شاويش
أصبح قاب قوسين أو أدنى، حسب تصريحات سلام فياض رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال في
رام الله، ولأن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة تمثل أهم الأهداف الوطنية
الفلسطينية التي دفع الشعب الفلسطيني ولا يزال خيرة أبنائه شهداء وجرحى ومعتقلين من
أجل تحقيقه، ولأن الدولة المستقلة هي بقدر كبير تعبير عن ممارسة الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره، فإن هذا الإعلان من
جانب فياض يعني أن الثورة الفلسطينية انتصرت وأن العدو الصهيوني اندحر وهُزم ولم
يعد هناك سوى ترسيم هذا الإعلان في الأمم المتحدة، وهذا بوضوح يخالف ويتناقض مع
واقع الحال.
فما الحكمة من هكذا إعلان في ظل وجود احتلال يجثم على كل شبر من
أرضنا، وفي ظل عجز الحكومة عن الاحتفال بتسمية ميدان دلال المغربي في المنطقة "أ"
التي من المفروض أنها تخضع للسيادة الفلسطينية حسب اتفاق أوسلو التفريطي؟ وهذا ما
أشارت إليه الجبهة الشعبية في بيانها المندد بتصريحات سلام فياض على هذا
الصعيد.
ليس هناك من يرفض قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة فوق الأرض
الفلسطينية، ولا يوجد برنامج سياسي لفصيل فلسطيني مقاوم أو غير مقاوم إلا ويضع هدف
الدولة في أولوياته، لكن هذا لا يعني أن يتم التعامل مع المسألة بهذه الخفة، كما لو
كانت شروط تحقيق قيامها متوفرةً، لأن هذا خداع، وإن كانت هناك إمكانية لقيام الدولة
المستقلة وذات السيادة فذلك يعني حتماً زوال الاحتلال من فوق أرضنا، وهذا لن يكون
بالأحلام ولا بالمفاوضات.
إن إعلان الدولة والسعي لأخذ موافقة أوروبية أو
أمريكية على قيامها شكلياً في الوقت الذي تواصل إسرائيل بناء المستوطنات، وتتحكم في
الطرق والمواصلات، وفي ظل الانقسام الفلسطيني المزمن، يعني أمراً واحداً هو أن هذا
الإعلان ومماحكات العدو حوله رفضاً وتحذيراً، يعني تقديم تنازلات جوهرية وتجاوزاً
لبرنامج الإجماع الوطني المقر في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية التي من واجبها
هي أن تحدد خطوات تنفيذ هذا البرنامج، وخاصة فيما يتعلق بهدف الدولة
المستقلة.
لن يناوئ أحد من الشعب الفلسطيني بناء مؤسسات تدعم صمود شعبنا في
أرضه، ولن يرفض أي منا تهيئة الأرض والمناخ السياسي والتنظيمي لقيام الدولة، وهذه
أنجزتها منظمة التحرير الفلسطينية وهي خارج الوطن، والجميع يتذكر اقتراحات من نمط
إعلان حكومة فلسطينية في المنفى، لكن تجسيد الحلم أو الهدف واقعاً ملموساً لا يتأتى
بمجرد الإعلان حتى لو توفرت كافة التحضيرات الإدارية ومؤسسات الدولة جميعها، لأن
دولة من هذا النمط في ظل الاحتلال ستكون أقل من حكم ذاتي بالمعنى العملي، وسنخسر في
مقابل ذلك كافة حقوقنا الأخرى حين يقول العالم لنا وكذلك أشقاؤنا اذهبوا لدولتكم،
وإلى هنا مشوارنا معكم وأنتم قبلتم بهذا.
يقول سلام فياض إن حق العودة يمكن
تطبيقه في أراضي دولته الموعودة، ولم يقل لنا هل سيكون بموافقة إسرائيل، أم بموافقة
الشعب الفلسطيني؟، وجميعنا يعرف أن جوهر المعضلة والنكبة هي قضية اللاجئين وحق
العودة الذي كفلته قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية والأخلاقية هو للأرض التي
هجر منها اللاجئون وليس حدود 67 .
كما أن تطبيق برنامج الدولة كما يراه فياض
يتطلب إمكانية فرض الأمر الواقع على إسرائيل، فهل هذا ممكن؟ كلنا سنكون وراءه لو
أخبرنا عن وجود إمكانية لهذا، غير أن واقع الحال يقول خلاف ما يظنه رئيس الوزراء
الفلسطيني، بل أكثر من ذلك هو يعرف أن الضغط على إسرائيل وإجبارها على قبول دولة
فلسطينية كأمر واقع يتطلب موقفاً أمريكياً حازماً ومسنوداً من أوروبا والأمم
المتحدة، وهذا الأمر غير متوفر ولن يتوفر لا اليوم ولا بعد عشر سنوات، وباراك
أوباما لا يستطيع إجبار العدو على وقف تهويد القدس أو حتى تجميد البناء بها بشكل
مؤقت، فكيف سيتمكن من إرغامه على إخلاء الأرض المحتلة في منطقتي "ب" و"ج" حسب اتفاق
أوسلو؟ فما بالكم ببرنامج الإجماع الوطني الذي يتحدث عن دولة مستقلة ذات سيادة
وعاصمتها القدس في حدود عام1967 مع حق العودة للاجئين الفلسطينيين؟! الحماس الذي
يبديه فياض لمشروعه يدعو للدهشة، فإما أن الرجل لا يعرف الواقع الذي يتحرك ويعمل
فيه، وهذا مستبعد على من يتولى منصباً كالذي يشغله أو أن وراء الأكمة ما وراءها؟،
وهذه تدعونا للحذر والتدقيق في كل المسألة المتعلقة بمشروع الدولة التي ستبصر النور
بعد أقل من عامين حسب فياض.
إن تحبيذ بعض العاملين في الشأن العام وبعض الكتاب
لما يقوم به فياض له ما يبرره في إطار بناء مؤسسات الدولة والترتيبات الإدارية
والمالية لحكومته المؤقتة وغير المصادق عليها من المجلس التشريعي، لكن من غير
المفهوم أن يعلن هؤلاء تأييدهم لمشروعه بإعلان الدولة المستقلة وهم يدركون جيداً أن
ذلك غير ممكن على الإطلاق.
إن برنامج فياض وكل ما يجري من وراء الكواليس في هذا
الإطار يكشف هشاشة منظمة التحرير الفلسطينية وغياب مؤسساتها الوطنية المنوط بها
معالجة هذه القضايا المفصلية في حياة شعبنا وقضيتنا، وقد آن الأوان لعودة الأمور
إلى نصابها لتأخذ هذه المنظمة زمام الأمر بيدها وتضع أولوياتها بشكل واقعي وبخطوات
مدروسة تؤدي في المقام الأول لعودة الوحدة الوطنية، ذلك أن الدولة الفلسطينية لن
تكون فقط في الضفة الغربية، كما أن الأولوية اليوم بعد عودة الوحدة الوطنية هي
التصدي لعمليات التهويد والضم التي تقوم بها إسرائيل فوق الأرض الفلسطينية المحتلة
وتعزيز المقاومة بكل أشكالها من أجل دحر الاحتلال عن أرضنا، وبعد هذا يمكن الحديث
عن إعلان قيام الدولة دون أن ندفع ثمناً باهظاً يعيد إنتاج النكبة مرة أخرى.