فوزي
الجرادي
الجرادي
عام 1945م هزمت ألمانيا في الحرب
العالمية الثانية ,ودمرت بنيتها التحتية بالكامل،وكان على الألماني العمل 16 ساعة
متواصلة للبقاء على قيد الحياة ،فالقصف الجوي طال كل جسر أو محطة كهرباء و كل منشأه
أو مبنى صغر حجمه أو كبر،إلى جانب تعويضات باهظة فرضتها الدول
المنتصرة.
بيد أن الألمان وبفضل
تعليمهم الجيد وكفاءتهم العالية نجحوا في إعادة الأعمار والنهوض باقتصادهم من تحت
الصفر في فترة قياسية ،ولم تمر خمس سنوات حتى كان الزائر لألمانيا يتساءل عن أثار
الحرب،وجاء عام 1955م وقد سددت ألمانيا التعويضات المقررة عليها،بل أنه في عام
1956م حينما تكونت السوق الأوروبية المشتركة - القوة الاقتصادية الأولى للاتحاد
الأوروبي حاليا- اعتبرت ألمانيا ركيزته الأولى ..في حين رفض طلب دولة كأسبانيا لعدم
تأهل اقتصادها للشروط السوق الأوروبية المشتركة ،فقد كانت واقعة-آنذاك- تحت حكم
الديكتاتور الجنرال فرانكو ،وفي أواخر السبعينات مات الجنرال فرانكو ,وعاد الملك
خوان كارلوس الى أسبانيا ،والذي قرر إحياء الديمقراطية للبلاد,وإعادة السلطة للشعب
ليقرر مصيره،وما هي إلا سنوات قليله,حتى نهض الاقتصاد الأسباني من كبوته ' والتحق
بالسوق الأوروبية المشتركة منتصف الثمانينات.
ثم جاء رئيس الوزراء السابق "خوسي
ماريا أثنار" واعداً ناخبيه بإحداث قفزة اقتصادية غير مسبوقة خلال فترتين مدتها 14
عاماً،وقد وفى بوعوده..
فغادر منصبه في الموعد المحدد،ولكن وقد بلغ الناتج
القومي لأسبانيا حداً يفوق الناتج القومي للدول العربية مجتمعه.
وفي الخمسينات
استقلت الهند وفاز حزب "جواهر لأل نهرو" بالانتخابات النيابية..اللافت هو قرار نهرو
الأول،والمتمثل في إنشاء معهد للتكنولوجيا والاتصالات يٌقبل فيه المتفوقون وبشروط
خاصة و سرعان ما أصبح خريجي المعهد محط أنظار الشركات الكبرى في أنحاء العالم،وعًد
معهد نهرو الشفرة الأولى للنهضة العلمية والاقتصادية التي تشهدة الهند
حاليا.
وفي مطلع الستينات نجح الاتحاد السوفيتي في إيصال أول رائد فضاء وهو "
يوري جاجاري " إلى الفضاء للمرة الأولى في تاريخ البشرية ،وهو ما اعتبرته أمريكا
تهديدا لأمنها القومي ،فأعلنت حالة الطوارئ القصوى في البلاد ،وهيمنت عبارة " أمة
في خطر " على كل مؤسسات أمريكا ،وشخص الداء في وجود خلل في التعليم ،فجندت كافة
الإمكانيات والجهود لمراجعة مناهج التعليم وتقييم مخرجاته ،وفي سنوات عديدة..أذهلت
أمريكا العالم كله بإيصالها " نيل ارمو سترونج " كأول إنسان تطأ قدمه سطح القمر عام
1961م.
وفي أواخر الثمانينات اعتلى رئاسة الوزراء بمملكة ماليزيا الدكتور مهاتير
محمد..
والذي أعلن إثر فوزه بالانتخابات عزمه الحكم لفترتين فقط ،مؤكداً اعتماده
التعليم وتطويره كأساس لبلوغ نهضة اقتصادية شامله ,وبالفعل قضى فترتيه واعتزل
السياسة ،وقد أصبحت ماليزيا أحد النمور الاقتصادية الأربعة الواعدة في جنوب
آسيا،فيما تفرغ حكيم ماليزيا لإلقاء محاضرات في الجامعات العالمية عن التجربة
الماليزية الناجحة.
وأخيرا..
وقبل نحو عشر سنوات فقط ..
تولى "رجب طيب
أردوغان" رئاسة الحكومة التركية ،وسط ثورة عارمة من الفساد والبطالة والتضخم
الاقتصادي الرهيب ..خلفها حكم الجنرالات ،فقرر إنشاء مراكز وجامعات خارج نطاق
النظام التعليمي السائد ،بهدف تلبية متطلبات التنمية ،وفي بضع سنوات نهض الاقتصاد
التركي ،وحوصر التضخم ،وازدهرت الأعمال ،وزاد الإنتاج ،وتجاوزت صادراتها في العشر
السنوات الماضية إجمالي الصادرات التركية منذ ثورة " كمال أتا تورك " في العشرينات
وحتى اليوم.
عموماً..
ومن خلال نظرة بسيطة إلى كيفية نجاح تجارب الشعوب من
ماليزيا شرقاً إلى ألمانيا غرباً ومن الهند جنوباً إلى تركيا شمالاً،نجد أن القاسم
المشترك لنجاح تلك الأمم وازدهارها يكمن في جملة واحدة من كلمتين هي" الديمقراطية
والتعليم " وليس كثرة الموارد كالنفط أو حكمة القائد وعبقرية الحكام في الأنظمة
المستبدة.
وأن " الديمقراطية والتعليم " هما الشفرة التي صنعت بها الأمم نهضتها
،وسر انتصارها على أزماتها ،وأن "الديمقراطية والتعليم " هما رديفان لبعض لا
يفترقان ،فالديمقراطية الحقه تثمر عن تعليم مزدهر والعكس صحيح.
وليس أدل على عمق
أزمتنا وحجم تخلفنا مما حصل أخيرا عندما خلت قائمة أفضل (500) جامعة في العالم من
أي جامعة عربية بما فيها الخليجية ذات الإمكانيات المالية الكبيرة .
وبالتالي
فإن استمرار الصمت المجتمعي إزاء استبداد الحكام وتزويرهم الانتخابات لتغييب
الإرادة الشعبية،وتردي التعليم لتجهيل الشعوب،وما يترتب عليهما من استمرار الفشل
وتفاقم الأزمات الاقتصاديه والاجتماعية ،وغياب الحلول،وتخلفنا عن ركب الأمم الصاعدة
،ونمو النعرات الطائفية والمشاريع الانفصالية التفكيكية .
فبدون " الديمقراطية
والتعليم " لا أمل في أي إصلاح جاد ،ولن نجنى غير الانجازات الوهمية والتردي
الاقتصادي،وضياع مستقبل أبنائنا،وافتقاد الاستقرار في أوطاننا لصالح تنفيذ رغبات
الأنظمة الفاسدة والمستبدة،وتحقيق نوايا الحكام في التوريث البغيض.
نقلا عن نيوز
يمن
العالمية الثانية ,ودمرت بنيتها التحتية بالكامل،وكان على الألماني العمل 16 ساعة
متواصلة للبقاء على قيد الحياة ،فالقصف الجوي طال كل جسر أو محطة كهرباء و كل منشأه
أو مبنى صغر حجمه أو كبر،إلى جانب تعويضات باهظة فرضتها الدول
المنتصرة.
بيد أن الألمان وبفضل
تعليمهم الجيد وكفاءتهم العالية نجحوا في إعادة الأعمار والنهوض باقتصادهم من تحت
الصفر في فترة قياسية ،ولم تمر خمس سنوات حتى كان الزائر لألمانيا يتساءل عن أثار
الحرب،وجاء عام 1955م وقد سددت ألمانيا التعويضات المقررة عليها،بل أنه في عام
1956م حينما تكونت السوق الأوروبية المشتركة - القوة الاقتصادية الأولى للاتحاد
الأوروبي حاليا- اعتبرت ألمانيا ركيزته الأولى ..في حين رفض طلب دولة كأسبانيا لعدم
تأهل اقتصادها للشروط السوق الأوروبية المشتركة ،فقد كانت واقعة-آنذاك- تحت حكم
الديكتاتور الجنرال فرانكو ،وفي أواخر السبعينات مات الجنرال فرانكو ,وعاد الملك
خوان كارلوس الى أسبانيا ،والذي قرر إحياء الديمقراطية للبلاد,وإعادة السلطة للشعب
ليقرر مصيره،وما هي إلا سنوات قليله,حتى نهض الاقتصاد الأسباني من كبوته ' والتحق
بالسوق الأوروبية المشتركة منتصف الثمانينات.
ثم جاء رئيس الوزراء السابق "خوسي
ماريا أثنار" واعداً ناخبيه بإحداث قفزة اقتصادية غير مسبوقة خلال فترتين مدتها 14
عاماً،وقد وفى بوعوده..
فغادر منصبه في الموعد المحدد،ولكن وقد بلغ الناتج
القومي لأسبانيا حداً يفوق الناتج القومي للدول العربية مجتمعه.
وفي الخمسينات
استقلت الهند وفاز حزب "جواهر لأل نهرو" بالانتخابات النيابية..اللافت هو قرار نهرو
الأول،والمتمثل في إنشاء معهد للتكنولوجيا والاتصالات يٌقبل فيه المتفوقون وبشروط
خاصة و سرعان ما أصبح خريجي المعهد محط أنظار الشركات الكبرى في أنحاء العالم،وعًد
معهد نهرو الشفرة الأولى للنهضة العلمية والاقتصادية التي تشهدة الهند
حاليا.
وفي مطلع الستينات نجح الاتحاد السوفيتي في إيصال أول رائد فضاء وهو "
يوري جاجاري " إلى الفضاء للمرة الأولى في تاريخ البشرية ،وهو ما اعتبرته أمريكا
تهديدا لأمنها القومي ،فأعلنت حالة الطوارئ القصوى في البلاد ،وهيمنت عبارة " أمة
في خطر " على كل مؤسسات أمريكا ،وشخص الداء في وجود خلل في التعليم ،فجندت كافة
الإمكانيات والجهود لمراجعة مناهج التعليم وتقييم مخرجاته ،وفي سنوات عديدة..أذهلت
أمريكا العالم كله بإيصالها " نيل ارمو سترونج " كأول إنسان تطأ قدمه سطح القمر عام
1961م.
وفي أواخر الثمانينات اعتلى رئاسة الوزراء بمملكة ماليزيا الدكتور مهاتير
محمد..
والذي أعلن إثر فوزه بالانتخابات عزمه الحكم لفترتين فقط ،مؤكداً اعتماده
التعليم وتطويره كأساس لبلوغ نهضة اقتصادية شامله ,وبالفعل قضى فترتيه واعتزل
السياسة ،وقد أصبحت ماليزيا أحد النمور الاقتصادية الأربعة الواعدة في جنوب
آسيا،فيما تفرغ حكيم ماليزيا لإلقاء محاضرات في الجامعات العالمية عن التجربة
الماليزية الناجحة.
وأخيرا..
وقبل نحو عشر سنوات فقط ..
تولى "رجب طيب
أردوغان" رئاسة الحكومة التركية ،وسط ثورة عارمة من الفساد والبطالة والتضخم
الاقتصادي الرهيب ..خلفها حكم الجنرالات ،فقرر إنشاء مراكز وجامعات خارج نطاق
النظام التعليمي السائد ،بهدف تلبية متطلبات التنمية ،وفي بضع سنوات نهض الاقتصاد
التركي ،وحوصر التضخم ،وازدهرت الأعمال ،وزاد الإنتاج ،وتجاوزت صادراتها في العشر
السنوات الماضية إجمالي الصادرات التركية منذ ثورة " كمال أتا تورك " في العشرينات
وحتى اليوم.
عموماً..
ومن خلال نظرة بسيطة إلى كيفية نجاح تجارب الشعوب من
ماليزيا شرقاً إلى ألمانيا غرباً ومن الهند جنوباً إلى تركيا شمالاً،نجد أن القاسم
المشترك لنجاح تلك الأمم وازدهارها يكمن في جملة واحدة من كلمتين هي" الديمقراطية
والتعليم " وليس كثرة الموارد كالنفط أو حكمة القائد وعبقرية الحكام في الأنظمة
المستبدة.
وأن " الديمقراطية والتعليم " هما الشفرة التي صنعت بها الأمم نهضتها
،وسر انتصارها على أزماتها ،وأن "الديمقراطية والتعليم " هما رديفان لبعض لا
يفترقان ،فالديمقراطية الحقه تثمر عن تعليم مزدهر والعكس صحيح.
وليس أدل على عمق
أزمتنا وحجم تخلفنا مما حصل أخيرا عندما خلت قائمة أفضل (500) جامعة في العالم من
أي جامعة عربية بما فيها الخليجية ذات الإمكانيات المالية الكبيرة .
وبالتالي
فإن استمرار الصمت المجتمعي إزاء استبداد الحكام وتزويرهم الانتخابات لتغييب
الإرادة الشعبية،وتردي التعليم لتجهيل الشعوب،وما يترتب عليهما من استمرار الفشل
وتفاقم الأزمات الاقتصاديه والاجتماعية ،وغياب الحلول،وتخلفنا عن ركب الأمم الصاعدة
،ونمو النعرات الطائفية والمشاريع الانفصالية التفكيكية .
فبدون " الديمقراطية
والتعليم " لا أمل في أي إصلاح جاد ،ولن نجنى غير الانجازات الوهمية والتردي
الاقتصادي،وضياع مستقبل أبنائنا،وافتقاد الاستقرار في أوطاننا لصالح تنفيذ رغبات
الأنظمة الفاسدة والمستبدة،وتحقيق نوايا الحكام في التوريث البغيض.
نقلا عن نيوز
يمن