام إسلامي تستمد من وراثة أو من عصمة أو من استخلاف أو من
انقلاب، إنه حكم مدني من كل وجه أي رئاسة شوروية طريقها الوحيد البيعة العامة ومصدر
سلطانها الأمة. .
وما حدث من استخلاف في عهد الراشدين لم يكن شيئاً غير كونه
طريقاً من طرق الترشيح لأهل الحل والعقد وللأمة أن تقبل ذلك الترشيح أو تزاحمه
بترشيح آخر أو تلقي به عرض الحائط. .
تلك هي صورة الدولة الإسلامية المثالية،
دولة الخلافة، دولة الشريعة والشورى، دولة الأمة الواحدة ولكن مع التسليم
بالمشروعية العليا للشريعة يمكن تصور حكومات إسلامية ناقصة في حال الدولة القطرية
أو عدم التزام بالشورى مصدراً لسلطة الحكم.
لا مسؤولية. .
دون تجسيد الإرادة:
ما طبيعة عقد الخلافة؟. .
ذهب العدد الكبير من فقهاء السياسة الشرعية إلى أن عقد
الخلافة أو رئاسة الدولة هو عقد نيابة أو وكالة عن الأمة صاحبة الرئاسة العامة
ومصدر السلطات فكل ما يتمتع به الرئيس من صلاحيات هو مستمد من الوجهة الدستورية
من الأمة ذلك أن فروض الكفاية ومنها الإمامة هي فروض اجتماعية لابد أن يقوم بها
بعض الأمة وإلا أثم الجميع. .
ولأنه ليس كل واحد مؤهلاً لأداء هذا الفرض تحتم
أن توكل الأمة إلى بعضها القيام نيابة عنها بواجبات الإمامة هو ما يعرف بالتمثيل،
وإذا كانت السيادة الأصلية في الدولة الإسلامية إنما هي لإرادة الله ممثلة في
شريعته فإن سلطة المجتمع الإسلامي هي سلطة بالوكالة أو النيابة عن الله والله هو
الذي خول الأمة سيادة وسلطاناً في إطار شريعته واستخلفها في الأرض فهي تملك في إطار
تلك السيادة أن تكل إلى واحد من أبنائها أمر أداء الأمانة التي أناطها الله
بعهدتها، ما يتعذر عليها أداؤه مجتمعة فيكون سلطانه محدوداً بحدود الشرع وإرادة
الأمة بالنص والشورى وتكون حكومة الله وحكومة الناس "بحبل من الله وحبل من الناس"
ويكون استمرار حكمه مرهوناً بموافقة الشعب على الأسلوب الذي يدير به الأمر العام
وليست البيعة نتيجة ذلك إلا عقد وكالة. .
إنها تعني أن الإمام قد أصبح وكيلاً
للأمة في إنفاذ شريعة الله ومنها تجسيد إرادة الأمة.
لا خلافة بلا تفويض: لقد
حمل القرآن الكريم الأمة مسؤولية إنفاذ شريعته والخلافة عنه، يبدو ذلك جلياً في
توجيه الخطاب إلى المؤمنين: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط"، "ولتكم
منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، وغير ذلك مما له
دلالة واضحة على أن الأمة هي التي تتحمل مسؤولية إقامة الدين وشرائعه ورعاية
المصالح العامة فتكون إذن صاحبة السيادة العليا لقاء ما تحمله من المسؤولية الكبرى
ويكون لها حق اختيار الرئيس الأعلى للدولة وحق الإشراف عليه وعلى سائر الحكام ويكيف
علماء الشريعة الإسلامية بيعة الخليفة على أساس فكرة التعاقد ويعتبرونها عقد وكالة،
فكما لا يسوغ لأحد أن يجري وظيفة الوكالة من تلقاء نفسه من غير تفويض لا يسوغ كذلك
لأحد أي كان أن يقوم بوظائف الخلافة رأساً إذا لم تفوضه الأمة.
مفهوم الشريعة:
فالخلافة في رأي علماء الشريعة عقد يتم عن اختيار وقبول بين الأمة والخليفة يترتب
عليه التزامات وحقوق يترتب على الخليفة السير في حكمه وسياسته على مقتضى كتاب وسنة
رسوله وإقامة العدل بين الناس ودفع الظلم عنهم وحراسة الدين وإقامة شعائره وحراسة
حدوده والدفاع عن دار الإسلام وكل ذلك بمشورة الأمة العامة والخاصة ويترتب على ذلك
للخليفة على الأمة السمع والطاعة والإخلاص وبذل الجهد في النهوض بأعباء
الحكم.
الخلافة لا تورث: ولما كانت الخلافة نوعاً من الوكالة فتجري عليها أحكام
الوكالة ومن هذه الأحكام أنها لا تورث ومنها أنه إذا خلع الخليفة أو توفي فلا ينعزل
من ولاهم من الأمراء والوزراء لأن تصرفات الوكيل تنصرف مباشرة إلى الأصل الذي هو
جموع أمة المسلمين والولاة والوزراء والأمراء ليسوا وكلاء الخليفة ولكنهم وكلاء
الأمة، وهكذا فالسلطة بعد "النبي صلى الله عليه وسلم" الذي لم يكن له من الصفة
الدنيوية السياسية إلا ما لكل مسلم من حيث هو مستخلف سلطة مدنية بحتة لأنها نيابة
عن الأمة ولا مجال فيها لأي معنى من معاني الثيوقراطية حيث يتلقى الحاكم التفويض من
الله وينتصب في الناس أو على الناس وصياً يترجم لهم بسلوكه وأمره ونهيه إرادة الله
وهو ما لم يذهب إليه أحد من المسلمين عدا طائفة منهم وكلمات متناثرة هي من قبيل
الأدبيات والمجازات والجهالات التي صدرت عن بعض الملوك مثل قول المنصور الخليفة:
"إن هذا المال مال الله استخلفني عليه فإن شاء أطلقني وإن شاء أمسكني"، ولقد كانت
ثورة الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري على سابقة مشابهة للمنصور صدرت عن معاوية بن
أبي سفيان عندما قال: "إن هذا المال مال الله" فاحتج عليه الصحابي الجليل وأجبره
على أن يقول بأن هذا المال مال المسلمين.
ولم يكن أبو ذر يحتج على ما في الكلمة
من حق لأن المال فعلاً مال الله وإنما كان يحتج على الباطل الذي أريد بها أي أنه
ليس مال الشعب وإنما مال الحاكم بينما الحق أنه مال الله استخلف عليه الأمة
والحاكم ليس إلا وكيلاً عليه في إنفاقه فإن سفه فيه وكان عليها شرعاً أن تأخذ على
يده وتنتزعه منه كما أمرها الله بذلك: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله
لكم قياماً فيها"، "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام"،
ومثال على المجازات الثيوقراطية في الفكر الإسلامي غير الشيعي ما قرأته في الفروق
لدى القرافي من أن الحاكم نائب عن الله وأن حكمه نص من الله يقول: الحاكم مع الله
تعالى كنائب الحاكم معه يحكم بغير ما تقدم الحكم فيه وإذا كان لحكم الحاكم في مسائل
الاجتهاد إنشاء الحكم فهو مخير عن الله تعالى بذلك الحكم والله قد جعل له أن ما حكم
به فهو حكمه وهو كالنص الوارد من قبل الله تعالى في خصوص تلك الواقعة. .
إن حكم
الحاكم نص من الله تعالى خاصة في تلك الصورة المعنية.
الحاكم مجتهد وليس منزهاً:
ولقد سارع المعلق أبو القاسم الإنصاري بالرد عليه ورد ما قاله من أن الحاكم مخير عن
الله تعالى بذلك الحكم ليس بصحيح بل ربما لم يصادف حكمه حكم الله وما ذهب إليه
القرافي يتناقض مع التصور الإسلامي للحكم والحاكم على أنه من كل الوجوه معرض للصواب
والخطأ.