د. عبد
الله الأشعل
الله الأشعل
أرجو أن يتعمق القارئ العربى في فهم
جذور العناوين التي تطرح في القضايا الحاسمة.
ذلك أن مأساة فلسطين كلها هي أن
العدو يملك رؤية، ويتسلح بكل أنواع الأسلحة، ويتحالف مع الجميع، أما الجانب
الفلسطيني فقد انفض عنه العرب بعد أن جربوا أن مصارعة هذا العدو مصارعة رسمية
تعرضهم ومراكز حكامهم للخطر، ولذلك قرروا أن يوزعوا دم الفلسطينيين ومصير فلسطين
بين القبائل،
وما التعبيرات المتعلقة بمصر أولاً، والأردن أولاً، وهكذا، إلا إعلان واضح عن سياسة
التخلي والنظر تحت الأقدام بحجة الأمن القومي والنعرة الوطنية.
في هذا
السياق نسيت دولة كبرى كمصر دورها في الصراع باعتبار المشروع الصهيوني يستهدفها في
الأساس، وأنه اختار الإقامة في خاصرتها، ويجانب كبدها الرخو في سيناء حتى يسهل
اقتناصها، ولذلك أصبحت سيناء رهينة لهذه العلاقة الجديدة بين مصر و"إسرائيل" إن لم
يكن دور مصر الإقليمي كله قد أصبح رهينة هذا النوع الفريد من العلاقات التي يستعصي
على المثقف العادي فمهها وتدبرها.
ثم تطورت محطات المشروع الصهيوني هجوماً على
فلسطين، فانتزع القشرة العربية الحامية، ودفع الأطراف العربية إلى ملفات أخرى،
وأعاق تماماً أي عمل مشترك ضده، فانقض على الداخل الفلسطيني يمزقه ويعلن في وضح
النهار مشروعه بالكامل بعد أن نزع الحساسية العربية المعروفة تجاه هذا المشروع، حتى
صار العرب ينظرون إلى تجليات هذا المشروع وسقوط ضحاياه، وكأنهم يرون فيلماً لأحداث
في كوكب آخر.
فالقضية باختصار هي وقف التوسع الصهيوني في فلسطين، والقدس
والأقصى، وإنقاذ غزة من الحصار.
ولكن مشكلة غزة أن بها المقاومة، وأن "إسرائيل"
عازمة على إنهاء هذه المقاومة؛ لأنها آخر ما يعوق استكمال المشروع
الصهيوني.
وتؤكد مصر أن فتح معبر رفح مرهون بالمصالحة الفلسطينية، ومادام المعبر
مغلقاً فلا حديث عن إعادة الإعمار أو حتى البقاء على قيد الحياة؛ لأن مصر تجتهد في
بناء جدار مبارك الفولاذي الذي تلقت مصر من مؤتمر الإيباك أحر التحيات والتبريكات
عليه، كما تداوم "إسرائيل" على تحية مصر لهذا العمل" البطولي" الذي يحمي أمن مصر من
"إرهاب غزة" ويساعد على تقويض حكم حماس فيها، لأنه يبدو أن حكم حماس في غزة هو الذي
فرض الحصار على الجميع، وهو الذى دفع أبو مازن إلى مباركة الحصار، والدعوة في قمة
سرت إلى رفعه بعد زوال "انقلاب حماس".
وتعلم مصر جيداً أن قرار فتح المعبر لا
يرتبط فقط بموافقة السلطة أو بالمصالحة حتى لو تمت، وإنما يفتح بموافقة "إسرائيل"
والولايات المتحدة.
فإن كانت المصالحة على مذهب أبو مازن، تمت تصفية حماس، وفتحت
جميع أبواب ومنافذ مصر، كما تم فتح منافذ "إسرائيل" للتواصل بين غزة ورام الله،
وذلك بعد أن تحتل غزة أو أن تضمن من خلال أبو مازن أن غزة لن تسقط مرة أخرى في يد
حماس، وأنها ستصبح كالضفة مرتعا للاحتلال والاستيطان.
فالقضية الأساسية؛ وهي أن
غزة تحت حماس جوهر المشكلة بالنسبة لمصر و"إسرائيل" وأبو مازن، وليس الاستيطان، وضم
القدس وتهويدها وهدم الأقصى، فإن تحقق إزاحة حماس بالمصالحة على مذهب أبو مازن كفى
الله المؤمنين القتال، وإذا تعذر ذلك، قامت "إسرائيل" بالنظر في غزو غزة مرة أخرى؛
لإسقاط حماس، أو انتظار نتيجة الحصار الخانق المفروض من جانب مصر و"إسرائيل" على
غزة، لعله يفلح في تحقيق الهدف الذي تسعى إليه "إسرائيل" وحلفاؤها منذ سنوات، بل
يبدو أن دفع حماس إلى العملية السياسية كان مقصوداً، حتى تقع في مرمى الاستهداف
السياسي الإسرائيلي.
فالمصالحة على مذهب أبو مازن هي المصالحة الوحيدة المقبولة
مصريا وإسرائيليا، وهذا هو التفسير الوحيد لإعاقة واشنطن بوضوح المصالحة المصرية،
خشية أن تستفيد حماس،وهذا أيضا هو دافع الملاحظات التي تصر عليها حماس التي لا تقبل
الصيغة المعروضة؛ لأنها تعني إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل سيطرتها على غزة،
كما أن تحفظات وملاحظات حماس تهدف إلى تجنب أن تكون المصالحة نهاية لحماس بمواقفها،
وهذا هوالسبب الحقيقي فيما يبدو لرفض مصر قبول هذه الملاحظات.
فإذا كانت
المصالحة الحقيقية مستحيلة إلى هذا الحد، فإن اشتراط تحقق المصالحة حتى يفتح معبر
رفح يعني أن يظل المعبر مغلقاً، ويظل خنق غزة قائماً إلى أن تسترضي حماس أبو مازن
و"إسرائيل".
وإذا كانت المقاومة مطلوبا تصفيتها على هذا النحو، فكيف يفكر السذج
في أن البديل عن فشل عملية السلام الوهمية هو المقاومة إذا كان هذا الفشل لا يزعج
أحداً، وأن المقاومة هي أخطر ما يزعج الجميع.
أليست "إسرائيل" محظوظة، ولكنها
مجتهدة في تحقيق هذه النتيجة.
والخلاصة ارتهان أهل غزة بهذه المعادلة، وهذا هو
السبب الذي دفعني منذ فترة، ولا أزال مدفوعاً بنفس السبب، إلى التنبيه إلى خطورة
هذا المآل على سكان غزة، وطالبت بأن يتم تدويل المعابر حتى لا ترتهن حياة غزة
بمصالحة مستحيلة.
وهكذا يطالب الجميع بالمصالحة كمدخل لكل شيء، وهم يعلمون أن
المصالحة الحقيقية لن تتم إلا إذا استعاد العرب إرادتهم، وخلص قرارهم، وتصدوا هم
ل"إسرائيل"، هنالك لا نكون بحاجة إلى مصالحة فلسطينية أو عربية، نعرف جميعاً أنها
محاولة لزواج فاشل، قفزاً على واقع خلقته "إسرائيل" وساعدنا نحن على تكريسه.
أما
التفكير العدمي الانهزامي الباحث عن إنقاذ غزة من الحصار إذا سقطت حماس بالحصار، أو
أسقطتها "إسرائيل" بغزو غزة، فهو إمعان في الاتجاه نحو ضياع كل فلسطين، فخير لنا أن
تكون غزة محررة بدلاً من أن تلحق بالضفة تحت الاحتلال، وتجري عليها معاول التهويد،
وشل إرادة السلطة التي تجاوزها الضم والتهويد، وأصبحت من تاريخ الماضي
القريب
جذور العناوين التي تطرح في القضايا الحاسمة.
ذلك أن مأساة فلسطين كلها هي أن
العدو يملك رؤية، ويتسلح بكل أنواع الأسلحة، ويتحالف مع الجميع، أما الجانب
الفلسطيني فقد انفض عنه العرب بعد أن جربوا أن مصارعة هذا العدو مصارعة رسمية
تعرضهم ومراكز حكامهم للخطر، ولذلك قرروا أن يوزعوا دم الفلسطينيين ومصير فلسطين
بين القبائل،
وما التعبيرات المتعلقة بمصر أولاً، والأردن أولاً، وهكذا، إلا إعلان واضح عن سياسة
التخلي والنظر تحت الأقدام بحجة الأمن القومي والنعرة الوطنية.
في هذا
السياق نسيت دولة كبرى كمصر دورها في الصراع باعتبار المشروع الصهيوني يستهدفها في
الأساس، وأنه اختار الإقامة في خاصرتها، ويجانب كبدها الرخو في سيناء حتى يسهل
اقتناصها، ولذلك أصبحت سيناء رهينة لهذه العلاقة الجديدة بين مصر و"إسرائيل" إن لم
يكن دور مصر الإقليمي كله قد أصبح رهينة هذا النوع الفريد من العلاقات التي يستعصي
على المثقف العادي فمهها وتدبرها.
ثم تطورت محطات المشروع الصهيوني هجوماً على
فلسطين، فانتزع القشرة العربية الحامية، ودفع الأطراف العربية إلى ملفات أخرى،
وأعاق تماماً أي عمل مشترك ضده، فانقض على الداخل الفلسطيني يمزقه ويعلن في وضح
النهار مشروعه بالكامل بعد أن نزع الحساسية العربية المعروفة تجاه هذا المشروع، حتى
صار العرب ينظرون إلى تجليات هذا المشروع وسقوط ضحاياه، وكأنهم يرون فيلماً لأحداث
في كوكب آخر.
فالقضية باختصار هي وقف التوسع الصهيوني في فلسطين، والقدس
والأقصى، وإنقاذ غزة من الحصار.
ولكن مشكلة غزة أن بها المقاومة، وأن "إسرائيل"
عازمة على إنهاء هذه المقاومة؛ لأنها آخر ما يعوق استكمال المشروع
الصهيوني.
وتؤكد مصر أن فتح معبر رفح مرهون بالمصالحة الفلسطينية، ومادام المعبر
مغلقاً فلا حديث عن إعادة الإعمار أو حتى البقاء على قيد الحياة؛ لأن مصر تجتهد في
بناء جدار مبارك الفولاذي الذي تلقت مصر من مؤتمر الإيباك أحر التحيات والتبريكات
عليه، كما تداوم "إسرائيل" على تحية مصر لهذا العمل" البطولي" الذي يحمي أمن مصر من
"إرهاب غزة" ويساعد على تقويض حكم حماس فيها، لأنه يبدو أن حكم حماس في غزة هو الذي
فرض الحصار على الجميع، وهو الذى دفع أبو مازن إلى مباركة الحصار، والدعوة في قمة
سرت إلى رفعه بعد زوال "انقلاب حماس".
وتعلم مصر جيداً أن قرار فتح المعبر لا
يرتبط فقط بموافقة السلطة أو بالمصالحة حتى لو تمت، وإنما يفتح بموافقة "إسرائيل"
والولايات المتحدة.
فإن كانت المصالحة على مذهب أبو مازن، تمت تصفية حماس، وفتحت
جميع أبواب ومنافذ مصر، كما تم فتح منافذ "إسرائيل" للتواصل بين غزة ورام الله،
وذلك بعد أن تحتل غزة أو أن تضمن من خلال أبو مازن أن غزة لن تسقط مرة أخرى في يد
حماس، وأنها ستصبح كالضفة مرتعا للاحتلال والاستيطان.
فالقضية الأساسية؛ وهي أن
غزة تحت حماس جوهر المشكلة بالنسبة لمصر و"إسرائيل" وأبو مازن، وليس الاستيطان، وضم
القدس وتهويدها وهدم الأقصى، فإن تحقق إزاحة حماس بالمصالحة على مذهب أبو مازن كفى
الله المؤمنين القتال، وإذا تعذر ذلك، قامت "إسرائيل" بالنظر في غزو غزة مرة أخرى؛
لإسقاط حماس، أو انتظار نتيجة الحصار الخانق المفروض من جانب مصر و"إسرائيل" على
غزة، لعله يفلح في تحقيق الهدف الذي تسعى إليه "إسرائيل" وحلفاؤها منذ سنوات، بل
يبدو أن دفع حماس إلى العملية السياسية كان مقصوداً، حتى تقع في مرمى الاستهداف
السياسي الإسرائيلي.
فالمصالحة على مذهب أبو مازن هي المصالحة الوحيدة المقبولة
مصريا وإسرائيليا، وهذا هو التفسير الوحيد لإعاقة واشنطن بوضوح المصالحة المصرية،
خشية أن تستفيد حماس،وهذا أيضا هو دافع الملاحظات التي تصر عليها حماس التي لا تقبل
الصيغة المعروضة؛ لأنها تعني إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل سيطرتها على غزة،
كما أن تحفظات وملاحظات حماس تهدف إلى تجنب أن تكون المصالحة نهاية لحماس بمواقفها،
وهذا هوالسبب الحقيقي فيما يبدو لرفض مصر قبول هذه الملاحظات.
فإذا كانت
المصالحة الحقيقية مستحيلة إلى هذا الحد، فإن اشتراط تحقق المصالحة حتى يفتح معبر
رفح يعني أن يظل المعبر مغلقاً، ويظل خنق غزة قائماً إلى أن تسترضي حماس أبو مازن
و"إسرائيل".
وإذا كانت المقاومة مطلوبا تصفيتها على هذا النحو، فكيف يفكر السذج
في أن البديل عن فشل عملية السلام الوهمية هو المقاومة إذا كان هذا الفشل لا يزعج
أحداً، وأن المقاومة هي أخطر ما يزعج الجميع.
أليست "إسرائيل" محظوظة، ولكنها
مجتهدة في تحقيق هذه النتيجة.
والخلاصة ارتهان أهل غزة بهذه المعادلة، وهذا هو
السبب الذي دفعني منذ فترة، ولا أزال مدفوعاً بنفس السبب، إلى التنبيه إلى خطورة
هذا المآل على سكان غزة، وطالبت بأن يتم تدويل المعابر حتى لا ترتهن حياة غزة
بمصالحة مستحيلة.
وهكذا يطالب الجميع بالمصالحة كمدخل لكل شيء، وهم يعلمون أن
المصالحة الحقيقية لن تتم إلا إذا استعاد العرب إرادتهم، وخلص قرارهم، وتصدوا هم
ل"إسرائيل"، هنالك لا نكون بحاجة إلى مصالحة فلسطينية أو عربية، نعرف جميعاً أنها
محاولة لزواج فاشل، قفزاً على واقع خلقته "إسرائيل" وساعدنا نحن على تكريسه.
أما
التفكير العدمي الانهزامي الباحث عن إنقاذ غزة من الحصار إذا سقطت حماس بالحصار، أو
أسقطتها "إسرائيل" بغزو غزة، فهو إمعان في الاتجاه نحو ضياع كل فلسطين، فخير لنا أن
تكون غزة محررة بدلاً من أن تلحق بالضفة تحت الاحتلال، وتجري عليها معاول التهويد،
وشل إرادة السلطة التي تجاوزها الضم والتهويد، وأصبحت من تاريخ الماضي
القريب